بإعلان الحوثيين تسليم الأمم المتحدة أسماء وفدهم التفاوضي، ارتسمت ملامح المشاورات المرتقبة التي يأمل اليمنيون أن تكون بمثابة "خارطة طريق" نحو حل أزمة بلادهم، التي دخلت إلى حرب أهلية منذ أواخر مارس الماضي أسفرت عن مقتل نحو 6 الآف مدني وإصابة العشرات من الآلاف، إضافة إلى نزوح 2.4 مليون يمني داخليا بسبب المعارك، وفقا لإحصائيات أممية.
العرب اللندنية: اكتملت أركان مفاوضات جنيف 2، بين الأطراف اليمنية المقرر انعقادها، الثلاثاء القادم، وذلك بموافقة الحوثيين على المشاركة وتسليم أسماء فريقهم التفاوضي إلى الأمم المتحدة التي ترعى المشاورات في سويسرا بهدف إيجاد حل للأزمة اليمنية، وإيقاف العنف المتصاعد منذ أكثر من ثمانية أشهر. وقد أكد الناطق الرسمي لجماعة أنصار الله محمد عبدالسلام أنه تم تسليم الأمم المتحدة أسماء الوفد التفاوضي المشارك في حوار جنيف بناء على ما تم الاتفاق عليه مع الأمم المتحدة للوصول إلى استئناف الحوار السياسي.
وقال عبدالسلام، في بيان على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "يأتي ذلك في سياق المشاورات السياسية التي جرت مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي خلال الأشهر الماضية في العاصمة العمانية مسقط وما تم من توافقٍ على أفكار ومبادئ وصولا إلى مقترحاتنا حول الحوار "مسودة وأجندة ومكانا وتاريخا". وأعرب على محسن حميد، السفير اليمني السابق بالجامعة العربية، عن تفاؤله باجتماع جنيف2، الذي قد ينجح في إنهاء الحرب الدائرة في اليمن أو يوقفها لفترة محددة، ما يمكن أن ينقذ اليمن من الحصار الشامل، برا وبحرا ويوقف الغارات الجوية، وتعود الحياة إلى طبيعتها.
وأوضح حميد، في تصريحات لـ"العرب"، أن الحرب التي دخلت شهرها التاسع لم تحقق أهدافها الكاملة. وطالب المجتمع الدولي بالالتفات إلى معاناة الشعب اليمني، حيث تهدمت أجزاء كبيرة من البنية التحتية، وقصفت الآلاف من المدارس والمستشفيات، كما أن هناك أزمة تموينية طاحنة، جراء الحصار الاقتصادي، الذي أدى إلى تدهور العملة اليمنية. وأشار إلى أن اليمن به أكثر من مليون ونصف المليون مشرد، بخلاف العشرات من الآلاف في الخارج. ولفت السفير اليمني إلى أنه كان لا بد من التدخل السلمي منذ اندلاع الأزمة، لأن الحوثيين ما هم إلا بقايا نظام استبدادي رعاهم الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح.
وعن الفئة المعارضة لاجتماع جنيف2، قال علي محسن حميد إنهم المشككون في صدق نوايا الأطراف الداخلية فى المقام الأول، مبينا أن الخريطة السياسية والعسكرية قد اختلفت، وهناك ممارسات خارجة عن الأطر القانونية، وهي التي يتبناها الحراك الجنوبي، وتلك قضية داخلية أخرى ستقود للمزيد من الحروب. وقال إن المحادثات التي أعلنتها الأمم المتحدة هدفها وقف إطلاق النار، والبحث عن خطة لانسحاب المتمردين من المناطق التي استولوا عليها، وإيصال المساعدات الإنسانية. وأضاف أن بعض الخبراء رأوا أن الحل بيد اليمنيين أنفسهم، خاصة وأن الحوثيين لن يلتزموا بأي قرار أممي، للاستفادة من الوقت، أملا في ترتيب صفوفهم.
بدورهـا أكّدت مصادر حكومية أن المؤشرات تبدو إيجابية، خصوصا وأن كلا الطرفين -الحكومة الشرعية من جهة والحوثيين وحزب الرئيس السابق صالح من جهة- قد قدما تنازلات من أجل الوصول إلى حوار جاد. وبحسب ما جاء في بيان للناطق الرسمي للحوثيين، فقد تم التخلي عما يسمى بـ"نقاط مسقط السبع" التي أصرّوا سابقا، أن تكون مرجعية للحوار، كما خلا البيان في المقابل من أي إشارة للقرار الأممي 2216 الذي تشترط الحكومة الشرعية حوارا يستند إلى بنوده.
لكن، يبقى هناك دائما مجال للشكّ وعدم الثقة، فقد أفشل الحوثيون محادثات سلام سابقة، بدءا من الحوار الوطني (2013-2014) الذي انقلبوا عليه عندما أفضى إلى مخرجات لا تلبي طموحاتهم، كما عرقلوا مسار مؤتمر جنيف1، حيث لم ينتظم وفد المتمردين الحوثيين في مشاورات تفضي إلى تطبيق قرار مجلس اﻷمن رقم 2216. ويدعو القرار 2216 الحوثيين إلى التخلي عن السلاح الذي استولوا عليه من الدولة والانسحاب من الأراضي التي سيطروا عليها، ومن بينها العاصمة صنعاء.
ويؤكّد محللون سياسيون يمنيون أن الجهود الأممية، إلى جانب جهود الرياض، قد تنجح في جمع الأطراف اليمنية على طاولة واحدة للتفاوض، فقط إن توصل الوسطاء إلى صيغة نهائية للاتفاق السياسي، وهو ما تؤكّده الحكومة الشرعية اليمنية، التي تبدو متمسّكة بفرص الحل السياسي وإنجاح المفاوضات، وفي آخر لقاءاته مع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قال رئيس الوزراء، خالد بحاح، إن الحكومة تمضي في مسار السلام بصورة جادة ونوايا صادقة، وفي المقابل فإن العمل على الأرض جار في حال أي نوايا غير حسنة من الانقلابيين. ولا تقتصر الرغبة في وضع نهاية للحرب باليمن لدى أطرافها الداخلية، فدول الخليج التي شكّلت تحالفا عربيا لمساندة شرعية الرئيس هادي وقتال الحوثيين من خلال عاصفة الحزم في 26 مارس الماضي، ترى بدورها ضرورة لإنهاء الصراع، والدخول في مرحلة الإعمار وتأهيل الاقتصاد اليمني التي تشترط وصول الأطراف اليمنية إلى الحل السياسي المنشود".
إجراءات بناء الثقة
خلافا للمفاوضات السابقة، التي تعنّت الطرفان في شروطها، وافق الجميع هذه المرة على الدخول في هدنة إنسانية تتزامن مع انطلاق المفاوضات، الثلاثاء القادم، وقابلة للتجديد تلقائيا إذا لم يتم خرقها. لكن، لم تعرف القواعد الأساسية التي ستُبنى عليها المفاوضات المرتقبة، وهل سيوافق الحوثيون على عودة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي الموجود حاليا في عدن، جنوبي البلاد، لممارسة مهام إدارة الدولة من العاصمة الرئيسية "صنعاء"، لكنهم لم يعلنوا رفضه صراحة كما فعلوا سابقا. وينص "ميثاق شرف" المشاورات على مناقشة القضايا الرئيسية، وعلى رأسها "إطار العمل العام لعودة اليمن إلى عملية الانتقال السياسي السلمي والمنظم، انطلاقا من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 2216.
ووفقا للميثاق، يجب أن يبنى الإطار العام "خارطة طريق متفق عليها"، بالخطوات والمعالم وتسلسلها الزمني في التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم ومستدام، والانسحاب المتفاوض عليه للقوات العسكرية، والاتفاق على إجراءات أمنية مؤقتة. ويشدد ميثاق الشرف على التعامل مع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، واستعادة الحكومة سيطرتها على مؤسسات الدولة واستئناف عملها بصورة كاملة. وستركز المشاورات القادمة، وفق ما صرّحت به مصادر حكومية، على "إجراءات بناء الثقة"، والخطوات الفورية التي تفضي إلى منافع إيجابية ملموسة للشعب اليمني، والتي يجب أن ترمي إلى تحسين وضع اليمنيين في المدى القصير، وبناء ثقة أطراف الصراع في مقدرتها على التوصل إلى اتفاق يكتب له النجاح، وبناء ثقة الشعب اليمني في الحل السلمي.
ومن ضمن إجراءات بناء الثقة، التي سيناقشها الطرفان المتصارعان ويتشاركان في بحث حلول لها:
* الإجراءات الفورية لتحسين الوضع الإنساني.
*إنعاش الاقتصاد وإطلاق المعتقلين.
* وقف إطلاق النار بشكل محلي، حيثما أمكن، كخطوة أولية، نحو إعلان وقف إطلاق النار على المستوى الوطني.
وتبدو الحكومة اليمنية جادة في هذا الجانب، وتجلّى ذلك، عبر تصريح نائب مدير مكتب الرئاسة اليمنية، ورئيس الفريق التفاوضي، عبدالله العليمي، الذي قال كلما أبدى الطرف الآخر (الحوثي وصالح) إيجابية في إجراءات بناء الثقة وتقدم خطوة ستُقدم الدولة على عشر خطوات في مقابلها. واجتمع مجلس الوزراء في الرياض، مساء الخميس الماضي، برئاسة رئيس الوزراء خالد بحاح وحضور جميع الوزراء الجدد الذين عيّنهم الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ضمن تعديل في حكومة بحاح، شمل 5 حقائب وزارية منهم 3 نواب لرئيس الوزراء، دون الرجوع إلى نائبه رئيس الوزراء خالد بحاح.
وقد أثار هذا الأمر في البداية حفيظة بحاح الذي أعلن رفضه للتعديلات تلك، في بيان نشره على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، لكن، رأى الخبراء في اجتماعه بالوزراء الجدد خطوة إيجابية للردّ على ما وصفه البعض بتفكّك جبهة الشرعية مقابل ذهاب جبهة الحوثي-صالح إلى المفاوضات وهي متماسكة كما كانت عند تدشين تحالفها لإسقاط الحكومة.
إجراءات مشددة
تلافيا للاختلالات التنظيمية التي رافقت مفاوضات جنيف1، في يونيو الماضي، حيث رُشق قيادي حوثي بحذاء من قبل إحدى الصحفيات اليمنيات، بدت الأمم المتحدة أكثر صرامة في الترتيب للنسخة الثانية من المشاورات، والتي تأمل أن يكون النجاح حليفها. ووفقا لميثاق الشرف، ستنعقد المفاوضات في مقر توفّره الحكومة السويسرية، وسيتم منع وسائل الإعلام من الدخول، باستثناء إمكانية التقاط الصور عند انطلاق المحادثات، وفي أوقات أخرى يحدّدها المبعوث الخاص، إسماعيل ولد الشيخ. وسيقتصر التواجد داخل مقر المحادثات على عشرين عضوا، كممثلين لكلا الوفدين، ومكتب المبعوث الخاص والخبراء الذين يدعوهم المبعوث الخاص. ويتواجد وفد الحكومة التفاوضي حاليا، في العاصمة السعودية الرياض، فيما يتواجد وفد الحوثيين وحزب صالح في العاصمة صنعاء، التي عادوا إليها مؤخّرا من العاصمة العمانية مسقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق