العرب اللندنية: يواجه التونسيون العاملون في ليبيا وخاصة بالمناطق التي تسيطر عليها ميليشيات إسلامية، صعوبات جمة في العودة إلى تونس، على خلفية عمليات الخطف التي ازدادت وتيرتها في الفترة الأخيرة. وكشفت مصادر رفض الكشف عن هويته لدواع أمنية، عن حالة خوف وقلق تسيطر على التونسيين الراغبين في العودة، خوفا من اعتقالهم، على غرار ما حصل لكثيرين، خاصة مع إغلاق القنصلية التونسية في طرابلس. وقال المصدر في اتصال هاتفي، إن هناك عمليات استهداف واضحة للتونسيين في هذا البلد الجار، ولأسباب مختلفة، كالانتقام، أو بغرض سرقة أموالهم التي عملوا جاهدين لتأمينها متحدّين المخاطر الأمنية. ويوجد في ليبيا آلاف العاملين التونسيين المتمركزين أساسا في طرابلس العاصمة وضواحيها ومصراتة (شرقا). ووفق آخر الإحصائيات، تقدر عدد العمالة التونسية في الجارة الجنوبية بنحو مائة ألف، معظمهم يشتغلون في التجارة وشركات المقاولات وقطاعي الصحة والإعلام. ويأتي هذا الرقم ليعكس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها المواطن التونسي المضطر إلى الذهاب إلى ليبيا رغم الأوضاع الأمنية غير المستقرة، للعمل هناك بيد أن التطورات الأخيرة من شأنها أن تدفعه للعزوف عن ذلك. وجاوز عدد العملة التونسيين المخطوفين في ليبيا خلال هذا الشهر المئتين، وقد أطلق معظمهم وعلى دفعات في صفقة إطلاق سراح القيادي في فجر ليبيا وليد قليب الذي اعتقلته السلطات التونسية.
ويستعد المئات من التونسيين إلى المجازفة ومغادرة الأراضي الليبية، مع إحساس متزايد بعدم الأمان، وخوف مما يخبئه لهم طريق العودة الطويل. وفي اتصال هاتفي مع "العرب" قال أحد العاملين في منطقة الخمس القريبة من العاصمة طرابلس "الوضع بات خطيرا جدا، وهناك حالة خوف كبيرة في صفوف العمال التونسيين"، مضيفا "إن أنباء تصلنا عن عمليات خطف واعتقال ونهب للأموال تحصل على طرقات العودة”، من طرف مسلحين. وأعرب المواطن التونسي عن خشيته من تعرضه للسرقة قائلا "عملت جاهدا خلال عام قضيته في ليبيا رغم المخاطر، وبتّ أخشى اليوم من ذهاب هذا الجهد هباء". وفي حال تمكنه من العودة إلى تونس، أكد"لن أعود مجددا إلى ليبيا بعد حالة الخوف والهلع التي مررت بها على مدار الأسابيع الأخيرة". ودعت تونس رعاياها إلى مغادرة ليبيا والعودة. وقال وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش في تصريح له في مطار تونس العوينة لدى استقباله الديبلوماسيين التونسيين العشرة الذين تعرضوا للاختطاف في ليبيا مؤخرا "أطلب من كل المواطنين في ليبيا العودة لأرض الوطن، ونحمّل كل من يخالف ذلك مسؤولية ما قد يتعرض له”.
وجاء هذا القرار التونسي عقب عملية الاختطاف التي طالت عشرات العمال فضلا عن ديبلوماسيين يعملون في القنصلية بطرابلس جرّاء اعتقال وليد القليب القيادي في فجر ليبيا المتطرفة والمتهم بارتكاب أعمال إرهابية داخل الأراضي التونسية. ورغم إصرار السلطات الرسمية التونسية على القول بأن تسليم القليب جاء بقرار قضائي، إلا أن المتابعين والمحللين، أكدوا أنه تم بقرار سياسي محض قضى بمبادلة القيادي المتطرف بالمختطفين التونسيين. وقد أثارت عملية تسليم القليب ردود فعل متباينة في أوساط التونسيين الذي انقسموا فيما بينهم بين الإشادة بالقرار بالنظر لوجود جالية تونسية هناك مهددة، وبين رافض لمنطق "ليّ الذراع" الذي تقوم بها الميليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس، لما لها من تداعيات خطيرة، لعل أبرزها تمادي الميليشيات الإسلامية في مسلكها الموجه ضد تونس. وأرخت التطورات الأخيرة بظلالها على العلاقة بين الحكومة الموازية وميليشيا فجر ليبيا وبين تونس، الأمر الذي يثير المخاوف على سلامة التونسيين الموجودين في هذا البلد. ولا يتوقف قلق تونس عند تداعيات هذا التوتر السائد مع الحكومة الموازية في طرابلس بل يمتد إلى كيفية احتواء العدد الكبير من التونسيين العائدين من ليبيا والذين سينضافون إلى القائمة الطويلة من العاطلين عن العمل.
وتعاني تونس، من أوضاع اقتصادية واجتماعية هشة منذ عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وازداد الوضع صعوبة بعد ثورة 14 يونيو حيث فشلت جميع الحكومات، بشهادة الخبراء والمختصين في وقف تداعي الاقتصاد التونسي ووضع حد للارتفاع المطّرد في معدلات البطالة، التي بلغت أكثر من 600 ألف عاطل عن العمل، وفق آخر الأرقام الرسمية التي ذكرها المعهد الوطني للإحصاء. ومن شأن عودة آلاف التونسيين أن يزيد الوضع الاقتصادي تعقيدا، في ظل عدم وجود برنامج اقتصادي واضح للحكومة الحالية، وضعف الدعم الدولي لهذا البلد، الذي يعدّ الوحيد تقريبا الذي يشهد نوعا من الاستقرار مقارنة بباقي الدول التي عرفت ما يسمى بـ الثورات العربية". ويفرض صندوق النقد الدولي شروطا مجحفة لدعم تونس اقتصاديا، من بينها اتّباع سياسة تقشفية فضلا عن تعزيز مسار خوصصة المؤسسات الحكومية، ورفع الدعم عن السلع الأساسية. هذه الشروط تجعل تونس بين خيارين أحلاهما مرّ إما السير قدما في تنفيذ مطالب الصندوق الدولي الأمر الذي يهدد السلم الاجتماعي، أو رفض الأمر وهو ما يعني استمرار تدهور الواقع الاقتصادي خاصة ومثلما ذكرنا آنفا لا توجد سياسة اقتصادية واضحة تنتهجها حكومة الصيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق