وكالات: أثارت زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى الصين ولقاؤه بنظيره شي جينبينغ، اهتمام الخبراء والمحللين السياسيين بالنظر لتوقيتها اللافت، الذي جاء بعد أيام قليلة من زيارة وفد أميركي للسودان. وكان وفد أميركي بقيادة مبعوث أوباما للسودان وجنوب السودان دونالد بوث قد زار الأسبوع الماضي الخرطوم واجتمع بمسؤولين سودانيين كبار في "غرف مغلقة" لم يرشح منها إلا نزر قليل من المعطيات. ومن بين المعطيات الواردة عن هذا الاجتماع التطرق بشكل معمق إلى الأزمة الداخلية السودانية حيث طالب الوفد الأميركي، النظام بضرورة الدخول في مفاوضات جدية مع المعارضة وتحديد سقف زمني لحل الصراع السياسي والعسكري الذي تشهده البلاد. وحدد بوث للمسؤولين السودانيين جملة من النقاط أهمها وقف الآلة العسكرية في كل من النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، وإقامة حوار وطني جدي تنبثق عنه حكومة وحدة وطنية جامعة، في مقابل فتح الباب أمام امكانية تطبيع العلاقات الأميركية السودانية.
ويبدو أن الشروط الأميركية والتي تتقاطع مع رغبة المعارضة السودانية بشقيها العسكري والسياسي لا تلقى صدى لدى النظام. فقد سارع المسؤولون وعلى رأسهم الرئيس عمر البشير إلى التأكيد على عدم وجود أي تغيير على مستوى الشروط التي يضعونها وترفضها المعارضة فيما يتعلق بالحوار، ومنها أن "لا حوار خارج السودان"، كما أنه لن يسمح بالتدخل الأجنبي به، في كلام مبطن موجه للإدارة الأميركية. ويعتقد النظام أن بناء شراكة سياسية حقيقية مع قوى المعارضة المختلفة تعني ذهاب حكم الإسلاميين، وهو خط أحمر لا يمكن بأي حال تجاوزه، وفق تصوره. وقال أمين أمانة أوروبا والأميركيتين بحزب المؤتمر الوطني الحاكم أسامة فيصل إن المفاوضات مع الوفد الأميركي لم تكن سهلة مبررا ذلك بالقول إن "القضية بين الخرطوم وواشنطن بشأن توتر العلاقات لا يمكن أن تحل في اجتماع واحد". وقد اعتبر مراقبون سودانيون أن استمرار تشبث النظام بشروطه للحوار وتصريحات مسؤوليه بشأن زيارة الوفد الأميركي تكشف عن استمرار جدار الجليد بين الخرطوم وواشنطن. ومن هذا المنطلق وإدراكا من البشير بأن الطريق إلى التطبيع مع الولايات المتحدة شائك وطويل، يؤمن الأخير بأهمية الإبقاء على متانة العلاقات مع الحلفاء الاستراتيجيين وعلى رأسهم الصين وروسيا. وتأتي زيارة الرئيس السوداني إلى بيكين متحديا مذكرة جلب صادرة بحقه عن محكمة الجنايات الدولية، تأكيدا لهذه القراءة.
واستقبل الرئيس الصيني شي جينبينغ الثلاثاء البشير واصفا الأخير بـ"صديق قديم للشعب الصيني". والبشير ضمن رؤساء الدول الأجانب الذين سيحضرون العرض العسكري الضخم الذي تنظمه الصين الخميس في الذكرى السبعين لاستسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية رغم أن العديد من القادة الغربيين يقاطعون هذا الحدث. والرئيس السوداني مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في إقليم دارفور غرب السودان. وقال جينبينغ بعد مصافحته البشير الذي وصل برفقة وفد من المسؤولين الحكوميين "أنت صديق قديم للشعب الصيني"، مشددا على أن الصين لطالما كانت أكبر شريك تجاري واكبر مستثمر في السودان. وأضاف الرئيس الصيني إن "الصين والسودان مثل شقيقين هما أيضا شريكان وصديقان" متوجها إلى البشير بالقول إن"مجيئك إلى الصين يثبت مدى قوة شراكتنا".
وتابع أن "الصين تمد يد الصداقة التقليدية إليك وسندفع هذه الصداقة قدما وستواصل تطورها". من جهته عبر البشير للرئيس الصيني عن شكره لدعوته إلى الزيارة، قائلا "بالنسبة للسودان والصين، التعاون في السياسة والاقتصاد والثقافة وعدة مجالات اخرى أعطى نتائج جيدة". ووقعت الصين والسودان الثلاثاء اتفاقيتين، احداهما بيان مشترك حول بناء شراكة استراتيجية وقعه البشير وجينبينغ والثانية تشمل التعاون في مجال تكنولوجيا رحلات الفضاء. وتوصف العلاقات الصينية السودانية بالممتازة، وقد عملت الخرطوم منذ بداية التسعينات على دعمها وتعزيزها من خلال فتح أبوابها على مصراعيها أمام الاستثمارات الصينية، وقد كان ذلك أحد الاسباب الرئيسة في توتر العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. وأثارت زيارة البشير إلى الصين ردود فعل غاضبة من قبل الإدارة الأميركية. وقال مساعد المتحدث باسم الخارجية الاميركية مارك تونر إن الولايات المتحدة "قلقة" من هذه الزيارة، مذكرا بأن البشير "ملاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وابادة، ومذكرات التوقيف الصادرة بحقه لا تزال سارية". وأكد المتحدث الاميركي ان الولايات المتحدة، رغم أنها ليست طرفا موقعا على معاهدة روما التي انشئت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، فإنها "تدعم بقوة الجهود التي تبذلها المحكمة لمحاسبة مرتكبي هذه الافعال" أمام القضاء.
وفي رد منها على الموقف الأميركي قالت المتحدثة باسم الوزارة هوا شونينغ في تصريح صحافي إن "الصين ليست موقعة على معاهدة روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية". وأضافت "إن الشعوب الافريقية وبينها شعب السودان قدموا مساهمات كبرى خلال الحرب العالمية ضد الفاشية" مستخدمة تعبير الحكومة الصينية للحرب العالمية الثانية. ويتوقع أن يجري الرئيس السوداني خلال هذه الزيارة لقاءات مع قادة دول وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تربطه كذلك علاقات قوية مع الخرطوم. يأتي ذلك وسط معطيات شبه مؤكدة عن زيارة سيجريها إبراهيم الغندور، وزير الخارجية السوداني في اليومين القادمين إلى موسكو، في تطور جديد آخر يعكس استمرار النظام السوداني ضمن الدائرة الصينية الروسية، بعد أن فقد الأمل على الاقل في الظرف الراهن بتليين الموقف الأميركي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق