العرب اللندنية: لخّصت حادثة إطلاق نائب شيعي في البرلمان العراقي النار على عضو بارز بكتلة شيعية في مقرّ إحدى الفضائيات، ما بلغته علاقة الأحزاب والكتل الشيعية الحاكمة في العراق من توتّر يتخوّف البعض من أن يتطوّر إلى نزاع مسلّح نظرا لامتلاك أغلب تلك الأحزاب لميليشيات، وهو الأمر الذي ستكون له أسوأ النتائج على البلد الذي يعبر بمرحلة أزمة غير مسبوقة سياسية واقتصادية وأمنية تهدد كيان الدولة فيه. وشهدت أستوديوهات قناة دجلة الفضائية، حادثة فريدة تمثلت في إطلاق النائب كاظم الصيادي عن ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، النار من مسدسه الشخصي على بليغ أبو كلل، الناطق باسم ائتلاف المواطن بقيادة عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي.
ولم يتردد أبو كلل في اتهام الصيادي بمحاولة اغتياله قائلا أمس في بيان إن "الصيادي بدأ بالتهجّم علينا لفظيا ثم دعا أفراد حمايته وبدأ بمساعدتهم بمحاولة أخدنا خارج القناة، ولمّا لم يستطيعوا ذلك بسبب الإعلاميين والعاملين هناك وحماية القناة، قاموا بإطلاق النار من مسدساتهم الشخصية عليّ بشكل مباشر، ولولا تدخل أفراد الحماية في القناة لنتج عن تهوّرهم واستهتارهم وتصرفهم المشين هذا إصابتنا حتما"، موضحا أن "أسلحتهم كانت موجهة نحونا بمستوى الرأس".
وردّ الصيادي من جهته بأن "جماعة بليغ أبو كلل هم الذين استخدموا المسدس وأطلقوا منه الطلقات النارية ثم اتهموني بأني أنا الذي استخدمت المسدس". ومن جهته أدان رئيس كتلة دولة القانون علي الأديب ما حصل بين الصيادي وأبو كلل، قائلا إنه لا يمكن القبول بالحوار المسلح بين شركاء العملية السياسية. واعتبر الأديب في بيان أن "ما حصل من إطلاق نار في مقر إحدى القنوات الفضائية بين النائب كاظم الصيادي والمتحدث باسم ائتلاف المواطن بليغ أبو كلل تصرّف مدان"، مبيّنا أنه"لا يمكن لأي سياسي القبول بطريقة الحوار بهذا الأسلوب أو التعاطي مع أي شريك في العملية السياسية بطريقة إطلاق النار".
وتعكس الحادثة المذكورة في أبعادها العميقة ما بين زعيم دولة القانون نائب رئيس الجمهورية المقال نوري المالكي، وزعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم من خلافات يرجعها البعض إلى صراعهما على زعامة العائلة السياسية الشيعية الموسّعة. وأصبح المالكي خلال الفترة الأخيرة من رموز معارضة عملية الإصلاح التي يرفع شعاراتها رئيس الوزراء حيدر العبادي باعتبار المالكي أبرز المتضررين من تلك الإصلاحات بفقده منصب نائب رئيس الجمهورية، وباعتباره مرشحا للمحاسبة كأحد أكبر المسؤولين عن انتشار الفساد في البلاد، أما عمار الحكيم فقد انحاز إلى جانب حيدر العبادي المدعوم أيضا من المرجعية الشيعية العليا.
وخصومة الصيادي وأبو كلل ليست الأولى من نوعها بين نواب وسياسيين شيعة، بل جزء من الخصومات والمشادات الكثيرة التي تنقل الفضائيات العراقية نماذج عنها بشكل شبه يومي. وكان الصيادي تعرض في مايو الماضي للضرب إثر خلاف مع نواب عن التيار الصدري لاعتراضه على آلية التصويت لمنح ثقة لوزيرين من التيار الذي يتزعمه مقتدى الصدر. وسبق للأخير أن وصف كاظم الصيادي الذي كان منتميا للتيار الصدري قبل الانشقاق عنه بالمجنون، مؤكدا أنه "لن يغفر له".
وبحسب متابعين للشأن العراقي، فإن تلك الخصومات بقدر ما تعبّر عن صراع المصالح بين قادة ورموز الكتل الشيعية القائدة للعملية السياسية في العراق، تعكس في ذات الوقت "مستوى الكثير من السياسيين العراقيين الذين جاء أغلبهم إلى الميدان السياسي بالصدفة، وإثر التغيير العاصف في العراق والذي تم بفعل الغزو الأميركي للبلاد وحتم التعويل بشكل سريع على طبقة غير مهيأة لتحمل مسؤولية الفراغ الذي أحدثه تحطيم أركان الدولة العراقية التي كانت قائمة حتى سنة 2003".
وتساهم صراعات السياسيين وخصوماتهم المتكررة، والتي غالبا ما تتعلّق بأسباب سطحية وأغراض شخصية في ترسيخ صورة بالغة السلبية بأذهان العراقيين عن قياداتهم السياسية و"ممثليهم" في البرلمان، كما تفسّر تصاعد المطالبات خلال الاحتجاجات بالشوارع بإرساء دولة مدنية وإنهاء حكم الأحزاب الدينية المتناحرة. ويؤكد مطلعون على الشأن العراقي أن انتخاب أعضاء مجلس النواب لا يتم على أساس الكفاءة، بل يخضع لاعتبارات جانبية في مقدمتها شراء الأصوات بالمال، وأيضا الاعتبارات العشائرية والطائفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق