دويتشه فيله: يرى خبراء أن الحروب والصراعات المعقدة في الشرق الأوسط هي نتيجة لصراع مذهبي، بينما يقول آخرون إنه صراع بين ثورات وثورات مضادة. الباحثة اليمنية عَميدة شُعلان تسلط الضوء لموقع قنطرة على آثار الحرب على المجتمع اليمني. بعد العراق وسوريا ولبنان تعتبر اليمن الحالة الرابعة الجديدة التي انضمت إلى خارطة الصراعات ذات الأبعاد المذهبية في المنطقة، وإن كان البعض يرى أن اليمن حالة خاصة وأن الصراع فيها يتخذ أبعاداً مختلفة بحكم طبيعة التركيبة الاجتماعية التي تغلب على العوامل القائمة على أساس الدين والمذهب. وحقيقة فقد كان اليمنيون متعايشين مذهبياً فيما بينهم عبر قرون من الزمن، بصرف النظر عن بعض الاحتكاكات المذهبية التي كانت تحدث من وقت لآخر بين أتباع المذهبين الزيدي والشافعي، وكان ذلك محصوراً في الغالب في إطار بعض النخب الفقهية، والنخب السياسة ذات المرجعيات المذهبية، التي كانت توظف المذهبية من أجل مصالح سياسية. ولعل هذا التعايش كان يرجع إلى طبيعة المذهبين السائدين في اليمن، اللذين يميلان إلى التعايش والقبول بالآخر، إلى حد أن بعض الفقهاء والمؤرخين كان يصف الزيدية في اليمن بـ"سنة الشيعة"، لقربهم من المذهب السني، إضافة إلى أن المذهب الشافعي معروف عنه الوسطية والاعتدال.
ولقد ساد عبر عقود من الزمن ما يمكن وصفة بتقاسم غير مكتوب للأدوار، حيث كان هرم السلطة السياسية والعسكرية في يد الأقلية الزيديين، بينما انصرفت الأغلبية من الشوافع إلى مجالات التجارة المال والأعمال، لكنهم كانوا متواجدين بشكل كبير ـ بحكم أنهم كانوا أكثر تعليماً وثقافة وخبرة ـ في الجهاز البيروقراطي للدولة. "من الثقة المتبادلة تنطلق إمكانات التسامح وخطابه، للقضاء على التطرف المذهبي، والطائفي، والمناطقي، والجهوي" حتى تمضي سفينة الديمقراطية، والسلم والتعايش، والتسامح في سلوكنا الفردي، والشخصي مع وجودنا في مجتمع يطمح لطمئنة الاستقرار القائم على السلم الأهلي، وإزاحة مشهد العنف والانتقام، و دوامة الثأر، واستعادة بناء دولة مدنية، مؤسسية، دولة مواطنة متساوية في الحقوق والواجبات خالية من التمييز والتفرقة بين كل فئات، وطوائف، ومكونات الوطن، دولة النظام والقانون، كما جاء في وثيقة "مخرجات الحوار الوطني الشامل"، الوثيقة التي توافق عليها اليمنيون على حل عادل للقضية الجنوبية، وقضية صعدة، والمصالحة الوطنية، والعدالة الاجتماعية"، كما تكتب عميدة شعلان.
لكن منذ أن برزت إلى السطح "الظاهرة الحوثية" من رحم الزيدية في تسعينيات القرن الماضي وتحولها إلى حركة عسكرية ـ سياسية في العقد الأول من هذا القرن، بدأ المشهد اليمني يتغير وبرزت ملامح صراع كان في الأساس صراعا داخل الطائفة الزيدية نفسها، حيث وكما هو معروف انبثقت الحوثية عن الزيدية، التي كانت كما أسلفنا تمسك بزمام السلطة ممثلة بالرئيس السابق على عبدالله صالح الذي ينتمي إلى المذهب الزيدي، والذي خاض ستة حروب مع الحوثيين، لكن طبيعة هذا الصراع لم تكن مذهبية أو دينية وإنما سياسية بالدرجة الأولى، تغذيها عوامل خارجية مثل الدعم الإيراني للحوثيين. ولم يتحدث أحد عن صراع مذهبي، وإنما عن "مظلومية" الحوثيين كأقلية تقول إنها ترغب في العيش بسلام، بينما كانت السلطة الحاكمة تصنفهم كـ"عملاء" و"دعاة رجعية" وهدفهم "الانقلاب على الجمهورية والعودة بالبلاد إلى عهد الإمامة".
حرب مذهبية-طائفية أم سياسية؟
يرى المحلل السياسي اليمني، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء البروفيسور عادل الشرجبي، أن الصراع الدائر في اليمن اليوم هو نتيجة "صراعات إقليمية حولت بعضاً من أتباع المذهبين من الزيدية إلى "الاثنا عشرية"، ومن الشافعية إلى "السلفية الوهابية"". ويضيف الشرجبي لموقع قنطرة بأن هناك أيضاً عوامل محلية مرتبطة بمراكز النفوذ على السلطة والثروة هي التي أججت الاستقطابات المذهبية، ووظفتها للحشد والتعبئة لمشروعها، كالتحالف القائم بين (عبد الملك الحوثي، والرئيس السابق علي عبد الله صالح) من جهة، وتحالف بين (اللواء علي محسن الأحمر مع جماعات الإسلام السياسي السلفية)، وهما تحالفان يصبان في الهدف نفسه. أما الطالب الباحث اليمني، في جامعة إيرفورت الألمانية، والمتخصص في التاريخ اليمني الحديث والمعاصر، أحمد المصري، فيرى أنه في المقام الأول هي "حرب سياسية"، وصراع بين مراكز القوى الرئيسية. ويستبعد المصري، في حديث لموقع قنطرة، الصراع الطائفي في اليمن "بدليل أن من يقودون المعارضة في الخارج هم خصوم الحركة الحوثية" في اليمن، وهم ينتمون للمذهب الزيدي"، منهم اللواء علي محسن الأحمر، وأبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، والشيخ محمد بن عبدالعزيز الشايف، واللواء محمد علي المقدشي وغيرهم الكثير. ويعتبر المصري أن وسائل الاعلام لعبت دوراً خطيراً في عملية الترويج لصراع طائفي بهدف التحشيد والتعبئة، وأن طرفي الصراع أيضاً غذيا هذه الفكرة وحاولا استثمارها بوسائل مختلفة.
بينما تشخص الدكتورة سلوى دماج، أستاذة العلوم السياسية المساعدة بجامعة صنعاء، جذور الأزمة اليمنية بحروب صعدة الستة و"هيمنة الزعامة الروحية للفقهاء الهاشميين بالزعامة الاجتماعية لمشايخ القبائل مع بقاء مركز السلطة في المنطقة القبلية الشمالية وتشكل طبقة مهيمنة مكونة من العسكر والمشايخ والبرجوازية التجارية مع حضور للقوى التقليدية من السادة والقضاة". وتضيف دماج لموقع قنطرة بأن "الصراع سياسي، ولكنه وظف بأدوات طائفية". وترى دماج أن فشل تجربة الدولة الوطنية، والتسوية السياسية في حل مشاكل اليمنيين التي خرجوا لأجلها في ثورة فبراير 2011، سمح للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي بتعبئة قطاعات شعبية على أساس جهوي وقبلي وطائفي. وتردف أن "الحرب الدائرة في اليمن تجاوزت الطائفية والصراع المذهبي إلى الصراع حول النفوذ والأمن في الإقليم".
أما أستاذة الفقه المقارن المساعدة، في جامعة صنعاء، والقيادية في جماعة "أنصار الله" الحوثية الدكتورة هدى العماد، فترى في الحرب الدائرة حاليا عدة أسباب؛ أهمها "سيطرة المذهب الوهابي على الدولة، وإقصاء أي مذاهب أخرى لعدة سنوات، وإثارة الفتنة التكفيرية، لتكون مبرراً لإباحة الدماء، وهو السبب الرئيسي والخفي في حروب صعدة الستة"، حسب تعبيرها. السبب الثاني، كما ترى العماد في حديث لموقع قنطرة، فيتمثل في سياسية القمع، والتهميش، والإقصاء، وعدم القبول بالآخر، وسيطرة طرف معين على مؤسسات الدولة، ورفض اتفاقية السلم والشراكة الوطنية لتسوية الأزمة بين الحوثين والمكونات السياسية". وتضيف أن الحوثيون عانوا الكثير من الظلم، والقهر والحرمان لسنوات طويلة، ومن هنا كان لا بد "للبركان أن ينفجر يوماً مهما طال كبته..ولا بد لقيود السجين أن تصبح سهاماَ من السجان طال الزمن أو قصر". لكن رضية المتوكل، الناشطة الحقوقية اليمنية، فترى في حديث لموقع قنطرة، بأن الحرب والصراع حمل معه مضامين مذهبية، ومناطقية، وعرقية، وأن جميع أطراف الحرب والصراع السياسي وأتباعهم استخدموا أحد هذه المضامين في عملية الحشد لمشروعهم.
أما أستاذة الفقه المقارن المساعدة، في جامعة صنعاء، والقيادية في جماعة "أنصار الله" الحوثية الدكتورة هدى العماد، فترى في الحرب الدائرة حاليا عدة أسباب؛ أهمها "سيطرة المذهب الوهابي على الدولة، وإقصاء أي مذاهب أخرى لعدة سنوات، وإثارة الفتنة التكفيرية، لتكون مبرراً لإباحة الدماء، وهو السبب الرئيسي والخفي في حروب صعدة الستة"، حسب تعبيرها. السبب الثاني، كما ترى العماد في حديث لموقع قنطرة، فيتمثل في سياسية القمع، والتهميش، والإقصاء، وعدم القبول بالآخر، وسيطرة طرف معين على مؤسسات الدولة، ورفض اتفاقية السلم والشراكة الوطنية لتسوية الأزمة بين الحوثين والمكونات السياسية". وتضيف أن الحوثيون عانوا الكثير من الظلم، والقهر والحرمان لسنوات طويلة، ومن هنا كان لا بد "للبركان أن ينفجر يوماً مهما طال كبته..ولا بد لقيود السجين أن تصبح سهاماَ من السجان طال الزمن أو قصر". لكن رضية المتوكل، الناشطة الحقوقية اليمنية، فترى في حديث لموقع قنطرة، بأن الحرب والصراع حمل معه مضامين مذهبية، ومناطقية، وعرقية، وأن جميع أطراف الحرب والصراع السياسي وأتباعهم استخدموا أحد هذه المضامين في عملية الحشد لمشروعهم.
الشحن الطائفي والمناطقي
إن إثارة النعرات المذهبية والطائفية والمناطقية لأي شعب من الشعوب تمثل خطراً على تماسك النسيج الاجتماعي، وتوظيفها بقضايا لا تخدم وحدة الوطن. لذا ظهر الصراع المذهبي إلى الوجود كحالة من حالات الصراع على السلطة، أدى إلى خلق ثقافة وقناعة ومشروع طائفي ومناطقي أشد خطراً، وراهنت القوى السياسية على استخدام الورقة المذهبية، والمناطقية لتحقيق مكاسب سياسية، الأمر الذي عزز من حالة الفرز المذهبي والمناطقي التصادمي، وظهور "المليشيات" و"المقاومة الشعبية"، واحتلال مؤسسات الدولة، والترويج الإعلامي السياسي لثقافة وإثارة الصراع المذهبي، والفرز المناطقي، وسيادة روح الحقد والكراهية، التي تقود جميعها إلى تفتيت النسيج الاجتماعي، وتمزيق الوحدة الوطنية، وإشاعة الفوضى في ظل ضعف وغياب الدولة. ومن وجهة نظر الباحث أحمد المصري فإن عملية الشحن الطائفي جارية من جميع أطراف النزاع التي تشارك في توظيف البُعد المذهبي على طبيعة الصراع السياسي بهدف إيجاد مبرر ديني لشن هذه الحرب. فالخطابات المتبادلة بين جميع أطراف الصراع كانت مؤثرة جداً على وحدة النسيج الاجتماعي اليمني، وجعلت بعض الأطراف تفكر في "السلالية والمناطقية"، وهو أمر سيظل تأثيرة قائماً لبعض الوقت، وليس من السهل محو آثارة وعلاجة بسهولة. أما العماد فترى أنه ما من شك أن للحرب آثار على النسيج الاجتماعي، "لن تمحوها لا الشهور ولا السنوات، لا سيما مع وجود الموالين والمعاديين". كما تؤكد المتوكل بأن الشحن "المذهبي، والجهوي" غير مسبوق بين اليمنيين، وأنه ما زال منحصراً في أطراف الصراع والتابعين لها أو المتأثرين بها، بينما البعض الآخر مازال بعيداً عن هذه التعقيدات إلى حد كبير. ويرى الشرجبي ربما يشهد اليمن مزيداً من التفكك خلال السنوات القادمة، إذا ما استمر الشحن المذهبي "السني – الشيعي" والصراع على المستوى الإقليمي، والذي ما من شك سوف ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي لليمن خلال العقود القادمة.
مستقبل التعايش ـ ألايزال ممكنا؟
وعن مستقبل التعايش بين جميع طوائف ومناطق ومكونات المجتمع اليمني يرى الشرجبي "بأنه لا يزال حتى هذه اللحظة ممكناً، ومرهوناً بكيفية التعامل مع الصراع القائم، وما سوف تتخذه الدولة بعد انتهاء الحرب من إجراءات وحلول للحوار السياسي، ومصالحة وطنية شاملة وعادلة، فإن ذلك قد يخفف من التوترات الطائفية والمذهبية والمناطقية، ويساهم في التعايش بين مكونات وفئات المجتمع". أما في حال استمرار الحرب، والصراع الطائفي والسياسي لفترة زمنية أطول دون أن يكون هناك ملامح لبناء دولة مدنية قائمة على المواطنة المتساوية بين فئات وطوائف المجتمع اليمني فإن مستقبل هذا التعايش سيمر مع السنوات القادمة "بمنعطفات خطيرة جداً قد لا يمكن تلافيها" بحسب رأي المتوكل.
استعادة وتعزيز الثقة، وخلق أجواء من التسامح بين اليمنيين
من الثقة المتبادلة تنطلق إمكانات التسامح وخطابه، للقضاء على التطرف المذهبي، والطائفي، والمناطقي، والجهوي حتى تمضي سفينة الديمقراطية، والسلم والتعايش، والتسامح في سلوكنا الفردي، والشخصي مع وجودنا في مجتمع يطمح لطمئنة الاستقرار القائم على السلم الأهلي، وإزاحة مشهد العنف والانتقام، و دوامة الثأر، واستعادة بناء دولة مدنية، مؤسسية، دولة مواطنة متساوية في الحقوق والواجبات خالية من التمييز والتفرقة بين كل فئات، وطوائف، ومكونات الوطن، دولة النظام والقانون، كما جاء في وثيقة "مخرجات الحوار الوطني الشامل"، الوثيقة التي توافق عليها اليمنيون على حل عادل للقضية الجنوبية، وقضية صعدة، والمصالحة الوطنية، والعدالة الاجتماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق