تكشف ليديا ويلسن، الباحثة في مركز حل النزاعات المستعصية التابع لجامعة أكسفورد، أن الإسلام ليس وحده المسؤول عن رفد تنظيم الدولة الإسلامية بالمقاتلين والمجنّدين، بل بالعكس توصّلت، إثر لقاء مع مجموعة من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، تم القبض علهيم وأودعوا السجن في انتظار إعدامهم، أن الخوف والإحباط والدافع المالي هي الأسباب التي جعلتهم ينضمون لداعش، وهي نفس الأسباب التي ساقها باحثون آخرون اهتموا بظاهرة المجنّدين الأوروبيين في صفوف هذا التنظيم المصنف في صدارة قائمة التنظيمات الإرهابية العالمية.
العرب اللندنية: منذ أن ضرب تنظيم الدولة الإسلامية في العمق الأوروبي، تركّزت دعوات المسؤولين والمتابعين على المطالبة بما وصفه وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف بـ"تطوير الإسلام المستنير"، لمواجهة الأراء الظلامية التي تدفع الشبان المسلمين إلى العنف. ولم تختلف الدعوة في بلاد المسلمين، حيث استهدف الإرهاب مؤخّرا، وبشكل خاص، مصر وتونس ولبنان، بالإضافة إلى ما تعيشه كل من المناطق العراقية والسورية الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. وتركّزت أغلب التدخّلات والأراء على ضرورة مواجهة الإرهاب والتطرّف بالاعتدال والتنوير.
لكن، ورغم أن هذه الدعوات تلامس الصواب، إلا أنها، وفق خبراء متخصّصين في شؤون الإرهاب والتنظيمات الجهادية، ليست سوى نقطة على قائمة الأسباب التي تدفع الشباب الأوروبي والعربي إلى تنظيم داعش. من بين هؤلاء الخبراء ليديا ويلسن، الباحثة في مركز حل النزاعات المستعصية التابع لجامعة أكسفورد، التي توصّلت، بعد رحلة قامت بها مع مجموعة من الباحثين والمختصين، إلى العراق، التقت خلالها عدد من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية المعتقلين في السجون، أن الدوافع الدينية آخر المحفزات وراء انضمام الشباب إلى داعش.
تتحدّث ويلسن عن مقابلاتها مع مقاتلي داعش في السجن قائلة "كنت أجلس في غرفة المقابلات في أحد مراكز الشرطة في مدينة كركوك العراقية، وقد لمحت أول سجين يتم جلبه وهو محاط باثنين من رجال الشرطة ومكبل اليدين. وقفت غير متأكدة من قواعد إجراء المقابلات مع مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية". وتضيف واصفة السجين "كان صغير السن، أصغر بكثير مما كنت أعتقد".
ويواجه هذا الصبي عقوبة الإعدام، وهو عقاب كلّ من يقع القبض عليه من مقاتلي داعش، حيث تفيد عمليات إعدام متسرعة لأسرى من الدولة الإسلامية دون اتباع الإجراءات القانونية، أنه لا فائدة ترجى من اتخاذ أسرى تابعين للدولة الإسلامية. وتنقل ويلسن عن مصدر أمني تحدّث إليها، عن أسباب عدم جدوى اتخاذ أسرى من أجل المساومة، حيث قال "مع الدولة الإسلامية، ليس هناك حل وسط، لا تفاوض… إنهم لا يرغبون في تبادل الأسرى لأنهم يعتقدون أن موتهم أفضل حل". وأضافت أن "مختلف القادة العسكريين قالوا إنهم لا يريدون اتخاذ أسرى، لأن الأجساد المصابة غالبا ما تكون مفخخة". رافق ويلسن في رحلتها كلّ من سكوت أتران، أنثربولوجي أميركي مستقر في فرنسا، ودوغ ستون، جنرال أميركي متقاعد أمضى أكثر من عامين خلال الاحتلال الأميركي في العراق. وقد التقى الفريق في كركوك، التي وصفتها ويلسن بالمليئة بالخلايا النائمة التابعة للدولة الإسلامية، بعنصر من عناصر التنظيم، ألقي عليه القبض هناك.
تقول ويلسن عن السجين الذي التقته في كركوك: هذا الرجل (26 عاما)، هو الأكبر من بين 17 طفلا أنجبهم والده من امرأتين تزوجهما في الوقت نفسه. وأكمل الصف السادس، وهذا يعني أنه على الأقل يعرف القراءة والكتابة، خلافا لآخرين قابلناهم. وهو متزوج، وله ولدان. كان يشتغل عاملا لدعم عائلته الممتدة، وعندما أصيب ظهره فقد وظيفته، فعرض عليه صديقه العمل لفائدة تنظيم داعش. واللافت في اعترافاته أنه وصف العيش في ظل هذا تنظيم بأنه نوع من الإرهاب، وقال إنه يقاتل فقط لأنه خائف وعائلته في حاجة إلى المال. وكان هذا السجين هو من أشرف على تفجير سيارة مفخخة أودت بحياة أربعة من في كركوك، إلى جانب تفجير قنبلة مثبّتة بدراجة نارية في سوق مزدحمة لبيع الأسلحة، مما أسفر عن مقتل العشرات من الأشخاص. وقد تم إيجاد اسمه ضمن قائمة كانت بحوزة أحد ممولي الخلايا النائمة في كركوك. وطلبت الشرطة من هذا الرجل الاتصال بكل شخص في القائمة، وهي خلية تضم ستة أشخاص، وإخبارهم بعقد اجتماع، لتعتقلهم الشرطة جميعا في يوم واحد.
أسباب الانضمام إلى داعش
بعد مرحلة الاستجواب تمر الباحثة إلى الإجابة عن سؤالها المركزي لماذا ينضم المقاتلون إلى داعش، لتجيب قائلة "إن الكثيرين يفترضون أن هؤلاء المقاتلين دفعهم الاعتقاد في تنظيم الدولة الإسلامية، والخلافة التي يقودها "أمير المؤمنين" أبوبكر البغدادي. لكن لم يكن هذا حلم الأسرى الذين التقيناهم. إنهم يجهلون الإسلام ويجدون صعوبة في الإجابة عن أسئلة حول الشريعة الإسلامية، والجهاد المسلح والخلافة". وتؤيّد هذه القراءة ايرين سالتمان، وهي باحثة في مجال مكافحة التطرف في معهد الحوار الاستراتيجي (لندن)، التي تقول إن "هناك تركيزا الآن في عملية التجنيد التي يقوم بها قادة داعش وتتركّز على أولئك الذين يملكون معرفة ضئيلة بالإسلام". وتضيف سالتمان "إننا نشهد حركة بعيدة عن التدريب الأيديولوجي الديني الصارم كشرط للتجنيد. نحن نرى أن استراتيجية التجنيد تشعبت لتستقطب جمهورا أوسع من ذلك بكثير نظرا للعديد من العوامل المختلفة".
والدليل على ذلك، وفق دراسات غربية عديدة، ارتفاع عدد الأوروبين، من أصول مسلمة أو الذين اعتنقوا الإسلام حديثا، في صفوف هذا التنظيم؛ ومن بين هذه الدراسات دراسة صدرت عن المركز الدولي لدراسات الإرهاب والأمن، (نشرت في "العرب" في 12/11 /2015، العدد: 10095،(ص7))، قامت خلالها الباحثة ماريون فان سان بتتبع مجموعة تضم 17 شابا وفتاة، بلجيكيين من الذين سافروا إلى سوريا والتحقوا بصفوف داعش. وقد وجدت الباحثة، بعد بحث استقصائي معمق، أن هؤلاء الشباب ليسوا سوى نفوس ضائعة تبحث عن أجوبة، عاشوا في الشوارع وتعرّضوا للعنف وتعاطوا المخدّرات ودخلوا السجن، وقد وجدوا في الشعارات التي يروّج لها أنصار تنظيم الدولة الإسلامية مخرجا من مأزقهم وفرصة للعيش في كنف “المدينة الفاضلة”.
في سياق متصّل، ذكر تقرير أميركي، يبحث عن أسباب انضمام العديد من الشباب الغربي إلى هذا التنظيم، أن معظم هؤلاء الشباب هم “ممن لديهم هوية ممزقة”. ويذكر فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية أن حوالي 500 مواطن ألماني انضموا إلى داعش، لافتا إلى أن الخبراء أكدوا أن 40 بالمئة منهم، هم ممن دخلوا للإسلام حديثا، وبعضهم سافر بحثا عن المغامرة، بينما سافر آخرون للبحث عن مكان للانتماء والتخلص من التهميش.
وتلتقي كل هذه الرؤى مع ما توصّل إليه تحقيق ليديا ويلسن التي تقول إن “المقاتلين الغربيين الذين توجهوا للقتال إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية يملكون فكرة هجينة حول الجهاد، لا تقوم على حجج دينية سليمة أو حتى أدلة صحيحة ومؤكّدة من القرآن الكريم”. بدورها، تخلص ايرين سالتمان إلى أن “عملية التجنيد تقوم على اللعب على رغبات المغامرة والنشاط والرومانسية والطاقة والانتماء، وإلى حد ما الوفاء الروحي والديني عند بعض المسملين المتشدّدين بالفطرة”.
عراقيون في صفوف داعش
إذا كانت المغامرة والفراغ والبحث عن الهوية هي الأسباب التي دفعت شباب أوروبا إلى حجيم داعش، فما الذي يدفع أبناء العراق للانضمام إلى هذا التنظيم الذي يدنس ماضيه ويحرق حاضره. الإجابة على هذا السؤال اختصرتها ليديا ويلسن في نقطيتين: التدخل الأميركي وحكومة المالكي. وتقول في هذا السياق: في نهاية المقابلة مع أول سجين، توجّه بغضب إلى الجنرال الأميركي ودوغ ستون وقال: "جاء الأميركيون، قضوا على صدام، ولكنهم قضوا على أمننا أيضا، لم أكن أحب صدام، لقد جعنا في ذلك الحين، ولكن على الأقل لم تكن لدينا حرب". وكانت هذه التجربة مألوفة جدا بالنسبة لدوغ ستون الذي قال "لقد تكرر المشهد نفسه عند 80 في المئة من المعتقلين العراقيين الذين كانت شكواهم الأولى حول الأمن وضد القوات الأميركية". لتضيف ويلسن: نضج هؤلاء الشبان في ظل الاحتلال الأميركي وكانت البلاد تعيش في فوضى وعنف في ظل حكومة شيعية طائفية يرأسها نوري المالكي.
ورصدت الباحثة أن أكبر استياء لمقاتلي داعش المعتقلين الذين تحدّثت إليهم كان أنهم لم يعيشوا فترة المراهقة؛ وحياتهم كانت خالية من المتعة. وبعض المقاتلين الآخرين، كانوا أطفالا من الذين فقدوا آباءهم الأمر الذي ملأ قلوبهم السخط على أميركا وحكومة المالكي. ورغم أنهم لا يؤمنون بفكرة الخلافة الإسلامية العابرة للحدود، إلا أنهم وجدوا أن تنظيم داعش يمنحهم وسيلة لـ"الدفاع عن كرامتهم". وتختم ليديا ويسلن دراستها بحوار دار بين أحد مقاتلي داعش وقائده، وقد نقل لها المكاملة الجنرال عزيز ياوسي، قائد قوات نخبة "زيرفاني" التابعة للقوات الكردية، الذي قال إنه التقط محادثة عبر اللاسكي بين أحد مقاتلي داعش على أرض المعركة وهو يتوسل قائده، قائلا "أخي معي، لكنه مات، ونحن محاصران، وبحاجة إلى مساعدة"، فرد عليه القائد "ماذا تريد؟ أخوك في السماء وأنت على وشك أن تلحق به". وكان جواب الشاب"رجاء تعال وأنقذني، هذه السماء، أنا لا أريدها". لكنه تركه ليلقى مصيره.
مثل هذه الممارسات تؤكّد صحّة ما جاء في دراسة صدرت عن المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي تقول إن عددا كبيرا من الجهاديين بدأ ينشق عن داعش بعدما لم تتحقق الوعود بالمدينة الفاضلة والسيارات الفارهة والبطولات الخرافية. وذكرت الدراسة أن المتحررين من وهم داعش غادروا بعد أن خاب أملهم من مستوى المعيشة وأسلوب الحياة وكانوا من بين الذين انضموا إلى التنظيم لأسباب مادية وشخصية، كما أن مستوى الوحشية ضد المسلمين الآخرين والاقتتال الداخلي كانا أيضا من الأسباب التي قال الجهاديون المنشقون إنها دفعتهم للهرب، من داعش. ليخلص المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي منبّها إلى أن الانشقاقات إن تكررت بشكل كاف ستكون من أهم الوسائل التي ستساعد على تدمير صورة داعش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق