حقائق يكشفها الكاتب العربي "شاكر الجوهري" عن المستقبل العربي
المختار العربي: صعب حصر الحديث عن التدخل العسكري الروسي في سوريا في ظواهر الأمور.. أو في نقاط سطحية محدودة.. فهو حدث كثير التقاطعات والتشعبات.. عميق التحولات والنتائج. ومع ذلك، يمكن تلخيص هذا الحدث بالقول إنه بدأ بتنسيق ظاهر ومفتعل بين موسكو وواشنطن، سرعان ما كشف عن تناقض كبير بين العاصمتين الأعظم في عالم اليوم.. لينتهي إلى إحلال النفوذ الروسي محل النفوذين الأميركي والإيراني في اقليم النفط العربي.. وكذلك إلى تحويل تحالفات الدول النفطية الرئيسة من واشنطن إلى موسكو تدريجيا.. وهو تدرج يمليه بطئ مسار الحدث ذاته.. وما يمليه من بطئ في تغير المواقف الخليجية. وفي نقاط رئيسة محددة، سنتناول هنا العناوين الفرعية التالية:
أولا: مدى التناغم الأميركي ـ الأوروبي ـ الروسي ـ الإسرائيلي
ثانيا: التوقيت.. لماذا الآن..؟
ثالثا: الهدف.. أو الأهداف
رابعا: مستقبل نظام بشار الأسد
أولا: مدى التناغم الأميركي ـ الأوروبي ـ الروسي ـ الإسرائيلي
1. بداية لم تفاجأ العواصم الإقليمية الأكثر أهمية وفعالية (عمان، الرياض، القاهرة، أنقرة، اضافة إلى واشنطن ولندن) كانت على علم مسبق بنية موسكو التدخل عسكريا في سوريا. بشار الأسد، رئيس النظام السوري كان أعلن أواخر تموز/يوليو عن ضعف في قدرات جيشه البشرية وفي الذخيرة أيضا، وأقر لأول مرة بتلقيه دعما عسكريا قتاليا من إيران وحزب الله. وقبل هذا الإقرار كانت تزايدت مشاركة حزب الله في المعارك داخل الأراضي السورية، وبدا مقاتلوه يقومون بواجب عسكري كبير لم يعهدوه من قبل.
2. في أواخر الشهر التالي (آب/اغسطس) أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الملك عبد الله الثاني، خلال زيارة قام بها لموسكو، أنه يعتزم أن يتدخل عسكريا في سوريا.
3. أواسط الشهر التالي (أيلول/سبتمبر) كشفت موسكو النقاب عن ارسالها 15 طائرة ناقلة، إلى سوريا، حملت معدات وأسلحة وذخائر متقدمة لدعم النظام السوري. وأصبحت تتحدث عن ضرورة مشاركة بشار الأسد شخصيا في المرحلة الإنتقالية، التي سبق أن تقررت في مؤتمر جنيف (2012).. كمدخل لحل سياسي للأزمة السورية.
4. فجأة أصبح هنالك حديث علني عن إقامة قاعدة جوية روسية في اللاذقية، اضافة إلى قاعدة التموين الروسية الموجودة في طرطوس القريبة من اللاذقية في شمال الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط.
5. وتحركت بالتزامن حاملة طائرات وبوارج روسية من البحر الأسود، إلى البحر الأبيض المتوسط.
6. ردود الفعل الأولى التي صدرت عن واشنطن، والعواصم الأوروبية (باستثناء باريس) وشت بوجود تنسيق بين الجانبين بشأن التدخل العسكري الروسي.
7. الزيارة التي قام بها بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية لموسكو، وشت بذلك أيضا.
8. تبين لاحقا أن هدف الإتصالات الروسية مع كل من واشنطن، وتل أبيب تهدف فقط إلى ضمان عدم حدوث اشتباكات غير مبرمجة أو مخطط لها بين القوات الروسية والقوات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.. خصوصا بين الطيران الأميركي والطيران الروسي في الأجواء السورية.. حيث أن الطائرات الأميركية والحليفة تواصل طلعاتها الجوية التي تستهدف "داعش".
9. لاحقا صدرت تصريحات اميركية واوروبية ناقدة للتدخل الروسي العسكري في سوريا.. وإتهامات لروسيا بقتل طائراتها للمدنيين السوريين، وأنها تعمل على تثبيت اركان النظام السوري، ولا تستهدف القضاء على تنظيم "داعش" وشل قدراته العسكرية.. ونضيف أن موسكو تريد أن تبقى في سوريا، ومن أجل تبرير ذلك، يجب أن يبقى تنظيم "داعش" مسيطرا على أراض ومناطق سورية حيوية.. مقدما ذريعة تحقق هذا الهدف.
10. سبق كل ذلك انكشاف فشل التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية في القضاء على "داعش".. ربما لأسباب مماثلة، تريد أن تتذرع بها موسكو من بعد.
11. وتلاه تشكيل تحالف رباعي بقيادة موسكو يضم دمشق، بغداد، وحزب الله وبقية الميليشيات الشيعية في العراق وباكستان وأفغانستان.. مقره بغداد..!
12. كان لافتا الإحتجاج السوري فور شن طائرات فرنسية غارات على أهداف تتبع تنظيم "داعش".. معلنة أنه على من يريد المساعدة في ضرب الإرهاب أن ينسق جهده العسكري مع دمشق وجيش النظام.
13. صدرت تصريحات اميركية تؤكد على رفض واشنطن بقاء الأسد على رأس سوريا.. بعكس الهدف الروسي المعلن، الذي يتمسك ببقاء الأسد.
14. تعمل موسكو حاليا على توجيه دعوة لعقد اجتماع "جنيف3"، بحيث تحاول من خلاله تمرير مشروعها السياسي للحل السوري.
15. عدد من الدول الأوروبية (خصوصا بريطانيا والمانيا)، وكذلك تركيا، تراجعت عن موقفها السابق الذي يرفض مشاركة الأسد في المرحلة الإنتقالية للحل السياسي في سوريا.
ثانيا: التوقيت.. لماذا الآن..؟
هنالك أربعة عوامل رئيسة ساهمت في تحديد توقيت التدخل العسكري الروسي في سوريا:
1. الإنكسارات المتلاحقة التي لحقت بالجيش السوري على أيدي تنظيمات المعارضة خلال النصف الأول من هذا العام.
2. فشل الحملة الجوية للتحالف الدولي على "داعش" وبقية منظمات المعارضة السورية.. مع ملاحظة أن بواكير الحملة الجوية الروسية لا تشي بغير ذلك، وبقدرتها على حسم الموقف عسكريا.. وعدم وجود رغبة وإرادة سياسية لدى واشنطن بالتدخل العسكري البري. وهو بالمناسبة ما تريده موسكو أيضا.. إذ يؤكد الرئيس الروسي تصميمه على عدم ارسال قوات برية إلى سوريا.
3. إعتراف الرئيس السوري بوجود عجز بشري وتسليحي لدى جيشه.
4. تقديم الرئيس السوري طلبا لموسكو بالتدخل العسكري في سوريا.
ثالثا: الهدف.. أو الأهداف
1. الهدف المعلن للحملة العسكرية الجوية الروسية ينحصر في تلبية طلب الرئيس السوري، وإصرار موسكو على أن يكون شريكا في إدارة المرحلة الإنتقالية في سوريا.
وهنالك هدف آخر أعلنه الرئيس بوتين مؤخرا عبر تصريحات صحفية: القضاء على المتشددين الإسلاميين في سوريا قبل أن يعودوا إلى روسيا.. إذ كشف عن وجود ألفي اسلامي متشدد في سوريا ذهبوا من روسيا (الشيشان وبقية جمهوريات القوقاز)، وهو ما ينفيه تركيز الطيران الروسي على ضرب منظمات المعارضة السورية الأخرى من دون "داعش".. التي يمثل بقاءها مبررا لبقاء القوات الروسية في سوريا.. البقاء في سوريا يسهل تنفيذ بقية الأهداف في إيران والعراق وجميع دول النفط الخليجية.
2. الإحتفاظ بقاعدة التموين العسكري الروسية في طرطوس، المكلفة بتوفير خدمات لوجستية للقطع البحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط. وهي القاعدة الروسية الوحيدة في حوض المتوسط.
هذان هدفان شبه معلنين، غير أن هنالك أهداف أكثر أهمية وحيوية للإستراتيجية الروسية، لكنها غير معلنة:
3. تثبيت الهيمنة الروسية في سوريا، بدلا عن الهيمنة الإيرانية.
4. وضع قدم روسية في العراق، حيث تم اختيار بغداد (المنطقة الخضراء تحديدا) مقرا لغرفة العمليات العسكرية المشتركة للتحالف الرباعي.
5. البدء في احلال النفوذ الروسي في العراق بدلا من النفوذين الأميركي والإيراني.
6. من شأن ما سبق تقليص السطوة والنفوذ الإيراني في عموم المنطقة.. وخصوصا في منطقة الخليج العربي.
7. موسكو التي أرسلت قواتها المسلحة للقتال في افغانستان أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بهدف التقرب غير المباشر من المياه الدافئة في بحر العرب، خليج عمان، والخليج العربي.. كي تتمكن من التأثير على القرار الإقليمي وتوفير فرصة للحصول على نفط من الدول المصدرة في الخليج العربي، تأخذ بعين الإعتبار ما يلي:
أ/ أن النفط الذي تحصل عليه حتى الآن من جمهورية الشيشان الخاضعة للإدارة الروسية، وبقية دول القوقاز الخاضعة أيضا للإدارة الروسية يوشك على النضوب، بعد أن بذّرته وبعثرته بأسعار رمزية ظلت تبيعه بها لدول المنظومة الإشتراكية حتى تفككت هذه المنظومة مطلع تسعينيات القرن الماضي.
ب/ أن مصادر النفط الإيراني، الذي كان من أوائل النفوط استغلالا في العالم، قبل نشوب الحرب العالمية الثانية (1939)، أصبح هو الآخر موشكا على النضوب.
ج/ أن إحلال النفوذ الروسي محل النفوذ الأميركي في المنطقة من شأنه أن يضع حدا للمشروع النووي الإيراني، وهو ما امتنعت واشنطن عن القيام به.. وستفعل ذلك موسكو كي لا تهدد قنبلة إيران النووية مصالحها النفطية المقبلة في الإقليم.
د/ نجاح موسكو حتى الآن في إقامة تحالفات فرعية بديلة لإيران، مع كل من الأردن، مصر، ودولة الإمارات جاهزة لتمويل الحرب الروسية في سوريا.. ودول أخرى..
رابعا: مستقبل نظام بشار الأسد
واحد من أهم أهداف التدخل العسكري الروسي في سوريا هو وضع حل وحد للأزمة السورية، لأنه دون إستقرار الوضع السوري، ودون ارضاء موسكو للرأي العام السوري.. لن تستقر المصالح الروسية في سوريا وعموم دول المنطقة كما ورد تفصيلا في (ثالثا). يؤكد ذلك حرص موسكو على التواصل مع المعارضة السورية.. وهو حرص يخفي بين ثناياه أيضا حرصا آخر على ارضاء المعارضة السورية، بما يخدم الأهداف المستقبلية لروسيا في سوريا وبقية دول الإقليم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق