وكالات: تزامنا مع استعدادات البريطانيين التصويت على استفتاء حول استمرارهم في عضوية الاتحاد الأوروبي من عدمه، تدور مناقشة العضوية تحت أربعة عناوين، أهمها مسألة استفادة المهاجرين الوافدين إلى بريطانيا داخل الاتحاد من المساعدات الاجتماعية ودخلت مناقشات إجراء استفتاء عام بخصوص استمرار بريطانيا في الاتحاد، حيز التنفيذ، مع تفرد حزب المحافظين في السلطة عقب الانتخابات التي جرت في مايو الماضي، لا سيما أن فكرة الاستفتاء كانت من أهم الوعود الانتخابية لهم وتم عرض مسودة مشروع قرار الاستفتاء على المصادقة الملكية، بعد اختتام مجلس العموم البريطاني مناقشاته الأسبوع الماضي، وتزامن ذلك مع بدء رئيس الوزراء ديفيد كاميرون التفاوض مع دول الاتحاد الأوروبي حول شروط بلاده للاستمرار في عضوية الاتحاد.
وخلال القمة الأوروبية التي جرت، الجمعة الماضية في العاصمة البلجيكية بروكسل، جدد كاميرون في خطاب ألقاه أمام القادة الأوروبيين استمر لمدة 45 دقيقة، مطالباً بلاده للاستمرار في عضوية الاتحاد ولدى لقائه بالصحفيين، أكد كاميرون وجود “بوادر أمل” للاتفاق مع أعضاء الاتحاد، في حين صرح باقي المسؤولين عن صعوبة تحقيق كاميرون لأهدافه التي يطمح إليها ويبذل رئيس الوزراء البريطاني كاميرون، جهودا دبلوماسية حثيثة منذ صيف العام الجاري، وعقد العديد من اللقاءات مع زعماء وقادة دول الاتحاد للتباحث في الاستمرارية لكن الواضح أن مساعي كاميرون لإقناع الدول الأعضاء باءت بالفشل، خاصة حول الفكرة التي تتضمن الحد من تقديم المساعدات الاجتماعية للمهاجرين من داخل أوروبا، لأن الدول الأعضاء الأخرى ستتضرر بشكل كبير في حال أقدمت بريطانيا على هذه الخطوة.
وقامت مجموعة من الدول الأوروبية خلال القمة الأخيرة، من بينها بولونيا وجمهورية التشيك والمجر وسلوفاكيا، بنشر بيان أوضحوا فيها أن مقترحات كاميرون مخالفة لأهم مبادئ الاتحاد الأوروبي والتي تنص على حرية التجول بين بلدانها في المقابل، أعلن كاميرون أنه لم يسحب مقترحاته من طاولة الحوار رغم المعارضة الشديدة التي واجهها خلال القمة، معربا عن أمله في أن تثمر القمة المقبلة التي ستجري في فبراير 2016 عن نتائج إيجابية في هذا الصدد ومن أهم الجمل التي نطق بها كاميرون في خطابه أمام القادة الأوروبيين في القمة المنصرمة أنه “علينا أن نقبل بأن حل المشاكل كافة لا يمكن داخل الاتحاد فقط، فالحل أحيانا يكون خارج نطاق الاتحاد أيضا.
ويطالب رئيس الوزراء البريطاني دول الاتحاد، إجراء تغييرات في أربعة قضايا رئيسية قبل الإعلان عن موقفه في الاستفتاء المقبل وألمح كاميرون في رسالة بعثها مطلع الشهر الماضي لرئيس المجلس الأوروبي "دونالد توسك"، أنه سيؤيد فكرة انفصال بلاده عن الاتحاد في حال لم يتمكن من أخذ ضمانات من الدول الأعضاء حول تحقيق مطالبهم المتمثلة بإجراء تغييرات في الإدارة الاقتصادية ومسألة السيادة، إضافة إلى قضية المنافسة والهجرة.
السيادة
ويدافع رئيس الوزراء البريطاني عن فكرة استمرار الوحدة الاقتصادية بين الدول الأعضاء في الاتحاد، لكنه يعارض في الوقت ذاته فكرة التكامل السياسي، وأن مقترح حل كافة المشاكل داخل أروقة الاتحاد لا يلزم بلاده وأوضح في رسالته إلى توسك، أن تعهد الدول الأعضاء بالتكامل السياسي للاتحاد، لا يلزم بلاده، قائلا: “إن تعهد دول الاتحاد الأوروبي حول الالتزام بالتكامل السياسي، أمر لا يلزم بريطانيا، وإن إيضاح هذا الأمر له أهمية بالغة ويرى كاميرون، ضرورة منح المزيد من الأدوار للبرلمانات الوطنية داخل دول الاتحاد، مطالبا بمنحها صلاحية إيقاف مشاريع القوانين والدساتير التي لا تناسبهم.
الإدارة الاقتصادية والعملة
ومن الناحية الاقتصادية، يطالب كاميرن الاتحاد الأوروبي بتقديم ضمانات حول الإبقاء على تعددية العملات داخل الاتحاد، من أجل رفع مسؤولية إنقاذ الدول الأوروبية التي تعاني من مشاكل اقتصادية عن عاتق بريطانيا، والحفاظ في الوقت نفسه على وضع بلاده القوي خارج منطقة اليورو وصرح أنهم لا ينوون الحصول على حق الفيتو تجاه القرارات التي يتخذها الاتحاد، إنما يرغبون في إصدار مبادئ أساسية تضمن حقوق كافة الأعضاء في الاتحاد.
القدرة التنافسية
بين المطالب الأساسية لديفيد كاميرون من الاتحاد الأوروبي، هي زيادة القدرة التنافسية ولتحقيق هذا المطلب، أوصى بالعمل على تقليل البيروقراطية داخل الاتحاد وتسهيل الاتفاقيات التجارية مع دول خارجه، إضافة إلى توسيع السوق المشتركة التي تتيح تنقل الأمتعة والبضائع والخدمات بلا قيود في المقابل، تبذل المفوضية الأوروبية في هذه الآونة، جهودا لتوسيع السوق المشتركة بشكل يستوعب قطاع الطاقة والاقتصاد الرقمي، ويعمل على تقليل البيروقراطية الموجودة في بروكسل ويرى محللون أن مطلب كاميرون بخصوص زيادة القدرة التنافسية، يعد من أبسط المطالب التي يمكن حلها كما يعتقد المحللون، أنه من المتوقع أن تسبب مسألة رفع القيود عن قطاع الخدمات، مشاكل في محادثات الطرفين حول بند زيادة القدرة التنافسية.
الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي
تُعد مطالب رئيس الوزراء البريطاني بخصوص الحد من ظاهرة الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي، من أهم المطالب وأكثرها تعقيدا في المفاوضات الجارية بين الاتحاد وبريطانيا ويرغب كاميرون في فرض قيود قانونية، لمنح المهاجرين من داخل الاتحاد إلى بريطانيا فرصة الاستفادة من نظام الضمان الاجتماعي، وهو اشتراط أن يكون المهاجر قد أمضى أربعة أعوام في العمل داخل حدود بلاده. لكن باقي الدول الأعضاء يرون في هذه الخطوة إخلالا لمبدأ حرية انتقال اليد العاملة داخل دول الاتحاد، وأنها ستؤدي إلى التمييز بين الأفراد.
وأوضح كاميرون أن عدد سكان بريطانيا في تزايد متصاعد، على عكس باقي دول الاتحاد، وإن التوقعات تشير إلى تصدر المملكة المتحدة قائمة الدول الأوروبية من حيث كثرة عدد السكان بحلول عام 2050 وقال رئيس الوزراء البريطاني: "وصل عدد المهاجرين إلى بريطانيا، 300 ألف سنويا ولا يمكن لنا أن نسمح باستمرار هذا الأمر، وهناك خطوات علينا أن نقوم بها لمراقبة تدفق الهجرة من خارج أوروبا، لكننا نحتاج في الوقت نفسه إلى اتخاذ عدد من الضوابط لحد الهجرة من داخل الاتحاد".
وبحسب الأرقام المعلنة، فإن أكثر من 400 ألف مهاجر من دول أوروبا، يعملون في بريطانيا ويحصلون على مساعدات اجتماعية بقيمة 5 مليار جنيه استرليني، وتحتل رومانيا وبلغاريا وبولونيا قائمة الدول الأوروبية التي تضخ مهاجرين إلى بريطانيا ويعملون بأجور زهيدة ويعتمدون بشكل كبير على المساعدات الاجتماعية المقدمة لهم، الأمر الذي يولد صخبا لدى الشارع البريطاني. وتوضح تقارير معدة في هذا السياق، أن مجلس العموم البريطاني اقترح بنودا لتخفيف المساعدات الاجتماعية للمواطنين البريطانيين أيضا، غير أن مجلس اللوردات رفض تلك البنود.
بريطانيا ومغامراتها داخل الاتحاد الأوروبي
تعتبر بريطانيا نفسها قوة عالمية؛ لا يمكن لها أن تظل محصورة ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي، ففي بداية الإعلان عن تشكيل الاتحاد، قامت بريطانيا بالاستهزاء منه واعتبرته صغيرا، ومع حلول عام 1963 قررت الانضمام إليه لكنها واجهت الفيتو الفرنسي. ورفض الرئيس الفرنسي حسنها شارل دي غول، طلب بريطانيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد في عام 1967، اعتقادا منه أن الحكومة البريطانية تتبنى سياسات عدائية للاتحاد. وتمكنت بريطانيا من الحصول على عضوية التجمع الاقتصادي الأوروبي في عام 1973، عقب زوال حكم دي غول في فرنسا.
وخلال التحضيرات لانتخابات عام 1974، أدرج حزب العمال البريطاني برئاسة هارولد ويلسون، مسألة إجراء استفتاء حول قضية انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي ضمن جدول وعوده الانتخابية وعندما وصل ويلسون إلى سدة الحكم، أعلن أنه سيعيد المفاوضات حول شروط انضمام بريطانيا إلى الاتحاد، ومن ثم سيقوم بطرح ذلك إلى الاستفتاء، وعقب إجراء الاستفتاء عام 1975، اتضح أن 67٪ من الشعب البريطاني يؤيد وجود بلادهم في الاتحاد الأوروبي.
وتعتبر إنجلترا، واحدة من الدول التسع التي تستمر في استخدام عملتها الخاصة داخل الاتحاد إلى جانب بلغاريا وجمهورية التشيك وكرواتيا والدنمارك والمجر وبولونيا ورومانيا والسويد، إضافة إلى خروجها على اتفاق "شنغن" التي تنص على حرية التنقل بين الدول الأوروبية من دون الحصول على جواز سفر، إلى جانب بلغاريا وكرواتيا وقبرص اليونانية وإيرلندا ورومانيا. وتعد مطالب كاميرون المتضمنة إجراء عدد من التغيرات في بنود الاتحاد، بمثابة إجراء تغيير جذري على هذه البنود المتفق عليها منذ تأسيسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق