وكالات: ينطلق، اليوم الأربعاء، الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وسط توقعات بعودة حراك "طلعت ريحتكم" مجددا بالتزامن مع الحدث. ووافقت معظم القوى السياسية اللبنانية الممثلة في البرلمان على تلبية دعوة بري، باستثناء بعض الأطراف التي رأت أنه لا أفق لنجاح هذا الحوار، على غرار حزب القوات الذي يتزعمه سمير جعجع. وقال أمس الثلاثاء، القيادي في الحزب أنطوان زهرا، إن "القوات ليست متفائلة بجدوى الحوار انطلاقا من التجارب الحوارية السابقة، ولهذا كان القرار بعدم المشاركة". ويرى محللون سياسيون أن موقف القوات من هذا الحوار ليس بالغريب، وكان متوقعا، لإدراكه بأن لا تغير في المواقف حيال أزمة الرئاسة التي تصدرت بنود المبادرة، وبالتالي هذه المشاركة لا فائدة ترجى منها. ويحرص جعجع رغم وجوده ضمن فريق 14 آذار على اتخاذ موقف متمايز نوعا ما عن الجميع، وهو ما ظهر جليا أيضا من خلال مقاطعته المشاركة في حكومة تمام سلام (مع حرصه على دعمها). هذه النظرة التشاؤمية للقوات من الحوار تسجل أيضا لدى معظم القوى حتى المشاركة منها، وأيضا لدى المتابعين للشأن اللبناني في ظل تمترس الجميع خلف مواقفهم.
ففريق 14 آذار الذي ينضوي ضمنه حزب القوات لا يزال يعتبر أن الحل الوحيد لخروج لبنان من أزمته المعقدة هو بفك عقدة الرئاسة عبر العودة إلى الدستور ونزول جميع النواب وانتخاب رئيس. بالمقابل يستمر رئيس تكتل الإصلاح والتغيير على نفس مواقفه السابقة والتي تقول إما السير في انتخاب رئيس للبنان مباشرة من الشعب وهذا يعني تعديل الدستور، أو سن قانون انتخابي جديد يتم بموجبه إجراء انتخابات نيابية تفرز رئيسا جديدا للبلاد، وهذا ينطوي على تعد جديد على الدستور باعتبار أن إقرار القانون لا يمكن أن يكون بدون مشاركة رئيس الجمهورية. وكانت المسيرة التي خرج بها التيار الوطني الحر منذ أيام، تأكيدا جديدا على أنه لا تحول في مواقفه، في رسالة موجهة إلى حوار اليوم. أما فيما يتعلق بحزب الله والذي يتحمل الجانب الكبير من التعطيل في ملف الرئاسة، وفق المحللين، فما يزال ينتظر الضوء الأخضر الإيراني، وقد بدا ذلك واضحا وجليا خلال الجولة الأخيرة من حواره مع المستقبل حين أخبر وفد الأخير أن لا حديث عن الرئاسة قبل حوار إيراني سعودي يمهد الطريق لذلك.
وتؤكد تصريحات نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أمس الثلاثاء، هذا الموقف حين قال "نعتقد إن توفرت الإرادة الجدية عند المتحاورين، فإننا نستطيع أن نقدم بعض الإنجازات من خلال هذا الحوار، فيمكن أن ننجز دعم الجيش والقوى الأمنية، كما يمكن أن نفعِّل عمل المجلس النيابي، يمكن أن نعالج العقبات التي أعاقت عمل الحكومة في المرحلة السابقة، مع تقريب المسافات في مسألة رئاسة الجمهورية". تصريحات نعيم قاسم تكشف بلا مواربة أن الحزب لم يقبل المشاركة في هذا الحوار على قاعدة الالتقاء على بند التفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية، وإنما هي محاولة منه فقط للظهور بمظهر الراغب في الحوار دون تقديم أي تنازلات، كحال حواره الثنائي مع تيار المستقبل. وقد بدا نبيه بري نفسه غير مؤمن كثير بمبادرته، لإدراكه العميق بأن ملف الرئاسة خصوصا في ظل الوضع المحلي والإقليمي القائم غير قابل للحل. وقال بري مؤخرا "إن موضوع رئاسة الجمهورية سيكون البند الأول للبحث على طاولة الحوار، وإذا لم نتّفق عليه ننتقِل إلى بند آخر، ومن يعلم ربما نتّفق على قانون انتخاب ونحقق من خلاله اختراقاً". هذه التصريحات لبري قابلها فريق 14 آذار وبخاصة المستقبل بالاستنكار، لأن بالنسبة إليهم الهدف الرئيسي هو موضوع الرئاسة، وفشل التوصل إلى حل للأمر يجعل من الحوار عبثيا.
وقال النائب زياد القادري إن "موضوع الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري هو حديث اليوم، ونحن في تيار المستقبل ثقافتنا الحوار، ولكن لهذا الحوار أسبابا للنجاح"، مضيفا "إن مفتاح حل كل الأزمات هو البند الأول الذي يجب أن نبدأ به، والذي يقول انتخاب رئيس للجمهورية الآن وفوراً"، لافتا إلى أنه "ضد أي تمييع في هذا الموضوع". من جانبه اعتبر وزير العمل سجعان قزي أن "البند الرئيس لطاولة الحوار هو انتخاب رئيس للجمهورية، لا قانون انتخاب نيابي ولا جوازات سفر ولا هويات للمغتربين"، فجميعها تحتاج لرئيس. ورغم جو التشاؤم الذي يغلف هذا الحوار يصر البعض على إبداء تفاؤلهم على غرار وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي قال في افتتاح مؤتمر "الأمن في الشرق الأوسط"، إننا "ننظر بايجابية إلى الحوار بين الأحزاب اللبنانية، ومن بينها حوار حزب الله – المستقبل" والحوار الذي دعا إليه الرئيس بري". ويحظى الحوار الذي دعا إليه نبيه بري بغطاء إقليمي ودولي رغم إدراك الجميع بأن نسبة نجاحه شبه معدومة، وأن الهدف منه ليس إلا تهدئة الاحتقان الحاصل في لبنان.
وسجل في الفترة الأخيرة تحرك لبعض الأطراف الدولية وفي مقدمتها فرنسا للمساهمة في حل المعضلة اللبنانية، وأيضا لتأكيد نفوذها هناك، خاصة وأن هناك تخوفات فرنسية من تحوله إلى جهات أخرى. وقد أعلن الرئيس فرنسوا هولاند أنه سيزور لبنان قريبا، إلا أن ذلك سيسبقه زيارات لمسؤولين فرنسيين إلى كل من إيران والمملكة العربية السعودية في محاولة جديدة لإيجاد ثغرة في ملف الرئاسة. وحرص هولاند أمس، في افتتاحه مؤتمرا عن "ضحايا أعمال العنف الإثني والديني في الشرق الأوسط" بباريس، على التأكيد على ضرورة دعم لبنان قائلا "لبنان يتعرض لخضات واضطرابات، ويجب أن ندعمه ونقدم إليه مساعدات مالية أيضا وهذا ما سيجري في الاجتماع المرتقب على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق