وكالات: تصاعدت موجة التشدد في مناطق تتخاطفها النزاعات في الشرق الأوسط، ويوما بعد يوم تسبب ذلك في إجبار المسلمين المقيمين في أوروبا، وخصوصا في فرنسا، على الدخول في عزلة عن المجتمع الذي بات ينظر إليهم بكثير من الشك. وجاءت هجمات متزامنة نفذها انتحاريون ومسلحون ينتمون إلى تنظيم داعش في العاصمة الفرنسية باريس وسقط على إثرها قرابة 130 شخصا، بمثابة الانتقال إلى مرحلة أخرى من الريبة تجاه المسلمين الذين يتنامى لديهم الشعور بالحصار داخل جزر ثقافية منعزلة أكثر من أي وقت مضى.
بينما تندمج نسبة كبيرة من مسلمي فرنسا داخل المجتمع مثل زهير، الحارس المسلم ذي الأصول العربية، الذي وقف على أبواب ملعب فرنسا حينما حاول ثلاثة انتحاريين الدخول بالقرب من موقع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي كان يشاهد مع 80 ألفا آخرين مباراة بين المنتخبين الألماني والفرنسي. ولاحقا لم يجد الانتحاريون بدا من تفجير أنفسهم خارج الملعب المكتظ.
ويقول المحلل السياسي جيمس دورسي إن "المنتخب الفرنسي يشكل انعكاسا مصغرا لطبيعة جسم المجتمع الذي أخذ في التفكك وبات مستعدا الآن إلى الابتعاد عن أطرافه المسلمة". وأضاف "عندما كان منتخب كرة القدم في فرنسا يضم غالبية من اللاعبين المهاجرين من ذوي الأصول المسلمة تمكن من الحصول على كأس العالم عام 1998، لكن بعدها شكل أداء المنتخب في مونديال جنوب أفريقيا عام 2010 إحراجا كبيرا لفرنسا". وخلال الـ12 عاما التي شهدت صعود منتخب فرنسا إلى القمة وانهياره إلى القاع، انتشرت في المناطق الفرنسية المكتظة بالمسلمين أسوأ أعمال شغب عرقية منذ عقود.
لكن لا يبدو المجتمع الفرنسي الذي تسيطر عليه حاليا نزعة الانتقام مستعدا للتروي أو إظهار العقلانية في مواجهة مسلمين ولدوا في فرنسا لكن الكثير منهم لا يعتبر نفسه فرنسيا. وأظهر ذلك الارتباط بالوطن الأصلي مزيدا من الابتعاد عن المجتمع الفرنسي. وهذا الانعزال عن المجتمع هو وقود للعمليات الإرهابية التي يحلم الجهاديون بأن تخرج من بين صفوف ملايين المسلمين الغاضبين في أوروبا. وشكلت هجمات باريس مثالا عمليا على اتجاه تنظيم داعش، أخطر الجماعات المتشددة، للتعويل على المسلمين ممن يحملون جوازات سفر أوروبية لارتكاب مذابح في الغرب مشابهة لتلك التي يحاول تسليط الأضواء عليها يوميا في الشرق الأوسط.
وقال الكاتب البريطاني باترك كوبرن في مقال نشرته صحيفة “اندبندنت” إن قادة التنظيم المتشدد "ندموا على القتال طويلا في عين العرب (كوباني، شمالي سوريا) إذ خسروا نحو 2000 مقاتل جراء الغارات الجوية الأميركية، وعليه قرروا الاعتماد على أسلوب العصابات في سوريا والعراق ونشر النزاع في الخارج بتنفيذ عمليات هناك". وبات مؤكدا أن المرحلة المقبلة من الصراع مع المتشددين ستحمل استراتيجية مغايرة للتراخي الذي أضفى على تحركات الغرب في سوريا والعراق طابعا متخاذلا. ولن تتوقف خطط الحرب التي يعكف قادة أوروبا ومعهم الولايات المتحدة الآن على وضعها على منابع المتشددين في الشرق الأوسط فقط.
ويقول دورسي "إن الصراع مع ما يمثله داعش يجب أن يكون في المدن والضواحي الفرنسية التي مازالت تمد هذا التنظيم بوقود فكري وبشري لا ينضب، بنفس درجة الاحتدام المتوقع أن تشهده مدينة الرقة في سوريا أو الموصل في العراق". وكان أسلوب تنظيم داعش في السابق هو بناء بلد يحكم فيه التفسير الأكثر تشددا للشريعة الإسلامية، أما اليوم فقد التحق عدد كبير من الشبان الذين يحملون جوازات سفر أجنبية بالتنظيم، وأدى ذلك إلى تغيير حتمي في أسلوب العمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق