وكالات: أكد العديد من المراقبين أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا تضاءلت خياراته قبل دخول المعترك الانتخابي، ولم يعد يحظى بالثقل المعهود الذي قاد الحزب إلى الفوز في العديد من المحطات الانتخابية السابقة، فالخيار الوحيد الآن أمام العدالة والتنمية يتركز أساسا على التحالف مع الإسلاميين الساعين بدورهم إلى التواجد على أطراف السلطة مثل حزب "السعادة الإسلامي". وفي هذا الإطار أكد الكاتب المقرب من الأوساط الإسلامية راسم أوزان كوتاهيالي، أنه على العدالة والتنمية العودة إلى المربع الإسلامي تكتيكيا. وتكشف هذه الدعوة في مضمونها عن بداية فرز جديد داخل المشهد السياسي التركي بين إسلاميين وعلمانيين بشكل أكثر وضوحا، خاصة مع تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية واهتزاز مكانته في الشارع التركي بعد أن دفعت سلطة أردوغان بالاحتقان في الشارع إلى الغليان والصدام في أكثر من مناسبة. ليكون الواقع التركي حاليا ضاغطا باتجاه تعرية الإسلام السياسي التركي وكيفية عمله.
ولا يمكن الإنكار بأن حزب العدالة والتنمية هو سليل حزب الفضيلة الإسلامي المتشدد في تركيا والذي تم حله بقرار قضائي سنة 2001، أي فقط بعد ثلاث سنوات من تأسيسه. وقبيل حله، انشق عدد من قياداته الذين حسبوا على المعتدلين في الحزب ليكوّنوا حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، ولكن بخطاب أكثر تلاؤما مع القوانين وطبيعة الدولة التركية. ولكن بمرور الوقت، تؤكد الأحداث أن التناقض بدأ في الظهور منذ الآن بين المرجعية الإسلامية للحزب والواقع التركي سواء في النظام أو القبول الشعبي. وتؤكد آراء المراقبين، أن النفس الشبابي الجديد في تركيا الذي يميل إلى تغيير السلطة الحالية ومرجعيتها الإسلامية، والأقليات التي انتفضت مؤخرا وعبّرت عن ذلك في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بدأ في كشف مدى التناقض بين الخلفية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية وبين الواقع التركي الذي يطمح إلى شكل آخر من الحكم. ولعل الدعوات الصادرة هنا وهناك بضرورة الانتصار لعلمانية تركيا ومنع الإسلاميين من تغيير النظام فيها، هي دعوات مؤثرة وتلقى تجاوبا من الشارع، خاصة أن زعيم حزب العدالة والتنمية وأحد مؤسسيه رجب طيب أردوغان يبحث عن الدخول إلى قلعة الرئاسة التركية الأتاتوركية لتغيير الأسس الأولى التي قامت عليها تركيا الحديثة وهي النمط العلماني في تسيير الدولة والمجتمع.
وأمام التراجع المتواصل للإسلاميين بشكل عام وخاصة حزب العدالة والتنمية في الشارع التركي، تدفع العديد من الآراء والقيادات الوسطى داخل العدالة والتنمية إلى التحالف مع العائلة الإسلامية مرة أخرى. وفي هذا السياق يعترف الكاتب كوتاهيالي بأن حزب السعادة الإسلامي سوف يكون "خشبة النجاة" المفترضة لأردوغان حتى يصل إلى الأغلبية ومن ثمة الرئاسة. ويقول كوتاهيالي "لم يقدر حزب العدالة والتنمية على أن يخلق موجة حماس قبل انتخابات السابع من يونيو الماضي، ويمكنه أن يظفر بالنجاح المطلوب إذا استطاع في هذه الفترة أن يحلّل أخطاءه جيدا ويستفيد منها، والتحالف مع حزب السعادة أيضا هو أحد طرق العقل في هذه الفترة. حزب السعادة كان قد حصل على تسعمئة ألف صوت في الانتخابات الماضية. والتحالف معه في هذه الظروف لن يجعل العدالة والتنمية يخسر أي صوت. لا يوجد من سيتخلى عن التصويت للحزب في هذه الظروف بسبب اتفاقه مع حزب السعادة فهو حزب إسلامي أيضا، في حين أن خطاب العدالة والتنمية لو اتجه إلى مغازلة حزب الحركة القومية، فإن هناك احتمالا خطيرا أن يخسر أصوات الأكراد بالكامل".
ويعترف العديد من الإسلاميين وخاصة الإخوان المسلمين بأن ما قدمه أردوغان وحزبه الإسلامي كدفعة معنوية ومادية للإسلاميين في العالم يعد أمرا "تاريخيا"، حسب قول مرشد تنظيم الإخوان الإرهابي السابق محمد بديع. فقد قام أردوغان بإخراج تركيا من هالتها العلمانية القومية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، ليعيد إلى التنظيمات الإسلامية الدولية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين حلم "الخلافة الإسلامية" الذي تطمح إلى تأسيسه. في الحين الذي يواجه فيه رجب طيب أردوغان الآن وحزبه حزب العدالة والتنمية الإسلامي "ثورة" على الإسلاميين في تركيا نظرا لرؤيتهم “لخراب مجد تركيا العلمانية" تحت وقع طموح أردوغان في أن يمسك الرئاسة ويغير طبيعة النظام بشكل تام. وتؤكد المعارضة التركية في خطابها السياسي الآن أن أردوغان يتجه فعلا إلى تغييرات عميقة في طبيعة النظام الدستوري والسياسي للدولة التركية، بطريقة تجعل من الرئيس متحكما أولا في السياسات العامة للبلاد ودون ضوابط تكفل حقوق الدولة والمؤسسات مثلما هو الحال الآن، ويصرح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو في هذا السياق قائلا “إن إرهاب حزب العمال الكردستاني الذي استفاق الآن فجأة ليس عملا بريئا، فالأمر فيه ريب ومرتبط بالانتخابات التي تنتظرها تركيا الآن”. ويقول مراقبون إن مثل هذه التكتيكات عرفت من قبل عن إسلاميي تركيا خاصة بعد أن صعد حزب العدالة والتنمية في العشرية الماضية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق