تصاعد الجدل في ليبيا حول المادة الـ8 من اتفاقية الصخيرات، والتي تعطي صلاحية تعيين المناصب العليا للمجلس الرئاسي، بعد رفض المؤتمر الوطني العام تعديلها، وهو ما يرجّح إمكانية العودة إلى المربع الأول في ظل تغول الميليشيات والتنظيمات الجهادية.
العرب اللندنية: نفى رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مارتن كوبلر عزم الأمم المتحدة نشر وحدات من "القبعات الزرقاء" في العاصمة الليبية طرابلس لتأمين عمل حكومة الوفاق الوطني. ويأتي هذا النفي الذي ترافق مع تأكيد بأن صبر الأمم المتحدة بدأ ينفد جراء تزايد العراقيل التي تحول دون تقدم المسار السياسي في ليبيا، في وقت تزايدت فيه خشية الأوساط السياسية الليبية من أن تتسبب عقدة المادة الـ8 من اتفاقية الصخيرات في نسف ما تحقق من العملية السياسية، ودفع الأمور للعودة إلى المربع الأول.
وارتفع منسوب هذه الخشية بشكل لافت، خلال الأيام القليلة الماضية، حتى بدأ صداها يتردد في شرق وغرب ليبيا، وجنوبها، وفي تونس حيث المقر المؤقت للمجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج الذي يسابق الوقت بحثا عن تشكيلة حكومية جديدة تستجيب لمتطلبات المرحلة، وتحظى بثقة البرلمان في طبرق. وأكدت مصادر ليبية لـ"العرب" أن برلمان طبرق ليس في وارد المصادقة النهائية على اتفاقية الصخيرات ما لم يتم تعديل المادة الثامنة منها، وذلك بعد اتضاح ملاباساتها، والظروف التي أحاطت بصياغتها، والأهداف الكامنة وراءها.
ولفتت في هذا السياق، إلى أن تلك المادة لم تكن سوى فخ نصبه أعضاء من جماعة إخوان ليبيا خلال اجتماع سري مع المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا برناردينو ليون، في غفلة من أعضاء البرلمان الليبي المعترف به دوليا، وذلك لإبعاد قائد الجيش الليبي الفريق أول ركن خليفة حفتر. وكشفت لـ"العرب"، أن صياغة تلك المادة قام بها أعضاء من المؤتمر الوطني المنتهية ولايته الموالي لجماعة الإخوان المسلمين، وقد عُرضت على ليون خلال ذلك الاجتماع السري الذي عُقد في أحد فنادق مدينة الصخيرات المغربية بحضور أشرف الشح الأمين العام لحزب التضامن الليبي، وعبدالرحمن السويحلي رئيس حزب الاتحاد من أجل الوطن، بالإضافة إلى محمد شعيب، وأبي بكر مصطفى بعيرة عن برلمان طبرق.
وتم تمرير تلك المادة وضمها إلى اتفاقية الصخيرات بعد أن غادر وفد البرلمان الليبي المعترف به دوليا مدينة الصخيرات بناء على طلب من رئيس البرلمان عقيلة صالح بسبب خلافات جوهرية سادت تلك الجولة من المفاوضات التي تمت قبل الإعلان عن اتفاق تونس الذي مهد للتوقيع على اتفاقية الصخيرات في 17 ديسمبر الماضي. وكان البرلمان الليبي قد رفض منح ثقته لحكومة السراج، مطالبا المجلس الرئاسي بتقليص عدد الوزراء وتعديل المادة الـ8 من الاتفاقية، التي تنص على "نقل كل صلاحيات المناصب الأمنية والعسكرية والمدنية إلى مجلس رئاسة وزراء حكومة الوفاق بعد توقيع الاتفاق مباشرة، على أن يتخذ مجلس الوزراء قرارا بشأنها خلال مدة لا تتجاوز عشرين يوما، وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال هذه المدة، يقوم المجلس باتخاذ قرارات تعيينات جديدة خلال مدة ثلاثين يوما".
ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى إمكانية التوصل إلى تعديل لهذه المادة، خاصة وأن المؤتمر الوطني رأى أن أي تعديل على تلك المادة هو "انتهاك صارخ للاتفاق ويعد انقلابا"، وحذر بتصعيد الموقف، فيما رفض رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مارتن كوبلر ضمنيا إدخال أي تعديل عليها.
وقال كوبلر خلال مؤتمر صحفي عقده أمس بتونس، إنه وفقا لقرار مجلس الأمن 2259 لا يستطيع أي طرف إدخال تعديلات على الاتفاقية خارج إطار الآليات المنصوص عليها، وبالتالي فإن تعديل المادة الـ8 لا يتم إلا بتوافق بين البرلمان ومجلس الدولة. ولما كان مجلس الدولة لم يتشكل بعد، فإن المراقبين يعتقدون أن هذه المادة من شأنها تعطيل المسار السياسي وبالتالي عودة الأمور إلى المربع الأول على ضوء تدهور الأوضاع الأمنية، وتعثر عمل لجنة الترتيبات الأمنية بسبب موقف جماعة الإخوان الرافض لها.
وحذر كوبلر خلال هذا المؤتمر الصحفي الذي حضرته "العرب"، من تردي الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية، التي قال إنها أصبحت مرتعا للميليشيات، ما تسبب في ارتفاع الجريمة وعمليات الخطف، وهو "أمر لا يمكن القبول باستمراره، وبالتالي لا بد من الإسراع في إيجاد منظومة أمنية وعسكرية قوية لوضع حد لهذه الفوضى". وتابع قوله "ليبيا اليوم هي الدولة الوحيدة في العالم التي فيها ميليشيات مُسلحة تتلقى مخصصاتها المالية من البنك المركزي، وهذا أمر ناتج عن الفراغ السياسي والأمني والعسكري في البلاد، لذلك لا يجب بقاء السلاح خارجا عن السيطرة".
وأكد مبعوث الأمم المتحدة، أن التحدي الأمني يعد أبرز التحديات التي تواجه حكومة السراج المرتقبة التي يتعين أن تعمل من العاصمة طرابلس، ولفت إلى أن اللجنة الأمنية تعمل على توفير المناخ المناسب بالتنسيق مع الجنرال الإيطالي باولو سيرا، ولكنه نفى وجود نية لدى الأمم المتحدة في نشر قوات تابعة لها في طرابلس لتوفير ذلك المناخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق