العرب اللندنية: أبدى حزب الله أمس شكوكا حول حملة "طلعت ريحتكم" والقائمين عليها في تطور لافت يعكس فشل الحزب في احتواء الحراك الاحتجاجي وتجييره لصالحه. وصرح رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد في حفل تأبين بإحدى الحسينيات يوم أمس بأن موقف حزب الله من الحراك المطالب بمكافحة الفساد في لبنان ليس سلبيا، ولكن لابد من الوقوف على الأطراف التي تحركه. وقال "إننا نؤكد أننا إيجابيون بالتعاطي مع مثل هذا الحراك، لكن على من يقوده أن يكون واضحا مع الناس". وتوجه رعد إلى الحراك في بيروت بالسؤال عن هوية الذي يقود الناس في تلك الساحات؟". وتابع "إننا لا نسلم قيادتنا لأي كان، ولا تأخذنا الشعارات دون أن نعرف البرنامج والقيادة التي تقود هذا الحراك"، مشيرا إلى أن "حزب الله لا يشكك لكن هذا السؤال هو من حق كل مواطن". ويشير كلام رعد إلى أن حزب الله الذي شجع أصلا التظاهرات وسعى إلى استغلالها قدر المستطاع، فشل في نهاية المطاف في احتواء حركة "طلعت ريحتكم" كلّيا. وأعطت أوساط سياسية دليلا على فشل الحزب في ذلك، اضطرار جماعة النائب المسيحي ميشال عون إلى الانسحاب من تظاهرة السبت الماضي بعدما سبق ذلك منع الوزير (العوني) إلياس أبو صعب من المشاركة في التظاهرة الأولى التي نظمتها الحركة الاحتجاجية.
وعندما منع منظمو تظاهرة السبت العونيين من المشاركة، أطلق زعيم "التيار الوطني الحر" اتهاماته إلى المتظاهرين قائلا إنهم "سرقوا شعاراتنا"، وأعلن عن تظاهرة مستقلة للحزب وحلفائه. وذكرت الأوساط أن حزب الله في حيرة من أمره، فهو يريد مراعاة حليفه المسيحي من جهة واستغلال التظاهرات لتعطيل العمل الحكومي والحياة في بيروت من جهة أخرى. وهذا ما دفعه السبت الماضي إلى إبقاء مجموعة من عناصره في وسط بيروت بعد الإعلان عن انتهاء التظاهرة. وقد عمد هؤلاء إلى استفزاز قوى الأمن والاعتداء عليها وتخريب بعض المحلات التجارية والمنشآت العامة وإشعال النار فيها فضلا عن اقتلاع إشارات المرور. وقال المحلل السياسي اللبناني مهند حاج علي لـ"العرب" إن حزب الله تفاجأ كبقية الأحزاب اللبنانية المشاركة في السلطة بحجم تحرك التظاهرات، لافتا إلى أن ناشطين بالحراك تفطنوا إلى وجود محاولة حزبية لاستدراج المحتجين إلى القيام بأعمال شغب وأفشلوها. وأضاف أن التيار العوني حاول ركوب الموجة المطلبية لكنه فشل بسبب وعي بعض الناشطين، مشيرا إلى أن الحراك اتبع تكتيكا ذكيا وناجحا يتمثل في الانسحاب إلى ساحة الشهداء كلما ظهرت هذه المجموعة المنظمة والحزبية، وهكذا احتواها وأظهر حجمها الصغير.
وكان حزب الله يأمل في استغلال التحركات الاحتجاجية لإشعال فوضى بالبلاد، تدفع إلى إسقاط النظام القائم وإقامة نظام على مقاسه وحليفته إيران التي تزورها هذه الأيام وفود من كل الأحزاب الممثلة لـ8 آذار، حيث التقى أعضاء الوفود بمستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي الذي قال لهم "إن لبنان يعنينا أكثر من السابق". وفشل الحزب في تحويل الحراك الاجتماعي إلى ما يشبه المحاكمة السياسية لخصومه خاصة عندما رفع المندسون صورا لقيادات من 14 آذار متهمين إياها بالفساد، وهو ما رد عليه النشطاء المستقلون برفع صور لقادة وأعضاء من فريق 8 آذار ومنها صور لرعد بالذات، ورئيس مجلس النواب نبيه بري المتحالف مع الحزب ورئيس التيار الوطني الحر ميشال عون كلها عوامل دفعت إلى التشكيك في التحركات. ولا يبدو موقف الحزب فرديا فهناك على ما يبدو تنسيق حوله مع باقي أقطاب 8 آذار، فقد أطل ميشال عون الرئيس السابق للوطني الحر، قبل أيام قليلة، مهاجما التحرك، معلنا أنه سيسير مسيرات بعيدة عنه.
وسارع بري الذي كان من بين الأطراف الرئيسة التي طالتها انتقادات الحملة، إلى إعلان مبادرة تقضي بقيام حوار بيـــن رئيس الحكومـــة تمام سلام ورؤســـاء الكتـل النيابية تتناول البحث في رئاسة الجمهورية، وعمل مجلس النواب، وعمل مجلس الوزراء، وقانون الانتخابات، وقانون استعادة الجنسية، ومشروع اللامركزية الإدارية، ودعم الجيش. وقال مراقبون إن مبادرة بري تأتي في محاولة لإنقاذ مركزه هو كرئيس لمجلس النواب بعد أن سخر المحتجون والنشطاء من استمراره الطويل في رئاسة البرلمان، وبعد تلميحات من نافذين في حزب الله إلى أن تغيير النظام يعني أيضا بري شخصيا رغم كونه حليفا. لكن المبادرة في جوهرها تخدم حزب الله وتيار عون اللذين يضغطان لإسقاط الحكومة وفرض مرشحهم للرئاسة رئيسا للبنان رغم معارضة فريق 14 آذار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق