وكالات: يبدو أن التعزيزات العسكرية الروسية في سوريا أرغمت الرئيس الأميركي باراك أوباما على استخلاص أمرين لا يستسيغ أيا منهما: الأول أن ليس باستطاعته أن يتجاهل موسكو والثاني أن الرئيس السوري بشار الأسد قد يبقى في موقعة في الوقت الراهن. فقد وافق البرلمان الروسي بالإجماع الأربعاء على منح الرئيس فلاديمير بوتين الحق في نشر الجيش في سوريا وذلك في خطوة قال كبير موظفي الكرملين إنها تشير فحسب إلى القوة الجوية. وصوت اعضاء مجلس الاتحاد الروسين والبالغ عددهم 162، بالاجماع لصالح طلب الكرملين السماح باستخدام قوة عسكرية في الخارج. وضمن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعا مع أوباما الاثنين لأسباب على رأسها تحركه المفاجيء بنقل طائرات ودبابات إلى سوريا وذلك بعد أن ظل يعاني من العزلة في أعقاب قيامه بضم شبه جزيرة القرم ودعمه للانفصاليين في شرق أوكرانيا. وقال الجانبان إنهما يبحثان عن سبل للعمل معا من أجل وضع نهاية للحرب الأهلية السورية. وقال مسؤول أميركي إنهما اتفقا على التنسيق فيما بين الجيشين الأميركي والروسي لمنع حدوث اشتباك غير مقصود بين القوات الروسية وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا.
وقال مسؤول أميركي لرويترز إن الولايات المتحدة تعتقد أن روسيا أرسلت أربع قاذفات مقاتلة من طراز سوخوي سو-34 (فولباك) في أحدث عملية نشر لطائراتها إلى قاعدة قرب المنشأة البحرية الروسية في طرطوس على الساحل السوري على البحر المتوسط. ولأن موسكو داعم رئيسي للاسد وتحرص على الاحتفاظ بموطيء قدم لها في الشرق الأوسط فقد قال محللون إن التعزيزات الروسية ربما ترغم واشنطن على التخلي عن هدف رحيل الأسد على الأقل بصفة مؤقتة. وكما قال فيل جوردون المنسق السابق لسياسات الشرق الأوسط للرئيس أوباما إنه ربما يحتاج البيت الأبيض لاستكشاف سبل وقف نزيف الدم والتخفيف من المعاناة البشرية وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بكبريائه فيما يتعلق بمسألة رحيل الأسد. وسقط في الحرب السورية ما لا يقل عن ربع مليون قتيل وشردت الحرب الملايين وكانت سببا في صعود تنظيم الدولة الاسلامية الذي استغل فراغ السلطة واستولى على مساحات كبيرة من الارض في سوريا والعراق.
ويوم الجمعة كتب جوردون الذي عمل في البيت الأبيض حتى ابريل نيسان الماضي في مجلة بوليتيكو يقول "المطلوب عملية دبلوماسية جديدة تجمع كل الاطراف الخارجية الرئيسية على المائدة والاتفاق على حل وسط ... لتهدئة الصراع حتى إذا كان ذلك يعني إرجاء الاتفاق على مسألة الأسد". ورغم الموقف الأميركي المعلن أن الأسد فقد شرعية قيادة سوريا وأن عليه الرحيل فإن المسؤولبن يقولون منذ فترة طويلة إنهم لا يرون سياسة ترجح تحقيق هذا الهدف بثمن مقبول. ونتيجة لذلك تعايش المسؤولون الأميركيون ضمنا مع بقاء الأسد في السلطة على مر الشهور وأوضحوا بجلاء أن همهم الأساسي هو محاربة تنظيم الدولة الاسلامية لا إبعاد الرئيس السوري عن السلطة. فبعد إنجاز مهمة التفاوض على الصفقة النووية مع ايران في 14 يوليو أمضى وزير الخارجية الأميركي جون كيري جانبا كبيرا من الأسبوع الذي قضاه في الجمعية العامة للامم المتحدة باحثا عن مسار سياسي جديد في الشأن السوري وتجميع "مجموعة اتصال" جديدة بعد أن منيت جهود بلاده بفشل دبلوماسي أكثر من مرة في سوريا. ومن المرجح أن تشمل هذه المجموعة بريطانيا وألمانيا وفرنسا وعددا من الأطراف الرئيسية في الشرق الأوسط من بينها السعودية وقطر وتركيا التي أيدت الانتفاضة على الأسد والحملة على الدولة الاسلامية. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للصحفيين إنه يتوقع دعما عسكريا أكبر للمعارضة التي تقاتل الأسد لكنه امتنع عن ذكر ما قد تفعله بلاده وإنه ليس من المتصور بقاء الأسد في ظل أي اتفاق سياسي.
وقال مسؤولون غربيون إن أحد الخيارات الأخرى التي يجري بحثها تكوين مجموعة على غرار مجموعة خمسة زائد واحد التي خاضت المحادثات النووية مع ايران وكانت تضم بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة. ويسلم كيري بأن جمع كل الأطراف سيكون صعبا دون الاتفاق على مستقبل الأسد من البداية. وقال كيري لبرنامج "مورننج جو" على قناة إم.إس.إن.بي.سي "حتى إذا أراد الرئيس أوباما التظاهر بالتعاون ... فهناك 65 مليون سني (من العرب) فيما بين بغداد وحدود تركيا وسوريا والعراق لن يقبلوا ابدا مرة أخرى أن يكون الأسد قائدا له مشروعيته." وأضاف "يجب أن يفهم الروس أنك لا تستطيع تحقيق السلام ما لم تحل مسألة موافقة السنة." وقال محللون متخصصون في السياسات الخارجية إن أفضل حل ربما يكون في ترك مسألة مستقبل الأسد لما بعد. وقال ماثيو روجانسكي من مركز ويلسون في واشنطن للابحاث "إذا كان رحيل الأسد وهزيمة تنظيم الدولة الاسلامية والمستقبل السلمي لسوريا هو النتيجة المرغوبة في النهاية فلا تحاول أن تحقق كل ذلك دفعة واحدة. فهذا يمكن أن يكون المرحلة الثانية وذاك المرحلة الخامسة". وقال روجانسكي الخبير في علاقات الولايات المتحدة مع روسيا إن المرحلة الأولى قد تتمثل في العمل في المجال الذي تتفق فيه واشنطن وموسكو وهو هزيمة الدولة الاسلامية حتى إذا كان ذلك معناه تقوية مركز الأسد هامشيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق