تثير العلاقة بين الجزائر وإيران هواجس كثيرة بالنظر إلى طموحات الأخيرة ومحاولاتها ضرب الأمن القومي العربي، ويرى البعض أن على النظام الجزائري إعادة النظر في مسلكه الحالي وأن يتعظ من التجارب السابقة المريرة مع طهران.
العرب اللندنية: تشهد العلاقة بين إيران والجزائر تطوّرا مطردا، ترجم في توقيع البلدان، مؤخرا، لمجموعة من الاتفاقيات الجديدة التي من شأنها أن تعزز الشراكة بينهما في مجالات عدة خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والطاقة. ومن شأن هذا المنحى الذي اتخذته العلاقة بين النظام الجزائري وطهران، أن يلقي بمزيد من الظلال القاتمة على علاقة الجزائر بمحيطها العربي، الذي يتوجس من سياسات طهران الملتوية التي تهدد أمنه القومي. وقعت الجزائر وطهران ثمانية اتفاقيات، وذلك إثر اجتماع للجنة مشتركة عليا بين البلدين، ترأسها الوزير الأول الجزائري عبدالمالك سلال، والنائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري.
ووفقا لمصادر رسمية جزائرية وإيرانية، فإن إسحاق جهانغيري أبدى رغبته في تحقيق تعاون بين البلدين "يحول دون انخفاض سعر النفط أكثر ممّا هو عليه الآن وسيسمح للطرفين برفع أسعار النفط دوليًا"، معتبرًا أن "هناك مؤامرة تحاك ضد الدول المنتجة للنفط لأجل التواطؤ لتخفيض سعر النفط". وتحدث جهانغيري عن أن الجزائر توجد ضمن قائمة أهم الدول التي تنوي إيران تقوية علاقاتها الاقتصادية معها، وأن الشركات الإيرانية مستعدة للاستثمار في الجزائر، وهو ما دعا إليه كذلك الوزير الأول الجزائري، التي طالب بإقامة شركات مختلطة بين الطرفين لأجل الدخول إلى السوق الأفريقية، داعيا رجال الأعمال الإيرانيين إلى الاستثمار في بلاده.
وكشف عبدالمالك سلال أن الجزائر ستعمل مع إيران لأجل مكافحة التطرف والإرهاب، وذلك في وقت أعلنت فيه المملكة العربية السعودية عن حلف إسلامي لمواجهة الإرهاب. وقد وقع الطرفان خمسة برامج تنفيذية للتعاون في مجالات الشباب والرياضة، والتكوين والتعليم، والثقافة، والأشغال العمومية، والتعليم العالي والبحث العلمي، زيادة على ثلاث مذكرات تفاهم واحدة في مجال البحث العلمي، والثانية في المجال العدلي، والثالثة في المجال الديبلوماسي. والعلاقة بين إيران والجزائر ليست بجديدة بل تعود إلى عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وقد اتسم مسارها في الغالب بالانفتاح، خاصة في عهد الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة.
ويرى محللون أن إيران حريصة جدا على تعزيز الروابط مع الجزائر، وعدم حصر الاهتمام بهذا البلد الواقع في شمال أفريقيا في الجانب الاقتصادي. ويأتي هذا الحرص الإيراني لرغبة طهران في مد نفوذها بمنطقة شمال أفريقيا، وترى في الجزائر بوابتها لتحقيق ذلك، خاصة وأن العلاقة مع باقي دول المنطقة فاترة. وتعزز السياسة الخارجية الجزائرية التي عادة "ما تغرد خارج السرب العربي" الطموحات الإيرانية لمزيد استمالة الجزائر، لا بل وتشكيل تحالف معها.
والجزائر على مدار العقود الماضية حرصت على التزام الحياد "غير المبرر" في التعامل مع القضايا العربية، وآخرها القرار الذي اتخذته بعدم المشاركة في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي أعلنت عنه المملكة العربية السعودية. وقد أثار الرفض الجزائري للمشاركة في التحالف جدلا واسعا خاصة وأن الأخيرة مهددة أكثر من غيرها بالإرهاب الذي يحاصرها من جهتين (ليبيا، ومالي). وتتذرع الجزائر بأن سبب رفضها للدخول في مثل هذه التحالفات هو أن دستورها لا يبيح وجود قوات لها خارج أراضيها، مع أن هذه القاعدة شذت عنها في عدد من المناسبات، وهنا نستذكر مشاركة قوات جزائرية في الحروب العربية الإسرائيلية.
ويذهب البعض إلى أن الرفض الجزائري يتأتى أساسا من عدم رغبتها في إغضاب الجانب الإيراني الذي يرى أن هذا التحالف الوليد يستهدفه بشكل أساسي ويسعى لتحجيم تمدّده في المنطقة. ويعزز هؤلاء رأيهم بالإشارة إلى أن الجزائر سبق وأن رفضت المشاركة أيضا في عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية لاستعادة السلطات الشرعية في اليمن سيطرتها على البلد الذي وضعت ميليشيات الحوثيين المدعومة من طهران يدها عليه. وقد بررت الحكومة الجزائرية آنذاك سبب رفضها المشاركة في عاصفة الحزم بالقول “إن الجزائر لديها موقف سياسي يقضي بعدم مشاركة جيشها في حرب خارج أراضيها”، وفق ما ورد على لسان وزير الخارجية رمطان لعمامرة.
الموقف الجزائري تكرر أيضا مع القوة العربية المشتركة التي دعت إليها مصر وتبتنها خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تهدف أساسا إلى مكافحة التهديدات الإرهابية. هذا النهج الجزائري المثير للجدل، يستهوي طهران التي تجد أنها بإمكانها تعزيز التعاون مع هذا البلد العربي لفتح أبواب أفريقيا أمامها من جهة وأيضا تعزيز حضورها في المحيط العربي. ويرى محلّلون جزائريون أنه من الأفضل لقادة الجزائر إعادة النظر في سياساتهم الخارجية خاصة تجاه طهران، لأن المسلك الحالي لن يؤدي إلا لمزيد عزلة البلاد التي تواجه تحديات كبيرة سياسيا وأمنيا وحتى اقتصاديا. ويقول هؤلاء إن على النظام الجزائري أن يتعظ من السير خلف طهران، خاصة وأن له تجارب مريرة معها كدعمها في التسعينات لجبهة الإنقاذ الإسلامية والذى اضطر الجزائر إلى قطع علاقتها مع إيران قبل تعيدها في العام 2000، وبعدها الكشف عن محاولات إيرانية حثيثة لنشر التشيع في هذا البلد، والتي لازلت مستمرة إلى اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق