DW عربية: تشهد السعودية اليوم 12 من ديسمبر كانون الأول انتخابات بلدية تشارك فيها المرأة مرشحة وناخبة للمرة الأولى، لكن حصول المرأة على حق التصويت ليس سوى "خطوة صغيرة جدا" على الطريق نحو الديمقراطية والمساواة بين الجنسين في البلاد. احتفلت الأوساط النسائية داخل السعودية بالحدث واصفة إياه بـ"التاريخي"، فيما تختلف الآراء حوله بين أوساط المعارضة الليبرالية في داخل البلاد وخارجها. فهل مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات البلدية حقا منعطفا "تاريخيا" في تاريخ الحركة النسائية في البلاد على طريق وضعهن على قدم المساواة مع الرجل؟ أم أنها مجرد "ورقة توت لستر العورة"، كما يقول البعض؟
وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة DW حاولت الاتصال بعدد من الناشطين الحقوقيين في حركات المجتمع المدني لتوثيق آرائهم بهذا الشأن، إلا أنهم ابلغونا بأن السلطات حذرتهم من الظهور الإعلامي والحديث بهذا الشأن. فلم يتسنّ لنا توثيق مواقف المجتمع المدني من داخل المملكة. لكن الصحف الرسمية في البلاد تناولت الموضوع خلال الشهر الأخيرة بشكل مسهب ونقلت آراء النساء اللواتي تحفزن للمشاركة في الانتخابات، بينها موقف مديرة إدارة العلاقات العامة في جمعية النهضة النسائية الخيرية هبة الزامل والتي اعتبرت "أن المجالس بالنظام الحالي وفي الدورة المقبلة سوف تمثل المجتمع بشكل فاعل وملموس نظرا للجهود المبذولة في مجال التوعية حول مبادئ وأخلاقيات التصويت، الأمر الذي بات باستطاعة المواطنين أن يشاركوا فيه بصناعة القرار أولاً وبتنفيذه ثانياً، مما رفع من سقف التوقعات الخاصة بدورة الانتخاب الحالية، ووجّه عيون المسؤولين والمواطنين بترقب وتفاؤل وتأمل نحوها"، حسبما جاء في صحيفة الرياض السعودية في عددها الصادر في الثاني من آب/أغسطس الماضي".
بدورها قالت فريدة محمد علي فارسي عضو لجنة المدارس الأهلية للبنات في غرفة تجارة جدة بأنه "وعلى الرغم من التحفظات الكثيرة على أداء وعمل المجالس البلدية خلال الدورتين السابقتين إلا أن دخول المرأة كناخب ومترشح في هذه الدورة يبعث الأمل على أن يتحسن أداء وعمل تلك المجالس"، حسب ما نشرت نفس الصحيفة في الثالث من آب/أغسطس الماضي.
خطوة "تاريخية"
خطوة "تاريخية"
لكن الناشطة السعودية المقيمة في لندن، الدكتورة مضاوي الرشيد، تشير إلى نقطة جوهرية بهذا الصدد وتقول إنه "أولا وقبل أن نحتفل بالحدث يجب أن نركز على موضوع أن هذه الانتخابات البلدية هي انتخابات محدودة جدا، لأن مجالس البلدية ليست لها سلطة وكذلك ليس كل أعضاء المجالس هم منتخبون". لذلك يأتي دخول المرأة كناخبة ومرشحة في هذه الانتخابات من واجهة تمكين المرأة وهو المشروع الذي تبناه الملك الراحل عبدالله واليوم يستمر، حسب قول الدكتورة الرشيد، التي أضافت في حديث حول هذا الموضوع مع DW: "لكن التمكين الحقيقي لا يكون في إظهار وجه المرأة كواجهة للمؤسسات أو بعض المؤسسات في السعودية".
وتتابع الرشيد: "وقد لاحظنا أن التركيز يكون دوما إما على تعيين النساء في مجالس الشورى أو حديث صحافي عن أول امرأة تخترق حواجز معروفة في البلد. لكن تمكين المرأة يجب أن يكون مقترنا بأطروحة تصلح النظام السعودي في مؤسسات كثيرة وهو التمثيل الشعبي في المؤسسات الحاكمة. وهذا لم نحصل عليه حتى هذه اللحظة" ولذلك تدخل هذه الموجة في مجال تحسين صورة المرأة، حسب رأي الرشيد. وتضيف الدكتورة مضاوي أنه رغم إمكانية بروز بعض الوجوه النسائية في الساحة السعودية، إلا أنها تشك في أن يكون لهن قرار مهم في تغيير وجهة السياسة. ويشارك رأي الدكتورة مضاوي الرشيد الدكتور فؤاد إبراهيم الناشط الليبرالي في لندن والذي قال "لا تعتبر هذه الانتخابات في السياق الإنساني الديمقراطي تاريخية ولا تمثل إضافة للتجربة الديمقراطية الإنسانية. ولكن على المستوى المحلي فنعم".
ويقول الدكتور إبراهيم في حديث مع DW "بسبب تخلف الدولة السعودية في التعاطي مع المرأة كدور وككيان يعتبر تطوراً نسبياً جدا". ويجب أن لا ننسى أن هذه الانتخابات البلدية هي نصف انتخابات وليست انتخابات كاملة. وهناك إشراف كامل على العملية الانتخابية من قبل وزارة الداخلية السعودية التي تنظر في اختيار المرشحين وإخضاعهم لمعايير صارمة جدا تحددها الوزارة، حسب رأي الدكتور إبراهيم. ويتابع الناشط السعودي حديثه قائلا: "تم استثناء البعض من خوض الانتخابات لأسباب مجهولة. لا يمكن مقارنة هذه التجربة مع أي تجربة ديمقراطية في العالم، فهي دون مستوى الحراك الإنساني الديمقراطي عبر التاريخ. فهي تجربة متواضعة جدا، فجزء كبير منها لإرضاء الخارج أكثر من الداخل.
لأن وضع الداخل بات متطورا بل بات جاهزا اليوم للدخول في أقصى ما يمكن أن تصل إليه التجارب الديمقراطية في العالم. من وجهة نظر ديمقراطية هذه الانتخابات لا تمثل إضافة". ورغم ذلك تقول الأصوات النسائية داخل المملكة إن الانتخابات ستكون تجربة جيدة، حسب رأي فريدة فارسي والتي قالت في حديثها مع صحيفة الرياض السعودية "لا زلنا نطمع بأن يكون دور المجالس ملموساً في نقل مطالب وحل مشاكل سكان الأحياء خصوصاً وأن أعضاء تلك المجالس تم انتخابهم من قبل الأهالي".
خطوة متقدمة
ورغم اعتراض الدكتورة مضاوي الرشيد على جوهر العملية، إلا أنها تعتبرها نوعاً ما خطوة متقدمة، حيث تقول "هي خطوة متقدمة للنساء لأنها ستكسبهن بعض المهارات وبعض القدرة على الخوض في الحيز العام، لكن النتيجة لن تكون بما يتوقعها الذين هم الآن بصدد الترحيب بها. لأنها خطوة محدودة جدا. فإذا كان الرجل السعودي والمرأة السعودية ليس لهم مؤسسات تمثيل شعبي، لذلك تكون هذه المجالس محدودة وضيقة جدا". وتضيف الدكتورة مضاوي "كما لا تستطيع المجالس أن تحل بعض المشاكل العالقة على المستوى المحلي. فمثلا موضوع الفيضانات والتي تحصل في المدن السعودية كل سنة تقريبا وتوجه أصابع الاتهام فيها إلى بعض الموظفين في المجالس المحلية أو في ما يسمى بالإمارات السعودية. لذلك، فهذه المجالس محدودة جدا ويجب أن نفهم أن صلاحياتها قليلة جدا" لذلك فوجود المرأة أو عدم وجودها لا يعطيها ذلك الزخم المطلوب، حسب رأي الدكتورة مضاوي. وتبرر الدكتورة الرشيد ذلك بالقول: "لأن الدولة السعودية لا تمكن المواطن، امرأة كان أو رجلاً، من أن يكون له تمثيل على المستوى المؤسساتي كبرلمان منتخب أو حتى في المجالس المحلية في المناطق المختلفة في المملكة".
ويذهب في هذا الاتجاه أيضا الدكتور فؤاد إبراهيم حين يقول "يمكن اعتبار هذه الخطوة، رغم كل الانتقادات، متقدمة في ظل الظرف السياسي السعودي". ويضيف "بالمناسبة هذه الخطوة ليست من إنجازات النظام، وإنما هي تعبير وتنفيذ لنضالات المرأة المتراكمة التي قامت بها المرأة في السعودية وفرضت هذا الواقع". ويستطرد إبراهيم قائلا: "بالمناسبة هذه التجربة لا تمثل وعيا لدى القيادة السياسية في السعودية وليست من متبنيات القيادة السياسية في البلاد، بل العكس القيادة السياسية الجديدة هي محافظة بشكل كبير وترفض أي مشاركة للمرأة وللرجل على حد سواء. كما أن قرار مشاركة المرأة لم يتخذ في عهد الملك سلمان، بل اتخذ في عهد العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، وبالتالي فهو قرار ملزم بالتنفيذ لأنه متوارث".
دور المرأة السعودية
و عما إذا كان للمرأة السعودية أن تلعب دورا فاعلا في ظل الظروف الحالية تقول الدكتورة مضاوي الرشيد "هو أصلا لا توجد مشاركة شعبية للمرأة والرجل. فهذه الانتخابات المحلية المحدودة لا تغيير في المعادلة. فالمواطن نفسه غير ممثل في مؤسسات معينة كبرلمان منتخب أو مجلس شورى منتخب. لذلك فالحديث عن تغيير القرار هو نوع من التمنيات المستقبلية والتي لن تحدث عن طريق انتخاب مجالس بلدية محدودة". أما الدكتور فؤاد إبراهيم فيسحب السؤال على المرأة والرجل على حد سواء فيقول" إن هذا السؤال ينسحب على الرجل أولا. لأن الرجل شارك أيضا في أعمال مجلس الشورى منذ عام 1992 حتى اليوم، فماذا قدم الرجل في مجلس الشورى؟" ويضيف الدكتور فؤاد أنه بالمستوى العام لا يمكن فصل دور المرأة عن الحياة السياسية عموما التي هي بحاجة إلى نقلة نوعية يمكن أن نقول إنها بداية لتحول ديمقراطي أو انتقال ديمقراطي للسلطة في السعودية، حسب رأيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق