وكالات: أطلق الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مبادرة لإنهاء حالة الانقسام التي يعاني منها نداء تونس -الذي أسسه بنفسه والذي يقود الائتلاف الحاكم- خشية فقدان الصدراة في البرلمان لخصومه الإسلاميين، لكنه فجر جدلا واسعا حول التداخل بين الدولة والحزب. ودعا السبسي في خطابه الذي بثه التلفزيون الوطني، قادة حزب نداء تونس إلى تجاوز الانقسامات العميقة التي يعاني منها والتي تهدد بتفككه. واعترف الرئيس التونسي بأن الحزب يمر بـ"أزمة قيادة، وهذه القيادة غابت عنها ثقافة التحاور ولم تأخذ في الاعتبار الوضع المتأزم الذي تمر به تونس ولا صورة تونس في الخارج وبالخصوص الشعار الذي اتخذناه لهذه الحركة وهو الوطن قبل الأحزاب".
ويتنازع على القرار داخل الحزب الأمين العام الحالي محسن مرزوق (يساري) ونائب رئيس الحزب حافظ قائد السبسي نجل الرئيس الذي يتهمه خصومه بالسعي إلى "خلافة" والده في منصبه. واقترح قائد السبسي تكوين هيئة من 13 عضوا من نداء تونس تتوفّر فيهم الكفاءة والوطنية والرغبة في لم الشّمل، مهمتها التوفيق بين الشقين المتخالفين إما بعقد مؤتمر انتخابي أو مؤتمر توافقي، مشيرا إلى أنه لا يميل إلى عقد مؤتمر انتخابي لأن ذلك يتطلب وقتا طويلا. وكان نجل السبسي قد دعا بدوره هذا الشهر إلى مؤتمر توافقي غير انتخابي وهو ما يرفضه معسكر مرزوق الذي يرى في ذلك انقلابا على الديمقراطية في الحزب وسعيا للسيطرة على دواليبه وسعيا للتوريث أيضا.
وأكد مراقبون أن الرئيس التونسي فضح انحيازه لنجله من خلال تبني خياراته السياسية ومن خلال وصفه للهيئة التأسيسية المحسوبة عليه بأنها "شرعية". وبعد ساعات قليلة من خطاب الرئيس التونسي أطلق نشطاء ومدونون حملة واسعة على الإنترنت اسمها "آش مدخلني" (هذا لا يعنيني) وسط انتقادات للرئيس بخرق الدستور الذي ينص على منع الخلط بين المهام في الدولة والحزب. وقالوا إن حديث قائد السبسي أمر حزبي خالص لا يعني كل التونسيين بل يعني جزءا فقط من ناخبي نداء تونس. ودعت حركة الشعب المعارضة، البرلمان إلى مساءلة الرئيس بعد ما قالت إنه خرق للدستور. وجاء في بيان الحركة أن "رئيس الدولة أطل ليلة الأحد لا ليُقدم مبادرة تدفع في اتجاه تخفيف الاحتقان بل ليؤكد كونه ليس رئيسا لكل التونسيين".
ولكن السبسي استبق حملة الانتقادات بقوله في خطابه إن الخوض في خلافات نداء تونس أمر مهم لأن المُقرضين الدوليين يُبدون خشية على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، معتبرا أن نداء تونس عنصر أساسي ومهم في هذا الانتقال وفي إحداث توازن سياسي في البلاد. وفي ما يبدو أنه تعليق مباشر على مبادرة السبسي قال محسن مرزوق على صفحته الرسمية على الفيسبوك إنه حان الوقت لاتخاذ “قرارات موجعة بعد أن وصل العفن مداه”، دون أن يعطي تفاصيل عن هذه القرارات، وفي إشارة إلى تصعيد محتمل للانقسامات في صفوف الحزب.
وفي سياق آخر يتعلق بالوضع العام في تونس شدد الباجي قائد السبسي على ضرورة التمسك بالدولة المدنية التي تتخذ من الدستور مرجعية لها ضد مساعي الجهاديين إلى بناء دولة خلافة ذات مرجعية عقائدية، وأكد أن تونس تعمل بالتنسيق مع الدول التي تعاني هي نفسها من “آفة الإرهاب” إلى وضع خطط للتصدي لمخاطر الجهاديين.
وقال قائد السبسي “الدولة التونسية قائمة منذ 3000 سنة وستبقى قائمة بفضل قوات الأمن والدرك والجيش الوطنيين التي دخلت في مرحلة العمليات الاستباقية للكشف عن العمليات الإرهابية قبل وقوعها”. وجاءت كلمة قائد السبسي لطمأنة التونسيين والتخفيف من مخاوف تساورهم بشأن مستقبل البلاد في ظل تزايد خطورة هجمات الجهاديين الذين نفذوا خلال العام 2015 ثلاث هجمات ضربت في العمق كيان الدولة ومؤسساتها. فمنذ حوالي أسبوع شن جهادي تابع لتنظيم الدولة هجوما استهدف حافلة لأعوان الأمن الرئاسي وسط العاصمة وخلف 13 قتيلا و20 جريحا.
أما الهجومان الاثنان الآخران فقد استهدف الأول في مارس 2015 المتحف الأثري بباردو وسط العاصمة وخلف أكثر من 70 ضحية بين قتيل وجريح أغلبهم من السياح الأجانب فيما استهدف الهجوم الثاني فندقا بمدينة سوسة السياحية وخلف 38 قتيلا و39 جريحا من السياح الأجانب. وفي أعقاب هجوم سوسة أقر قائد السبسي بأن "الدولة المدنية باتت مهددة بالانهيار في حالة تكرار هجمات الجهاديين وأعلن أن تونس في حالة حرب مع جماعات جهادية تسعى إلى بناء دولة خلافة ذات مرجعية عقائدية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق