لا أحد ينكر أهمية الحفاظ علي ثورة الليبيين ، الحفاظ عليها من عدة آفات
كالردة الإنحراف الإنتهاز و الإنتحال التسلق و السرقة و ذلك لأن
الليبيين قد دفعوا ثمنا باهضا لها و بذلوا جهدا لم يكن يسيرا . من هنا تأتي
أهمية تنقية الأجواء السياسية داخل البلاد و لم يكن هنالك من أداة سوى
إقتراح قانونا ينظم ذلك قد تطلق عليه عدة تسميات من بينها ما فضله البعض
بقانون العزل السياسي . و لكن يفترض التركيز علي صفة العدالة أولا (
بالتحديد الدقيق للمستهدفين بالعزل السياسي دون ظلم أو حساسيات أو إسقاطات
نفسية ) ، و بعد تحديد الشرائح المستهدفة يفترض التركيز علي صفة الشمولية
أو العمومية ( أي بعد التأكد من عدم وقوع ظلم علي التصنيفات المستهدفة بدقة
يتم تطبيق القانون عليها دون إستثناءات من القانون ، و هذا يفترض ألا يعني
إنتفاء إجراءات الطعن و التظلم ). لذا يجب أن يكون هذا القانون عادلا و
نزيهاً .البعض يتحجج مسبقا بأن ” هذا القانون قد يحتوى علي شيئا من الظلم و
يجب علي المظلومين التضحية !!! “، و لكن هذا المبرر لا يستقيم مع أبسط
مباديء العدالة للأسباب التالية :أولا : أن الممارسة السياسية و الإدارية
هي حقوق معنوية للإنسان كالحريات لا يمكن التنازل عنها و لا التضحية
بها ليوم أو لخمس أو عشر سنوات كالأشياء المادية . ثم أن التضحية إذا كانت
في مناسبتها الصحيحة هي قرار إختياري ينبع من ذات الشخص و بمحض إرادته
الحرة الخالصة و لا تتأتى التضحية عن طريق الأمر أو الإيعاز و الإجبار أو
المساومة و الإذلال.ثانيا : أن حقوق الممارسة السياسية و الإدارية هي ليست
كالخمر كما ردد البعض إثمها أكثر من منفعتها لذا يجب تحريمها بالعزل
السياسي علي المعزولين الذي منفعته أكثر من إثمه ( راجع مداخلة الأستاذ
الفاضل: جلال حسن عضو المؤتمر العام بقناة ليبيا الوطنية بتاريخ 20.02.2013
).ثالثا : القول أن هناك ظلما لا نعلمه قد يقع و يجب التضحية به ، هو قول
يكون منطقيا إذا كان القائل لا يعلم مسبقاً و تحديدا بأن هناك مظلوم فعلا ،
أما إذا تم تنبيهه بالأدلة القاطعة بشكل مبكر إلي حجم هذا الظلم فإن هذه
الحجة لا تستقيم .رابعاً : القول بإمكانية حدوث ظلم محتمل كأثر لهذا
القانون و يجب أن يضحي المظلومين . هنا يثار التساؤل التالي : لماذا إذن
الإستثناءات ؟ و لماذا لا يضحي الذين تم إستثناؤهم من هذا القانون هم أيضا
؟خامسا ً : إن العلم المسبق بمن سيقع عليه الظلم و مطالبته بتحمل هذا
الظلم تغليبا للمصلحة العامة هو مشابه تماما لأحد مباديء الشيوعية حيث لا
إعتراف بالحقوق و الحرية الفردية في عجلة الدولة الحاكمة .سادساً : إذا
كان هنالك إعتراف مسبق بإحتمالية شبهة الظلم جراء هذا القانون ، لذا يفترض
الآتي :1- فتح باب الطعن في هذا القانون دستوريا و حقوقيا ( من وجهة نظر
حقوق الإنسان ). فإذا كان علي حق و عادل فسيصمد كالفولاذ و إذا كان
مشبوهاً فسيكون كالعهن المنفوش.2- فتح باب التظلم و المطالبة بالتعويضات
العادلة لكل من وقع عليه الظلم جراء هذا القانون أمام القضاء الليبي . أما
إذا كانت هناك تحجج بعدم الثقة في القضاء الليبي ( و تلك كارثة دونكيشوتية )
فبالإمكان إنتداب و إعارة قضاة دوليين مشهود لهم بالكفاءة و تثقون فيهم
لهذه المهمة ( مثلا من أمريكا ، بريطانيا ، فرنسا و غيرها ) و قد فعلت
ليبيا ذلك في بداية تأسيسها أيام الملكية و هذا ليس عيبا إذا كان طرفا
محايدا .و عليه فإن القانون لا يطلق عليه قانون إلا إذا كان قضائي و يتسم
بسمات كثيرة أهمها و أخطرها هي العدالة و الملاءمة و إلا لن يكون قانوناً ،
أما التبرير بأن القضاء لا يحاكم إلا بالأدلة و لا يحاكم علي السلوك (
راجع مداخلة السيد توفيق ابريك علي قناة ليبيا الأحرار بتاريخ 21.02.2013 )
فهذا لا يكفي لسلب القضاء أحد إختصاصاته الصميمية و خصوصا أننا نؤسس لدولة
القانون .في النهاية ، إحقاقاً للحق و إستظلالا بالعدل بين الناس ، يفترض
إعطاء كافة الضمانات بتفعيل كافة مراحل التقاضي بروح مليئة بالثقة في النفس
دون توجسات إذا كانت العدالة هي المنطلق و الهدف . أعيد ، نحن هنا لا
نطالب بعدم العزل السياسي ، بل نطالب به و بحنبلية زائدة علي كل من إستباح
أرواح و حياة و أملاك و أعراض و حريات الليبيين و الليبيات ، و لكن إنتبهوا
أيها السادة أن يُظلم عندكم أحد .
المنارة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق