لا أحـد يجادل في أن ثورة
فبراير، كانت ولا تزال ثورة الشعب الليبي بكامله .. ثـورة أسـقـطت طاغية، استطاع بعقليته الجهنمية وطموحاته
للعظمة، أن يستولي على البلاد ويسخر الكثير من أبنائها وثرواتها، للشر والتنكيل
والفساد. أما كيف تسنى له ذلك، فسوف نتناوله في دراسة لاحـقـة.
وعكس الانطباع السائد، فقد
بدأ النضال ضد القذافي مبكرا. فبعد شـهرين فقط من انقلاب سبتمبر 1969 اكتشف ضباط
الجيش تطلعات الرجل للاسـتبداد، وكان أن رمى بهم في السجن. وتوالت تصفياته لشتى
حركات المعارضة، بين المثقفين (1973) وصفوف الضباط ( 1975)، والحركة الطلابية ( 1976) والصحافة (
1978) ، وقمع التيارات الإسلامية، واعدامات ما عرف بحركة ضباط ورفلة ، وصولا إلى
مذبحة سجن بوسليم (1996). وبين تلك التصفيات، نصب المشانق في الساحات والجامعات واغتال
المعارضين بالخارج. وعلى صـعيد أوسـع، أذل الشباب بالتجنيد الإجباري وحرب تشاد
والشعب المسلح، وأشاع القلق بتأميم التجارة ومصادرة العقارات وتحكم في قوت المواطن
بالجمعيات الاستهلاكية. وباســتغلال غرائز الخوف والطمع في المال والمناصب، ســخـر
القذافي طاقات الليبيين ضد بعضهم البعض، عبر أجهزة المخابرات المتكاثرة، وفي ما
عرف بالتصعيد والمؤتمرات واللجان الشعبية، وتشكيل حركة اللجان الثورية، وتسيير
لجان التطهير، والحرس الثوري، والفعاليات الاجتماعية .. وغيرها من مبتكراته لبث
الرعب والاستكانة. هذا ناهيك عن الفساد الأخلاقي ونهب ثروة البلاد ، اللذان تزايدا
بظهور أبنائه على الساحة السياسية وتطلعه لتأسيس حكم وراثي لأسرته.
السـخط في كل نفـس
وهكذا، وبقدر ما بسط
القذافي سلطانه الغاشم على البناء الاجتماعي، بقدر ما تعاظم الأذى الذي لحق بالناس،
وتزايد إحساسهم بالغبن والمهانة. فليس غريبا أن كل فئات الشعب الليبي قد هبت
وسـاهمت في إسقاط نظام القذافي. وكان شـباب المدن أول من هب لينادي بسقوط النظــام
.. مثل أبناء أحياء الماجوري والصابري والكيش في بنغازي، وأبناء الزاوية والبيضاء
والزنتان ونالوت، وأبناء فشلوم وميزران وسوق الجمعة في طرابلس .. وغيرهم. وتنادى شـباب
الحركات الجهادية و حركة ليبيا المقاتلة وغيرهم، لرفـع السـلاح وتوسيع جبهة
الثـورة في كل أرجاء البلاد.
لكن علينا ألا ننسى أيضا
دور ومساهمات بقية شرائح المجتمع في ثـورة فبـراير كالمثـقـفـين، والموظفين وخاصة
في شركة الخليج للنفط، وجهاز النهر الصناعي، ورجال المصارف، ورجال القوات المسلحة
والطيران العسكري، والأطباء والممرضات، وصولا إلى نسـاء بنغازي في المطبخ التطـوعي
الذي قـدم آلاف الوجبات يوميا للثوار الساهرين على أمن المدينة وللمقاتلين في
الجبهة الممتدة إلى راس لانـوف.
إدارات الثــورة
في زمن الثورة، لم يكن هناك
إلا سباق واحــد .. ســباق على الموت والشهادة .. ومن لم يجد في نفسه الشجاعة، عمل
في صمت من أجل انتصار الثورة.
وحين انتهى القذافي سـقط
النظام الغاشم، وبالتالي تغيرت الأولويات .. فالبلاد أمست بحاجة إلى الاستقرار
وتطبيع الأمور، وتشغيل إدارات الدولة والمؤسسات، وترسيخ الأمن. وهـنا بدأت
التنافسات والخلافات.
وتصدرت المرحلة التالية
لسقوط نظام القذافي نخبة جديدة ضمت مزيجا غير متوقع ممن عملوا مع نظام القذافي، ومن
عـرفـوا بالتكنوقـراط العائدين من الخارج. ومن هـؤلاء تشكلت السلطة الجديدة بما
فيها المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي الذي تحول إلى حكومة انتقالية. ولم يكن
آداء كل هذه التشكيلات، في المستوى المُرضي، ولهذا تعالت أصوات التذمر والاحتجاجات
والاعتصامات.
بل وارتفعت الأصوات منددة بسرقة
الثورة ونهب الثــروة، واستـعادة أعـوان القذافي لعنفوانهم وبقائهم في مناصبهم،
وهذا ما عرف شـعبيا وإعلاميا بظاهرة " الأزلام والطحالب "، وهـو ما استدعى
إنشاء لجنة للنزاهة وأخيرا محاولة سـن قانون العزل السياسي، وهي إجراءات غير فعالة
وغامضة فضلا عن كونها مخالفة للتشريعات الدولية لحـقـوق الإنسان.
والقاعدة الأكثر عدلا، هي
محاكمة من يتوفر دليل على ارتكابه جرائم في عهد القذافي، وإحالة من تولوا مناصب
تنفيذية عالية على التقاعد. أما باقي من عملوا في دولة القذافي فيسري عليهم ما
يسري على الجندي في الحرب، فيعود كغيره مواطنا له كل حقوق المواطنة.
جيوش ما بـعـد الثــورة
الأهم والأكثر خطورة، هـو
تبلور كثير من تشكيلات الثوار في كتائب أو سرايا مسلحة. ثمة سلطة ثورية جديدة
لكنها دون سلطان على الدولة الهجين الجديدة. بل نجد المقاتلين وممثليهم مستــبعدين
حتى عن التشكيلات الوزارية المتتالية ! وعموما يرفض الثوار تسليم أسلحتهم، لأنهم
يشكون في نوايا الدولة، ويرون أن احتفاظهم بالسلاح هو الرادع الوعيد.
والمفارقة الأخـرى التي
شابت مسار الثورة الليبية ، هي أن الإدارة المدنية التي نمت بعد الثورة، وإلى
يومنا هذا وبما فيها المؤتمر الوطني والحكومة الحالية ، لا تمتلك سلطة على من
حملوا السلاح وما زالوا يحملونه، سـواء الثوار الحقيقيون، أو من التحقوا بالثورة
تحت شتى المسميات والذرائع.
وتحاول الدولة الآن اجتذاب
أو ضم التشكيلات المسلحة التي تكونت أثناء وبعد الثورة. وفي هذا الاتجــاه كانت
المظاهرات للقضاء على مظاهر السلاح المنتشر، وإخراج تشكيلات الثوار من المدن،
وجهود وزارتي الداخلية والدفاع لتجنيد المسلحين.
وقد حققت كل هذه الجهود قدرا من النجـاح ، مع قدر كبير أيضا من الاحـتـقـان
وترسـيخ الشكوك. وما يرافـقـها من خطر مواجـهات محتملة.
الانقسـامات الاجتماعية
ثورة فبراير أيقظت أيضا شتى
الانقسامات والخلافات الاجتماعية القديمة. وأوقعت المواجـهات المسلحة بدورها مظالم
جـديدة، وسـوف تـولــّـد مع الزمن مشاعر غبن وربما تقود إلى ردود فعل انتقامية،
وثارات. يصدق هذا على ما حدث بين كثير من قرى دواخل طرابلس وفي الجنوب.
ولعل أسـوأ هذه الانقسامات وأكثرها وضوحا، هي تلك التي قادت إلى التهجير،
وأوضحها، نـزوح سكان مدينة تاورغاء، وارتحــال عشرات الآلاف من الأسر الليبية في
هلع إلى الخارج. وفي الحالين، كان كل هؤلاء يعيشون في أحيائهم، مواطنين ليبيين، كل
في بيت حديث ، ولكل سيارته ودخله، وأطفاله الذين يرتادون المدارس. وسـوف يتذكـر أطفال
اليوم ما أحاق بأسرهم من طرد وشــقاء ومهانة، وربما سيكون لهم، والأرجح أنه سيكون
لهم رأي بعد عشر سـنوات في كيفية الاقتصاص والثأر لكرامتـهم .. وعلينا أن نستبق مـثـل هـذه التطورات بحل
مشكلة النازحين جذريا وبسرعة، وعـودة
المهاجرين بالخارج. وأذكر أنني التقيت بالمناضل المهدي الحـاراتي (قائد كتيبة ثوار
طرابلس التي شاركت في تحرير العاصمة) قبل قرابة أربعة شـهور في فندق المهاري،
وحينها أذكـر أنه قال لي: " هناك 800 ألف ليبي بالخارج، هاربين خـوف، لو ما
درناش آلية حقيقية .. يولـوّا عليك بعد خمس سنوات .. أنا أعتبره أخطر ملف .. الحقد
والانتقام لا يجدي .. لو أردت أن تصنع دولة عـليك أن تبتعد عن الانتقــام".
الاسـتــقـطـابات الأيدولوجــية
التراشــقات السياسية
المتواصلة على المسرح السياسي والإعلامي، كالحديث عن صراع بين إسلاميين وعلمانيين،
هي تعبير عن حالة القلق والارتباك التي تراودنا إلى اليوم.
وأنا شخصيا، أتحفظ على مزج
الدين بالسياسة، لأنني أعتـقـد أن تداخلهما قــاد عبر العصور إما إلى انقسامات (
بدءا من الفتنة الكبرى) أو لاســتغلال الدين لتبرير الاسـتبداد. ونحن في ليبيا
مجتمع يدين بالإسلام وعمليا على مذهب واحد، وبالتالي ليس هناك ما يبعث على الشقاق
بيننا، سوى المطامع السياسية للأسـف.
وليس لدي ولا يمكن أن يكون
لديّ تحيز ضد أي جماعة ترفع شعار الإسلام.
بل على العكس أحمل كثـيـرا من الإعجاب لشباب المقاتلة الذين رافـقـت بعضهم
في سجون القذافي، والذين أظهروا بطولات شتى إبان معارك إسقاط الطـاغية. وأكن أيضا كثيرا
من الإعجاب لحركة الإخوان المسلمين بتاريخها النضالي الطويل، وبجهودها الخيرية
وحرصها على اقتلاع الفساد من النفوس والمؤســسـات. لكن الإخوان الليبيين وحزبهم
العدالة، رغم تأكيدهم استقلالهم عن حركة إخوان مصر، وقبولهم لبعض أطروحات حزب
النهضة التونسي، وإلماحهم لحــذو النموذج التركي، إلا أن مواقفـهـم المحلية تتمحور
حول التشبث بمواقع السلطة، حتى على حساب مصالح المواطن الليبي. ولهذا فقد وصل
الكثير منهم إلى المجالس المحلية والمؤتمر الوطني، على لافتات مستقلة مشفوعة
بسيرهم الفردية الطيبة بين منتخبيهم، بينما تبقى صورتهم كتنظيم عند رجل الشارع
الليبي مشوشة إن لم تكن مرفـوضـة.
هـل الدين مشكلة ؟
الشعب الليبي شعب مسلم عن
قناعة وبســاطة، ولا أحـد يمكن أن يتصور أنه يقبل أو يمارس أحـد ما يخالف شرع
الله. لكن بعض الشخصيات والتنظيمات الإسـلامية تبـدو متعجلة لفرض قـنـاعاتـها
الفقـهيـة، وهي أمـور قابلة للنقاش، ومنها ما هـو خــلافي كما في ما يتصل بوضع
المرأة. أما حرية المرأة في العمل وقيادة السيارة، والخروج إلى الشارع والتسـوق،
والدراسة في جامعات مختلطة، فكلهـا أمـور فرضـتــها روح العصر وأمست متداخلة مع
مقتضيات الحياة (فالوظيفة مصدر دخل، والسيارة لنقل الأولاد للمدارس .. الخ). بل
تبدو ثـانوية، إذا ما قـورنت بما تحمله الهـواتف النقالة والانترنت وشتى التقنيات،
التي تخترق الأجـواء وتتجاوز أي رقابة وتعبر فـوق المـنافـذ الحـدودية دون خـتم.
شريعـتـنا ســمـحـاء وقـرآنـنــا
الكريم حمــّـال أوجـه، ونحن في عصرنا هـذا ، بحاجة إلى اجتـهادات جديدة تيسّر على
الناس، وتجنبنا الصراعات وإهـدار الطاقات.. نحن أحوج ما نكون إليها من أجل التقدم
والرخـاء والمنـَعـة.
الأحـزاب السياسية
في مناخ الحرية الذي حققته
ثـورة فبراير، نمت الجمعيات الطوعية والخيرية (منظمات المجتمع المدني) ، وشـكلت
أحزاب بشتى الأسماء والبرامج. المشكلة أن القاسم المشترك بين أغلبها، كان ســمة
الانتماء الجـهـوى أو القبلي، ويغلب عليها الطابع الثـقــافي. وما يزال معظمـهـا يبحث عن أسماء جـذابة وبرامج
متميزة. وعموما ما يزال وقـعـها على الحياة السياسية محـدودا، باسـتثناء حفلات الإشــهار
والندوات والمحاضرات ولافتـات الدعاية الانتخـابية التي ما تزال معلقة بعد شـهور (
وهـو مؤشـر آخـر على الركـود الاقتصادي المتصل الذي تعاني منه البلاد).
ولعل أبرز علامة فارقة في
النشاط السياسي الحزبي، كان تشكيل التحالف
الوطني، مصحوبا بحرفية دعائية عالية، مكنته من الحصول على أعلى نصيب من الأصوات
ومقاعد المؤتمر الوطني. لكن فرص التحالف أحبطت داخل المؤتمر، بينما تـعـرض في الشارع
السياسي لحملة أســقـطت عليه غلالة من الشك، وتصدع بناؤه لداخلي على صخرة زعامة
نائية ومتعالية كما يقـول المقـربون.
وسـط هـذا المخاض، دبت
الحياة من جديد في جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة بالخـارج في عقد الثمانينات، والتي
رغم حصولها على بضع مقاعد في المؤتمر الوطني، أمست محركا أساسيا في اختيار رئيس
الحكومة، وشريكا في الحقائب الوزارية وقادرة على حصاد نصيب وافـر من المناصب
الدبلوماسية والإدارية.
ورغم كل هذه النبتـات
المتعددة ، فإنـها تبقى جميعها دون جذور راسـخة في تربة الشـارع السياسي ومجـرد
مشـاهد يانعة على شـاشـات التلفزيون، أقرب للزهـور التي قـد نفرح بها لكنها لا
تسمن ولا تغني من جـوع، لا علاقـة لها حقـيـقـية بمشـاكل الناس وتطلعاتـهـم.
سـلوكيات الاسـتــبداد في زمن الحريـة
الأحزاب الجديدة ما زالت
تتصرف كما لو كانت تنظيمات سرية، وبالتالي مغلقة ومنغلقة. أبصار أعضائها وقادتها
وممثليها في البرلمان (المؤتمر الوطني) متجـهة نحو داخل التنظيم، وبالتالي نلاحظ
أن سلوكياتهم وأحاديثم موجهة في الواقع ولو بشكل مضمر إلى قيادات وأعضاء الأحزاب،
ليؤكدوا طاعتـهـم للتوجيـهـات وسيرهم على الخط المـطـلـوب. كل هذا على حساب
التعامل مع الشارع السياسي. ولذلك فهم لا يفصحون علنا عن آرائهم الخاصة، ولا
يكشفون عن خلافاتهم الداخلية، كما يفعل رجال وقادة الأحزاب في الدول الراسخة في
تجاربها البرلمانية. ولهذا كله ما يزال مستوى الخطاب السياسي، جافا وترديــديا، كما
تشهد به الحوارات والمقابلات التلفزيونية.
كل هذا يذكرني بمعاملات
رجال المكاتب الحكومية وموظفي المصارف والفنادق في عهد القذافي مثلا. فقد كان
الجفاف وعدم الرغبة في تقديم خدمة، هو الأساس. ولم يكونوا مكترثين أصـلا بالناس أو
" الزبائن"، لأنهم في حالة توجس، وأعينهم إلى أعلى نحو رؤسائهم ومن
يراقبونهم. وكذلك كان الخطاب السياسي في وسائط الإعلام ببغائيا، ومجرد تكرار لمجموعة
محدودة من المفردات والمصطلحات العـقيمة والمملة إن لم تكن ميتة.
ونأمل أن تختفي هذه اللغة والسلوكيات
مع تكرار الانتخابات. فصندوق الاقتراع وحده يقنع السياسيين الطامحين بجدوى مخاطبة
الناس، وأهمية الصدق وإرضاء الناخبين
الذين سيـعيدونهم إلى مقاعدهم في الدورة البرلمانية التالية.
الاقـتـصــاد المضـروب
بعد انتشار السلاح، يبقى
ركـود الاقتصــاد المعضلة الكبرى في ليبيا ما بعد الثورة. نعم البترول يُصَـدر،
وخزائن المصرف المركزي طافحة بالمال والذهب. بل البنــاء الخاص في ازدهــار، بفضل اختـفـاء
القيود و غياب رقابة التخطيط العمراني، وأيضا بفضل الأموال المكتنزة التي يقال أن
القذافي بعـثـرها على أنصاره في أخريات أيامه.
وما يزال معدل البطالة عند
الخمسين بالمائة، وإن ســاعدت المرتبات المجانية للثوار وغيرهم على تخفيف وطـأة
الفقر. لكن المشاريع الكبرى من سـكنية وبنية تحتية وخدمات (مطارات، فنادق .. الخ)،
مازالت متعطلة، فمقاولوها أجانب، وبدون أمن واسـتقرار لن يعـودوا.
الكيــانـات
بعد انتصار الثـورة، تكرسـت
كيانات شــبه مسـتقلة، فمصراته لا تدخلها إلا عبر بواباتها ، والزنتــان تمارس
قوانينها، والجنوب منطقة عسكرية، وبنغازي يحكمها مجلس محلي لا حـول له ولا قـوة.
والحكومة المركزية لا تعترف ولا تكترث بالمحليات، وليست لديها سلطات على الشأن
المحلي، إلا في تحويل المرتبات عبر المصرف المركزي.
وقد يستغرب القارئ إن قلت
له أنني لست منزعجا من هذه الكيانات، بل قد تكون قريبة من الحل المطلوب لمجتمعنا
الليبي بعد ثـورة فبراير. وفي هذا السياق لا تبدو الفيدرالية أمرا مـنـفـرًا.
الحل الحقيقي هو نبذ
المركزية حـقــًـا ، وصياغة نظــام حكم محلي حقيقي، وإتاحة الفرصة للمناطق
للاســتفادة من مدخـولاتها المحلية، ومنحـها الفرصة لتخطيط وتنفيذ برامج تنميتـها المحلية.
تشابكات الواقـع الليبي
إذن ، نعـود للسـؤال: هذه
الثـورة لمن؟
والإجابة إنـها ثـورة كل
الليبيين .. وأي فئة تريد أن تسـتأثر بثمــار الثـورة، لن تجلب على نفسـها سـوى الدمـار
والانتـقـــام ، مـهـما طال الزمن.
ذلك ما حدث حتى في العهد
الملكي الذي يراه الكثيرون الآن عبر مرآة رومانسية حالمة. فالنظام الملكي رغم حسن
النوايا والروح التصالحية المتسامحة، طارد المعارضة المدنية فحلّ جمعية عمر
المختار وسجن قادتها (قبيل الاستقلال) ، وزور الانتخابات الأولى ومعظم ما بعدها، وحل حزب المؤتمر في طرابلس ونفى زعيمه
السـعداوي، واعتقل شتى التنظيمات السياسية المعارضة بدلا من اسـتـيعابها. وبعد
اكتشاف البترول لم يستطع الملك إدريس السيطرة على الفساد رغم ما وجـّه من مواعظ،
لأن أساسه كان من فعل المتـنـفـذين ورجال القصر المقربين. ونتيجة لكل ذلك فـقـد النظام
الملكي كثيرا من مصداقيته، وذلك كان سر ترحيب الليبيين بسـقـوطه ســنة 1969.
وحدث نفس الشئ مع معمر
القذافي الذي تفرد بالسلطة وأخضع مصائر البلاد والعباد لنـزواتـه وشـكوكه المريضة،
فكانت نهايته البشـعـة بقــدر صَـلـفـه وخـداعـه وتبجـّـحـه.
ويبدو أننا نعيش الفسـاد
والإقصاء والخـوف، وإذا استمرت الأمور هكذا، لن نجني سـوى البؤس والدمـار.
إذن .. ما المخرج من كل هذه
المآزق؟
أعـتـقـد أن علي كل هذه
الأطراف التي ذكرنـاها أن تعـتـرف بوجـود بعضها البعض، لأن الوطن للجميع،
وأن نقبل جميعـًـا بالحــوار
وأن نمارســه بصــدق،
وأن نتقـبل حلــول الوســط،
وأن نضع بين ناظرينا مصالح
المواطن البسيط وطموحاته لحياة مستقرة وميسورة، وأمله في منح الأجيال الشابة
مستــقبلا أفضل.
وعسى أن يهدينا الله تعالى
سـواء السبيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق