الرئيس الراحل أنور السادات |
كان القذافي في زيارة للقاهرة وكعادته في ممارسة التنظير وبحضور النخب، طلب من السادات ان يجمع له نخبة من الكتاب والصحفيين والأكاديميين المصريين ليلقي محاضرة عن رؤيته وتصوراته ومشروعه لقيام الدولة العربية الحديثة والوحدة العربية وباقي الخرافات التي عشناها وسمعناها حتى القرف. المهم يبدو ان السادات تورط ايضا بالحضور بروتوكوليا وكمجاملة للقذافي وجلس معه على المنصة، فيما بدا القذافي يتحدث ويتحدث ويفصل ويشرح ويستدل ويعدد ويحلل ويفسر، كان السادات متماسكا منهمكا بغليونه ومستغرقا في تأملات بعيدة عن مدارات القذافي وفضاءاته رغم طبقات الدخان التي تلتف حول وجهه الصعيدي ولفيف من الحاضرين الذين ابتلاهم الله بالحضور. استهل القذافي كلامه بوابل من الشعارات الصلبة ثم انغمس بالعجن والبل وتوسع في السرد والتسبيب والتعليل وقص واقتص من التاريخ صفحات واستعان بالجغرافيا وولعه المعهود بالفتوحات وابطال التاريخ والتمددوالنفوذ، ثم غاص في الجدل والسفسطة حتى الضياع وخاض فيها كعادته لينتج ملاحم من الفرضيات والحتميات التي لا يتفق عليها الا مجنونان. بدا واضحا ان ما طرحه قد استحوذ على قدر كبير من القهر الجمعي وتجسد ذلك في ملامح الفتور والنفور وتململ الحاضرين وامتعاضهم بل ان البعض منهم ارتسمت عليهم تعابير القرف والاشمئزاز مما يلقيه القذافي من هراء لا يُطاق. بعد مضي الساعات الثقيلة وصل الامر منتهاه فبادر البعض من الحضور بمغامرة لإنقاذ أنفسهم مما هم فيه ولإنهاء المعاناة الذهنية المحيطة بهم، فطلبوا التعليق والتداخل بالراي فيما طرح وكان ان لاحظ السادات ان السادة النخبويين قد تمادوا في الرد والنقد والتفنيد ومحاججة علامة العصر القذافي حد افحامه بل والسخرية منه فما كان من السادات بذكائه السياسي وباريحتيه المصرية الا ان تدخل فورا ليوجه بسطر واحد كلمته للحضور لخص فيها ما حدث وما ينبغي ان يحدث وان على النخبة الحاضرة ان تعي ان هذا القذافي لا يناقش بل يترك حتى ينتهي ثم لنغادر كل الى مكانه بعقله السليم ومن دون ان يتعالق مع هذا الكلام فيخسر وقته فيما لا يرد عليه فقال التالي: "يا جماعة الراجل بيتكلم سيبوه، أرجوكم سيبوه هو بيتكلم".
والشاهد هنا ان هناك من لا يرد عليه وان اوجب الحال والظرف الاستماع اليه وليس كل ما يقال يستحق الرد او التعليق بل من الأفضل تركه كحديث عابر لا اثر ولا قيمة. سيبوه وسيبوهم يتكلموا، لكن الأفعال هي ما ستعطينا قراءة لما يقولون وكثيرون هذه الأيام يقولون ما لا يفعلون او سيفعلون... سيبوه بيتكلم وبالليبي دعونا نقول هناك كثر يتكلمون الان عبر الشاشات وفي وسائل الاعلام عن الوطن والوثيقة والاتفاق والمسودة والمجلس والحكومة وليون والوطن والمواطن والثوابت والمسار والانحراف والخيانة ولكنهم حقيقة يتكلمون فدعوهم يتكلمون ويتكلمون لانه كلام للاستهلاك والفيسبوك. وكلامهم الحقيقي ليس هذا بل عادة ما يكون عكسه تماما فدعوهم يتكلمون. سواء كانوا نوابيون ام مؤتمريين.
* صورة للشعب.
صالح سالم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق