دويتشه فيله: تعد المملكة العربية السعودية من أكبر الدول المانحة للمساعدات التي يستفيد منها اللاجئون، غير أنها لا تفتح أبوابها لاستقبال النازحين. فما هي الأسباب خلف هذا الموقف؟ ولماذا التغاضي عن خيارات هؤلاء للهجرة باتجاه أوروبا؟ في منتصف شهر أغسطس/آب، أشادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بجهود "الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء في سوريا"، ومنها تقديم التمور لأكثر من 20 ألف عائلة من اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري شمال الأردن. ونشرت عدة صحف سعودية هذا الخبر المفرح، مشيرة إلى أن منسق المفوضية في المخيم، هوفيك آتيميزان، أكد أن الحملة السعودية كان لها الأثر البالغ في تحسين الأوضاع المعيشية للسوريين في المخيم من خلال الجهود المقدمة للاجئين السوريين. وقال: "إن المفوضية وشركاءها يثمنون هذا العطاء الكبير الذي تقدمه الحملة خلال برامجها المتنوعة في سبيل تحسين الأوضاع المعيشية للاجئين في مخيمات اللجوء". تعود أنشطة التبرع السعودية إلى عهد مؤسس الدولة، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (1880-1953)، الذي أنشأ أول مؤسسة خيرية في الدولة الناشئة آنذاك، معتبرا أنها تنطلق من "منهج إسلامي مستوحى من القرآن، يخدم الإسلام والمسلمين"، حسبما ذكرت بذلك جريدة الرياض مطلع هذا العام. ونظراً للهوية الإسلامية للمؤسسة الخيرية، فهي تنشط بشكل أكبر خلال المناسبات الدينية، حيث قامت بتوزيع وجبات إفطار على النازحين السوريين في مدينة صيدا اللبنانية، بما يبلغ قدره نحو 3 ملايين دولار أمريكي.
واحدة من أكبر الدول المانحة
إلى جانب هذه اللمحات الإنسانية الرمزية التي تلقى إعجاباً كبيراً واهتمامأً من الرأي العام، تدعم المملكة العربية السعودية اللاجئين بطرق مختلفة، فقد شاركت المملكة في مؤتمر الكويت للمانحين في يناير/كانون الأول 2013 بمبلغ 213 مليون دولار، لتصبح الدولة الثانية بعد الكويت التي شاركت بـ325 مليون دولار. وكانت لها نفس المشاركة أيضاً في مؤتمر المانحين الثاني في مايو/آيار 2014، بنحو 18 مليون دولار. وارتفع مستوى هذا المبلغ عام 2014 مرة أخرى، حيث تبرعت السعودية ب 755 مليون دولار، ليس فقط لفائدة الاجئين السوريين، بل أيضا لخدمات إنسانية في بلدان أخرى، لتصبح بذلك سادس دولة مانحة على مستوى العالم، بحسب تقرير "المساعدة الإنسانية العالمية" الذي تقوم بإعداده منظمات عالمية للتنمية.
لا مكان للاجئين داخل السعودية
لكن السعودية لم تستقبل حتى يومنا هذا لاجئا سوريا واحدا، وعوض القيام بذلك تتكهم يخوضون معركة الطريق الخطر باتجاه أوروبا. وقد انتقدت منظمة العفو الدولي الموقف السعودي هذا، حيث ذكرت في تقريرها في ديسمبر/كانون الثاني 2014 أنه "من المخزي أن نرى دول الخليج تمتنع تماماً عن توفير فرص إعادة توطين اللاجئين؛ ومن خلفية الروابط اللغوية والدينية ينبغي على دول الخليج أن تعرض مأوى آمنة للاجئين الفارين من الاضطهاد وجرائم الحرب في سوريا"، واعتبرت المنظمة أنه لا يمكن للدول "أن تريح ضمائرها من خلال تقديم المساعدات المالية فقط". وبدت هذه السياسة السعودية منتقدة حتى في ألمانيا، فجريدة "هاندلزبلات" اتهمت السعودية بالتهرب من المسؤولية، حيث كتبت تقول: "كان من الواجب أن تقوم المملكة السعودية العربية ودول الخليج ذات الثراء الفاحش بالتزاماتها الأخلاقية تجاه اللاجئين في المنطقة، خاصة وأن هؤلاء من الدول الأقرب لمناطق الحرب".
لكن ما الذي يمنع السعودية من استقبال اللاجئين؟ علماً بأن نسبة الأجانب في دول الخليج مرتفعة جداً، فمن بين 29 مليون سعودي، هناك ستة ملايين أجنبي يعملون بشكل رسمي في المملكة، معظمهم من دول آسيا والدول الإسلامية الأخرى. وفي الكويت، تبلغ نسبة الأجانب 60 بالمائة، بينما تبلغ في قطر 90 بالمائة من من مجموع السكان، وفي الإمارات 80 بالمائة. ويبدو أن قلق تلك الدول من تبعيات استقبال المزيد من الأجانب أكبر من رغبتها في توفير المساعدة للسوريين والعراقيين. ويزيد من هذا القلق التعقيدات المرتبطة بطرد اللاجئين من البلاد، مقارنة بالقوى العاملة الأجنبية، التي يمكن طردها من البلاد في أي وقت، كما حدث ذلك عام 2014 عندما قامت السلطات السعودية بطرد 370 ألف عامل، رغبة منها في توفير مزيد من فرص العمل للمواطنين السعوديين. وفي حال قيام المملكة السعودية باستقبال لاجئين، فقد يصبح موضوع طردهم مشكلة أخلاقية كبيرة، وبالتالي فهي تفضل عدم استقبالهم منذ البداية.
نظرة سلبية للربيع العربي
نظرة سلبية للربيع العربي
يضاف إلى ذلك أن السوريين الفارين، غادروا بلدهم بسبب ثورة ينظر لها الجانب السعودي منذ بدايتها نظرة متشككة. فما أطلق عليه تسمية "الربيع العربي" عام 2011 لم يلق أي ترحيب من طرف النظام السعودي المحافظ. وقد استطاع النظام السعودي تهدئة مواطنيه الذين بدأوا أيضاً بالمطالبة بالعدالة الاجتماعية والحرية السياسية والثقافية، وسيادة دولة القانون، وذلك من خلال الزيادة في المساعدات الاجتماعية. وفي حال استقبال لاجئين سوريين، فقد يزيد عدد المطالبين بتلك الحقوق، ما قد يهدد النظام السعودي القائم، كما أن مواقف بعض اللاجئين الليبرالية قد تصطدم بالإسلام الوهابي المنتشر في البلاد. ويبدو أن تلك الأسباب هي التي تدفع بالسعودية بشكل قوي لعدم الترحيب باللاجئين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق