العرب اللندنية: ماذا يدور داخل عقل الشخص الأجنبي الذي يعتنق الإسلام ثم يلتحق بإحدى الجماعات الإرهابية التي تعلن انتماءها إلى هذا الدين؟ ذلك هو السؤال الذي لا يتعرض له الكثيرون من الباحثين الغربيين، عندما يصطدمون بحالات مثل هذه، بالنظر إلى قلة الإلمام بالإشكالات الدينية داخل الإسلام نفسه، وبالانقسامات الأفقية الحاصلة فيه. أعدت طرح هذا السؤال على نفسي وأنا أقرأ ما ورد في كتاب الدانماركي مورتن ستورم "حياتي داخل تنظيم القاعدة: مسيرة جهادي دانماركي جندته الاستخبارات المركزية الأميركية"، الذي أعده الصحافيان الأميركيان بول كروكشانك وتيم ليستر، وظهرت ترجمته الأسبانية قبل أيام.
ذكرتني حالة ستورم بحالة الفرنسي روبير ريشار، الذي انضم إلى تنظيم القاعدة وانخرط في جماعة متطرفة واعتقل بالمغرب عام 2003، على خلفية تفجيرات الدار البيضاء في السادس عشر من مايو من تلك السنة. كلاهما عاش طفولة بائسة وظروفا عائلية صعبة، وكلاهما اعتنق الإسلام على يد مسلمين مهاجرين ينتمون إلى جماعات سلفية متشددة، وكلاهما ـ وتلك مفارقة ـ تزوج مغربية. وهناك عناصر مشتركة أخرى بينهما، فالدانماركي من مواليد 1976، بينما الفرنسي من مواليد 1972، أي أنهما ينتميان إلى نفس الجيل، لكن الغريب أن كليهما اعتنق الإسلام في نفس العام، وهو 1997، أما القاسم المشترك الآخر، والأكثر غرابة، فهو أن الإثنين قررا الرجوع عن الإسلام، بعد المرور بتجربة اعتناق التطرف الديني.
خلال دراستي لحالة الفرنسي ريشار والاستماع إليه في حوارات مطولة، أثناء إعداد الكتاب الذي أصدرته عام 2009 تحت عنوان"سلفي فرنسي في المغرب"، فهمت جانبا من الطريقة التي يفكر بها الغربيون عندما يعتنقون الإسلام من بوابة الفكر التكفيري، والسهولة التي يمكن بها التخلي عن الإسلام بعد ذلك. فهم يتعرفون على الإسلام من خلال أشخاص ينتمون سلفا إلى الجماعات المتطرفة، ممن يكون هدفهم استقطاب أشخاص غربيين إلى تلك الجماعات وليس إلى الدين، لكنهم يقدمون إليهم ذلك الفكر التكفيري على أساس أنه هو الإسلام، فيحصل لدى الشخص اعتقاد بأنه أسلم بمجرد حصول الانتماء إلى جماعة تكفيرية.
وبالطبع فإن الفرد الأجنبي الذي يعتنق الإسلام من هذه البوابة، لا تتاح له الفرصة للاطلاع على الإسلام في أبعاده الكلية، الحقيقية منها وغير الحقيقية، أي المذاهب الفقهية المعروفة، والتيارات السياسية الراديكالية، التي تقتنص من تلك المذاهب ما يساير مخططاتها المتطرفة. إنه يأخذ ما يُقدم إليه من الأفكار الجاهزة المعدة سلفا على أنها الترجمة الحرفية الأمينة للإسلام، ومن ثم يسهل على من يستقطبونه أن يصوروا له بأن العالم كله في ضلال، طالما أن الناس ليست على ذلك المذهب أو الاتجاه الذي يؤمنون به، فهم يصورون لهؤلاء الغربيين الوافدين بأن كل شيء مباح خارج الدائرة الأيديولوجية التي يوجدون فيها، وعلى سبيل المثال، يروي ستورم في كتابه كيف أن أنور العولقي، الذي كان مسؤولا في تنظيم القاعدة في اليمن وقتل عام 2011 ـ ولعب ستورم نفسه دورا في تحديد مكانه لاستهدافه بطائرة من غير طيار حسب شهادته ـ طلب منه أثناء لقائه في اليمن البحث له عن فتاة "شقراء"، وإيجاد طريقة للحصول على الأموال من أوروبا، وكان ذلك كافيا لكي يقتنع الشاب الدانماركي في الأخير بأن الأمر يتعلق بشبكة إجرامية وليس بجماعة ذات مبادئ نابعة من الدين.
يزعم الدانماركي ستورم بأن الأفراد الذين ينتمون إلى تنظيم داعش لديهم "قناعات قوية" يقاتلون من أجلها، ويعتبر ذلك واحدا من الأسباب التي تجعل من الصعب على الغرب القضاء عليه في سوريا والعراق. بيد أن ستورم يقارن تلك "القناعات القوية" لدى مقاتلي التنظيم بغيابها لدى الغربيين، إذ يرى أن هؤلاء يفتقرون إلى تلك القناعات القوية. وبطبيعة الحال فإن سبب هذا الخلط يرجع إلى كونه يجهل القناعات الأخرى الموجودة لدى المسلمين، ولا يعرف كيف يقيم المقارنة سوى مع الغربيين الذين عاش بينهم ويعرفهم عن قرب، بينما لا يستطيع إقامة تلك المقارنة مع المسلمين المنتشرين في العالم والذين يشكلون الغالبية العظمى الممثلة للإسلام.
في الكتب الإسلامية القديمة، وفي كتب السير بوجه خاص، هناك عبارة شائعة كانت تدور على ألسنة المؤلفين وأصحاب التراجم، عندما يخوضون في سير من أسلموا، وتلك العبارة هي"وحَسُن إسلامه" ذلك أنهم كانوا يزنون إسلام الشخص بناء على معتقداته وأفعاله التي تصدر عنه بعد إعلان إسلامه، وليس انطلاقا من أقواله. ومن هذا المنطلق يمكننا القول بأن الكثيرين من الغربيين الذين ينتمون إلى الجماعات التكفيرية القتالية لا علاقة لهم بالإسلام، كما يتم الزعم في مختلف المنابر والقنوات الأوروبية، لأن في هذا تشويها للإسلام من طرف خصومه الذين يجدون في الجماعات المتطرفة ما يبرر لهم مقولاتهم، وإنما هم أشخاص غُرر بهم وتعرضوا لغسيل دماغ من طرف أشخاص لديهم أيديولوجيا معينة، وليسوا ممن أسلموا "وحسن إسلامهم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق