العرب اللندنية: أعادت هجمات على مقرات ومواقع بمدينة عدن اليمنية، حيث تتّخذ حكومة خالد بحاح مقرا مؤقتا لإدارة شؤون البلد، وتبنّاها تنظيم داعش، إلى الأذهان السيناريو الذي كان نفذه التنظيم بشكل مفاجئ في العراق صيف سنة 2014 بغزوه مناطق شاسعة في البلاد واحتلالها. وبهذه العملية يكون التنظيم الناشط على نطاق واسع في سوريا والعراق قد اجتاز مرحلة مهمة في عملياته باليمن. وقال جان بيار فيليو الخبير في شؤون الإسلام المعاصر والأستاذ في معهد الشؤون الدولية في باريس إنّ داعش يحاول توسيع مجاله في اليمن عبر فرض نفسه كخصم للتحالف الذي يقاتل منذ مارس الماضي المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. ويستند مراقبون تطرّقوا إلى أوجه الشبه بين ما حدث في العراق منذ أكثر من سنة وما حدث باليمن مطلع هذا الأسبوع، في مقارنتهم بين الحالتين على توفر عوامل وظروف في اليمن شبيهة بتلك التي استغلها في سيطرته على أجزاء من العراق. ولخّص بعضهم أهم تلك العوامل في ارتفاع وتيرة الشحن الطائفي الذي يمثّل لداعش وغيره من التنظيمات الجهادية أرضية خصبة للحركة والنشاط.
ومثلما قادت سياسات الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سنة 2003 إلى سيطرة الساسة الشيعة الموالين لإيران على دواليب الدولة وأهم مواقع القرار مقابل تهميش أبناء الطائفة السنية، ما خلق حالة مستشرية من العداء الطائفي، فقد رهن غزو جماعة الحوثي للمناطق اليمنية دواليب الدولة بين يدي الجماعة الشيعية الزيدية الموالية بدورها لطهران. وخلق هذا الوضع بيئة مناسبة لتنظيمي القاعدة وداعش لتصيّد أنصار لهما بين أبناء القبائل السنية الرافضة للدخول تحت إمرة الحوثيين، واستخدم التنظيمان بشكل واضح في خطاباتهما العامل الطائفي والتحريض ضدّ من يسمّون في تلك الخطابات بـ"الرافضة" و"الصفويين". ويحذّر مختصون في شؤون الجماعات المتشدّدة من أنّ التنظيم تمكّن فعلا من تحقيق بعض النجاح في استقطاب أتباع جدد له في اليمن. وثاني العوامل التي تشرّع المقارنة بين الوضعين العراقي واليمني وجود خيانات وتواطؤ داخلي مع تنظيم داعش يسهّلان عليه غزو المناطق واكتساحها.
وكانت أصابع الاتهام توجّهت إلى بعض الأطراف المحلية، خصوصا في محافظة نينوى العراقية، بالتواطؤ مع داعش وتسهيل سيطرته على مركز المحافظة، الموصل ثاني أكبر المدن العراقية بعد بغداد، وتمدده من ثم إلى مناطق أخرى. كما لم تسلم القوات المسلّحة العراقية من شكوك بشأن خيانات اخترقتها من الداخل وجعلتها تنهار بشكل غريب أمام عناصر تنظيم داعش التي تقلّ عن القوات العراقية في العدد والعتاد. وفي اليمن توجّهت الشكوك بشكل متزايد إلى جماعة الحوثي وحليفها علي عبدالله صالح بشأن تواطئهما مع متشددين وتسهيل سيطرتهم على جيوب بجنوب اليمن واتخاذها منطلقا لمهاجمة السلطات الشرعية التي تحاول تركيز قدمها في عدن. ويمتلك الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح المتحالف مع الحوثيين رصيدا في استخدام تنظيم القاعدة في صراعاته السياسية. فحين اشتدّت الاحتجاجات ضدّه وأيقن من مغادرة الحكم غض الطرف عن أنشطة القاعدة في محافظة البيضاء وسمح للتنظيم بتأسيس "إمارة إسلامية" له هناك ليمرّر رسالة إلى المجتمع الدولي بأنّ القاعدة هي البديل عن حكمه. وقال ماتيو غيدير الخبير في شؤون الشرق الأوسط وأستاذ العلوم الإسلامية في جامعة تولوز بفرنسا "في الواقع هذه الهجمات تنسب إلى عناصر قبلية من داعش لديها ارتباطات سابقة مع معسكر صالح"، معتبرا ان الرئيس اليمني السابق "أعاد تنشيط علاقاته السابقة مع هذه العناصر لتوجيه جهود التحالف إلى مكافحة الإرهاب وتخفيف الضغط العسكري عن معسكره". وأضاف "إذا سقط السعوديون بعد هذه الهجمات في الفخ وغيروا الأولوية باستهدافهم داعش، فإن معسكر صالح والحوثيين يكونون قد كسبوا وقتا لالتقاط أنفاسهم". ومن أوجه الشبه بين الوضعين العراقي واليمني والتي تجعل داعش يطمع في السيطرة ومدّ نفوذه، انهيار القوات المسلّحة وانغماسها في الصراعات الداخلية والولاءات الشخصية، حيث سخّر علي عبدالله صالح قسما هاما من القوات المسلّحة اليمنية لخدمة الحوثيين وسيطرتهم على مناطق البلاد.
أما القسم الموالي لحزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين فكان قد تلقّى هزيمة مدوية على يد الحوثيين في محافظة عمران بشمال البلاد صيف سنة 2014. وقد فتحت تلك الهزيمة أبواب صنعاء أمام الحوثيين. ويُخشى أن تكون عناصر من تلك القوات قد انحازت لداعش على سبيل النقمة على الحوثيين ووضعت ما تمتلك من خبرة ومن أسرار عسكرية بين يدي التنظيم المتشدّد، على غرار انضمام أعداد محدودة من ضباط الجيش العراقي السابق الذي تمّ حلّه سنة 2003 على يد الاحتلال الأميركي للقاعدة ثم لداعش رغبة في إيجاد منصّة لمواجهة الحكومة الطائفية التي مارست الإقصاء ضدّهم واضطهدتهم وضيقت عليهم أبواب الرزق. ورغم ما بين الوضعين في العراق واليمن من تشابه يدفع تنظيم داعش لمحاولة استعادة السيناريو العراقي في اليمن، إلاّ أن هناك فارقا جوهريا يصعّب مهمة التنظيم، يتمثّل في قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والذي أثبت فاعلية في ملء الفراغ الذي تركته القوات المسلّحة اليمنية، بل في إعادة بناء قوات مسلّحة جديدة على أسس الولاء للدولة بدل الأشخاص والأحزاب. ولا يبدو التحالف العربي بوارد إهمال خطر التنظيمات المتشدّدة في اليمن حيث من المنتظر أن يفتح المواجهة ضدّها في اللحظة المناسبة، كما ينتظر أن يكون أكثر فاعلية من التحالف الدولي الستيني الذي تقوده الولايات المتحدة ويواجه تنظيم داعش في العراق وسوريا بضربات جوية، إلا أن الحسابات السياسية ومصالح الدول الكبرى لا تبدو غائبة عن نشاطه هناك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق