تخوض المعارضة السياسية في الجزائر، آخر معاركها ضد مشروع الدستور الجديد والمقرر تمريره عبر غرفتي البرلمان في أعقاب الاستدعاء الذي وجهه الرئيس بوتفليقة للهيئة التشريعية للانعقاد في دورة استثنائية.
العرب اللندنية: تعمدت كتل المعارضة الجزائرية في البرلمان، التكتم على خطتها لرفض مشروع الدستور الجديد، والاحتفاظ بعنصر المفاجأة لغاية جلسة التزكية التي كانت مقررة، غدا الأربعاء، لكن تم تأجيلها إلى الأحد المقبل، حسب ما أكدته مصادر مطّلعة لـ"العرب". وقررت السلطات الجزائرية تأجيل موعد الجلسة البرلمانية لغرفتي البرلمان المخصصة لتمرير الدستور الجديد، إلى السابع من فبراير الجاري، مما يؤكد وجود إشكالات قانونية وإجرائية تعتري المشروع.
وعللت مصادر برلمانية من معسكر الموالاة، القرار بالأسباب التقنية الصرفة، نظرا لضيق الوقت الناجم عن الانتهاء المتأخر لمجلس الأمة (الغرفة الثانية) من تنصيب هياكله، وعدم تنصيب رئيس اللجنة المشتركة بين الغرفتين لحد الآن، وفق النصوص المنظمة لهذه العملية التي تعطي الحق للنائب الأكبر سنا لرئاسة اللجنة. ولم يستبعد مراقبون أن ينطوي قرار التأجيل على مخاوف لدى السلطة، من عدم ضمان نصاب الثلاثة أرباع اللازمة لتمرير المشروع، ولذلك منحت لنفسها فرصة أخرى من أجل التشاور واستمالة نواب آخرين من لتعزيز صفوفها. ودخلت كتل التكتل الأخضر المشكل من أحزاب إسلامية (حركات النهضة والإصلاح ومجتمع السلم)، العدالة والبناء، والبناء الوطني، وحزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية، منذ يومين في اجتماعات مفتوحة من أجل بلورة موقف نهائي من التعاطي مع جلسة تمرير الدستور.
ورفض النائب البرلماني عن جبهة القوى الاشتراكية شافع بوعيش، الإفصاح عن مضمون الأفكار المتداولة بقوة داخل الكتل النيابية، خاصة بعد انضمام كتلة حزبه لمعسكر نواب المعارضة، مشدّدا على أن المشاورات مستمرة وهناك عدة خيارات مطروحة سيتم تبني واحد منها. وقال في تصريح لـ"العرب"إن "الكتل النيابية تتدارس عدة خيارات، وستستقر على واحد منها، للتعبير عن موقفها من المشروع، وإن هناك إجماعا داخل أحزاب المعارضة على رفض الوثيقة، رغم اختلاف توجهاتها السياسية والأيديولوجية وهو ما يؤكد غياب التوافق اللازم في مثل هكذا مشاريع".
وحول سؤال بشأن جدوى موقف نواب المعارضة في ظل امتلاك المشروع للأغلبية اللازمة، أكد المتحدث أن "العبرة ليست في مسألة أغلبية أو أقلية، فالبرلمان برمته يفتقد للشرعية الشعبية، فهو نتاج انتخابات بأضعف مشاركة في تاريخ الاستحقاقات السياسية الجزائرية، إلى جانب التزوير الذي شاب نتائجها، ونحن ندرك أن الأغلبية لصالح المشروع، لكن لابد أن تعلم السلطة أن المشروع لا يحظى بثقة وتوافق الجميع".
وبحسب مصادر من داخل قبة البرلمان، فإن جميع الأطراف دخلت في اتصالات سرية لتعزيز موقفها في جلسة التزكية، فمع الأغلبية التي تحوزها الموالاة في مجلسي الشعب والأمة، فإن الاتصالات تستهدف الواحد والثلاثين صوتا التي تضمن الثلاثة أرباع الواجب توفرها في تمرير الوثيقة، وذلك من خلال استمالة بعض النواب المستقلين أو المنشقين مؤخرا عن حزب العمال، والبعض من أحزاب الوسط التي تبحث عن موقع تحت شمس الموالاة، بينما تسير المعارضة في نفس الخط، بهدف استمالة الأصوات الغاضبة في أحزاب السلطة.
ويتشكل البرلمان الجزائري من غرفتين؛ الأولى المجلس الشعبي الوطني المشكّل من 462 نائبا، يحوز فيه حزبا السلطة على 352 مقعدا، والثانية مجلس الأمة المشكّل من 144 نائبا، تعود فيه الأغلبية أيضا إلى السلطة بحساب نواب حزبيها والثلث الرئاسي بتعداد 137 نائبا. وتراهن الموالاة على استمالة 31 نائبا من مختلف التشكيلات السياسية والمستقلين، لضمان الثلاثة أرباع اللازمة لتمرير الدستور والمقدرة بـ462 نائبا، وعليه شرعت في اتصالات حثيثة ومغرية من أجل حفظ ماء وجهها أمام رئاسة الجمهورية والاستثمار في الشرخ الذي ضرب كتلة حزب العمال مؤخرا، لكن يبقى الأمر غير محسوم بالنظر لما تقوم به المعارضة، خاصة مع وجود أصوات غاضبة داخل أحزاب السلطة كجبهة التحرير الوطني وتجمع أمل الجزائر "تاج".
ويرى مراقبون أن الكتل النيابية أمامها ثلاثة خيارات لا غير، ولو تعمدت عدم الإفصاح عن القرار الذي اتخذته، فإن ذلك يندرج في خانة إخفاء الأوراق إلى غاية اللحظة الأخيرة، تلافيا لأي رد فعل من الموالاة، وهي مخيرة بين التعبير عن موقفها بالكرسي "الشاغر" عبر المقاطعة التامة للجلسة، وبين التصويت بالرفض، وبين شن حركة احتجاجية داخل الجلسة، على شاكلة الحركة التي نفذتها أثناء التصويت على قانون الموازنة العامة. ويشكك سياسيون في دستورية الجلسة الاستثنائية للبرلمان من أجل تمرير مشروع الدستور، بعدما انتهت دورته الخريفية في الثاني من فبراير الجاري، ويعتبرون أن إقرار الدستور الجديد بالعمل لدورة واحدة تستمر 10 أشهر وتنطلق في الثاني من سبتمبر، ما يعني أن البرلمان الحالي لن يجتمع إلى غاية التاريخ المذكور، وهو ما يسمح للسلطة بالتشريع بالأوامر الرئاسية لحوالي عشرين قانونا عضويا وعاديا للتكيف مع أحكام الدستور الجديد. ويقول النائب لخضر بن خلاف من جبهة العدالة والتنمية "في مثل هذه الحالة يصبح البرلمان الحالي منحلا بقوة الدستور، وعليه يستوجب تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة قبل الثاني من سبتمبر المقبل".
وقال معارضون إن التعديلات التي مست 110 بندا من مجمل 178 بندا يتضمنها الدستور الجزائري، كان يستوجب عرضها على الشعب من أجل الاستفتاء، لكن خشية السلطة من عقاب الجزائريين لمشروعها السياسي، دفعها للاستنجاد بالبرلمان لتزكيته. وأثار الدستور الجديد تجاذبا بين حزبي السلطة، على خلفية عدم التوافق على البند 51 الذي أقصى مزدوجي الجنسية من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وعدم شغلهم للمناصب السامية في الدولة، وهو الأمر الذي عارضه أمين عام جبهة التحرير عمار سعداني، على خلفية إقصائه لفئة عريضة من الجزائريين المهاجرين، بينما تمسك أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، بالبند وبرر ذلك بتحصين المواقع السيادية من المؤثرات الخارجية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق