رأت حكومة الوفاق الوطني النور في ظل انقسامات حادة حول العديد من المسائل الجوهرية والتي مازالت عالقة ولم يتم الحسم فيها نهائيا على غرار المؤسسة العسكرية وقائدها خليفة حفتر. وتنتظر حكومة الوفاق الجديدة والتي لم تتم المصادقة عليها بعد من قبل مجلس النواب تحديات كبرى مرتبطة أساسا بالوضع الأمني.
العرب اللندنية: منذ الإعلان عن حكومة الوفاق الوطني الليبية برزت إلى السطح تساؤلات بشأن قدرة هذه الحكومة الوليدة حديثا على تولي مقاليد السلطة، وسط مؤشرات على وجود رد فعل سلبي من الحكومتين المتنافستين. وجاءت الأنباء عن تشكيل الحكومة وسط خلافات تفجرت بين أعضاء المجلس الرئاسي المجتمعين في تونس في اللحظة الأخيرة. وتنظر الأمم المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي إلى الحكومة الجديدة بوصفها عنصرا أساسيا لتحقيق الاستقرار في البلاد التي مزقتها الحرب ولدحر التنظيمات المتشددة خاصة تنظيم داعش. ويتعين إقرار تشكيل الحكومة في غضون 10 أيام من قبل البرلمان الليبي المعترف به دوليا، والذي يتخذ من مدينة طبرق الساحلية مقرا له.
وقال ماتيو توالدو، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن حكومة الوفاق الوطني الليبية تواجه تحديا كبيرا للفوز بموافقة مجلس النواب. وأوضح توالدو في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، أن ممثل اللواء خليفة حفتر في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق علي القطراني علق مشاركته في الاجتماعات التشاورية للمجلس، ولم يوقع على الحكومة المقترحة، وهو خبر سيء لأن "رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، قريب جدا من حفتر لذلك لست متأكدا من طرح الموضوع للتصويت، وإذا تم التصويت فلست متأكدا، من الوصول إلى النصاب القانوني".
وأضاف توالدو أنه “لم يتم عقد اجتماع للمصالحة، بين المقاطعين لمجلس النواب ورئيس مجلس النواب. وإذا لم يحضر المقاطعون إلى مجلس النواب سيكون من الصعب للغاية تحقيق النصاب القانوني، وكذلك الحصول على بعض الشرعية في البلاد". ورغم أن العديد من المراقبين ثمّنوا إقدام المجلس الرئاسي على الإعلان عن تشكيل حكومة الوفاق، معتبرين أن قائمة الوزراء الحالية يمكن أن تساعد على حشد الدعم للحكومة، خصوصا من الناحية الجغرافية، إلا أن هذه الحكومة تواجه عدة صعوبات أهمها أن العديد من الميليشيات وخاصة منها ميليشيات مدينة مصراتة تعارض اتفاق الصخيرات ومخرجاته ولا يمكن لها الإنضواء تحته أو القبول به.
وعبر فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي عن صعوبة تشكيل حكومة الوفاق، قائلا "تشكيل الحكومة لم يأت بسهولة بل مرّ بتحديات وأحيانا بمغالطات، ورأينا أن نغض الطرف عنها متمسكين بروح الوفاق مدركين أن المرحلة تتطلب قدرا كبيرا من ضبط النفس وتغليب صوت العقل". وأضاف في كلمة له توجّه بها إلى الشعب الليبي “ليس بخاف عليكم أن المجلس الرئاسي عقد أول جلسة له منذ أسبوعين فقط، ورغم ضيق الوقت وتسارع الأحداث وتداعياتها في أكثر من مدينة ليبية تمسك المجلس بالالتزام بما ورد في الاتفاق السياسي".
وتابع قوله "جاءت الحكومة بهذا الشكل الموسع مراعاة لطبيعة المرحلة الحساسة التي تمر بها بلادنا، والتي جاءت بعد استقطاب سياسي حاد وصراع مسلح أوجد وضعا استثنائيا نعمل على تجاوزه". هذا وأفاد عميد بلدية طبرق المكلف، فرج محمد ياسين المبري، بأن الوضع الراهن "لا يمكن معه قيام حكومة وفاق تدعي الوطنية" لأن "الميليشيات المسلحة ومختلفة التوجهات ليس للوطن مساحة في أجندتها"، مشيرا إلى أن هذا الوضع قد "يكرر مأساة الحكومتين السابقتين والمؤتمر".
وطالب عميد بلدية طبرق المكلف المجتمع الدولي برفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي "إن كان جادا في حربه ضد الإرهاب وداعش والتطرف بأنواعه"، لأن الجيش هو "الداعم والحامي الحقيقي للوطن ولأي حكومة وطنية تنال الاعترف الشعبي والدولي". وتعالت الأصوات المنادية بضرورة دعم الجيش الليبي في حربه ضدّ التنظيمات الجهادية ورفع حظر الأسلحة عن ليبيا، وهو ما لم تستجب له الأمم المتحدة لاعتبارات عدّة أهمها أن قرارا مماثلا سيكثّف حالة الفوضى وسيحوّل ليبيا إلى خزّان للأسلحة التي من المرجح أن يستفيد منها المتشددون.
وأكدت حكومة الوفاق المقترحة بقيادة فايز السراج، في بيان سابق لها، أنها ستعمل جاهدة على رفع حظر السلاح عن قوات الجيش نظرا "للدور البطولي لأفراد القوات المسلحة في مقارعة الإرهاب، وتخليص البلاد منه". وقد أعربت العديد من الدول في مناسبات عدّة عن قلقها من تعاظم نفوذ تنظيم داعش في ليبيا وتمكنه من السيطرة على مدينة سرت وبعض المناطق المحاذية لها ممّا يزيد من احتمال تحوّل ليبيا إلى ملاذ آمن للمقاتلين من مختلف الجنسيات. ويعتبر مراقبون أن القضاء على داعش في ليبيا يتطلّب تعزيز السلطة التنفيذية عبر دعم قوات الجيش وتسليحها وإعادة هيكلة جهازي الشرطة والمخابرات، غير أن تعنّت الميليشيات ورفضها الخضوع لسلطة الدولة قد يعرقلان هذا المسار الإصلاحي.
وأكدوا أن الاتفاق السياسي لن يصمد كثيرا على أرض الواقع لأن الفاعلين السياسيين الليبيين لا يمتلكون سلطة على قادة الميليشيات الإسلامية المسلحة المرتبطة بأجندات خارجية. وعموما يتجاوز إجمالي الميليشيات في ليبيا 300 ميليشيا مسلحة، هذا إلى جانب الميليشيات التكفيرية والتي تنضوي تحت لواء السلفية الجهادية ومن بينها كتيبة 17 فبراير، وسرايا راف الله السحاتي، ودرع ليبيا، وكتيبة أنصار الشريعة، وغرفة عمليات ثوار ليبيا، وكتيبة ثوار طرابلس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق