دويتشه فيله: قررت مدينة أوسنابروك منح الشاعر السوري أدونيس جائزة إريش-ماريا-ريماك للسلام لهذا العام، لكن القرار أثار جدلاً كبيراً، لعدم قيام أدونيس بانتقاد سياسة نظام بشار الأسد. يكتب الشاعر السوري أدونيس في ديوانه "أغاني مهيار الدمشقي" قائلاً:
ضيع خيط الأشياء وانطفأت
نجمة إحساسه وما عثر
حتى إذا صار خطوهُ حجر
وقورت وجنتاه من ملل
جمع أشلاءه على مهل
جمعها للحياة، وانتثر
نجمة إحساسه وما عثر
حتى إذا صار خطوهُ حجر
وقورت وجنتاه من ملل
جمع أشلاءه على مهل
جمعها للحياة، وانتثر
أدبياً، ساهم الشاعر السوري علي أحمد سعيد إسبر المعروف باسمه المستعار أدونيس بدور ريادي في تشكيل المشهد الشعري ليس في سوريا وحدها، بل وفي العالم العربي أجمع. وبأسلوبه الخاص وصف الاضطرابات الثقافية والسياسية العميقة، التي اعترت المنطقة منذ قرابة مائتي عام، أي منذ الاستعمار الأوروبي للمنطقة وعالجه في قصائده. بكتاباته أصبح أدونيس نموذجاً للمثقف العربي الحداثوي المرغوب في الغرب. ومن وجهة نظر الأوروبيين بات يمثل الأمل الكامن في أن تتمكن المنطقة من أن تتحرر يوماً ما من كل فروض المعتقدات وتنفتح على ما يصفه الغرب جوهره الأساس: الالتزام بالعقل. ولوقت طويل اعتقد البعض أن أدونيس يجسد الحداثة الأدبية والسياسية على حد سواء، وهو ما أنعكس في الكثير من الجوائز التي مُنحت له في دول أوروبا، ومنها ألمانيا: ففي عام 2001 نال ميدالية غوته، وفي 2013 جائزة ﺑﺎﺗﺮﻳﺎرﻛﺎ، وفي عام 2011 نال جائزة غوته المهمة التي تمنحها مدينة فرانكفورت الألمانية.
تصريحات مثيرة للجدل واتهامات
ومنحه جائزة فرانكفورت لم يبعث على الكثير من السعادة فحسب، بل كان سبباً في الكثير من الانتقادات. فقد اعترض المنتقدون على منح جائزة لشاعر قد بدا أن عهده قد مضى على نحو مفاجئ، سياسياً على الأقل، ولم يتمكن من مواكبة الأحداث في بلده سوريا. وهنا يبدو السؤال مشروعاً عما إذا كان أدونيس قد فهم بشكل كاف انتفاضة السوريين على نظام بشار الأسد. في إحدى المقابلات أوضح أدونيس أن الرئيس بشار الأسد قادر على الإصلاحات، وذلك في الوقت الذي قتل فيه نظام بشار الأسد آلاف الأشخاص. وفي المقابلة ذاتها قال أدونيس إن أقل شيء يمكن للأسد فعله هو التنحي. لكن هذا التصور لم يقدم الكثير، فهل أصبح أدونيس مثل مهياره، الذي ضيع خيط الأشياء؟ وهل انطفأ نجم حساسيته السياسية على الأقل؟ لكن أدونيس لم يقم في السنوات اللاحقة بما ينفي عنه هذا الاعتقاد، وإنما على العكس من ذلك فقد خرج على الرأي العام بتصريحات أفقدته مصداقيته عند مواطنيه، إذ قال بُعيد انطلاق الحراك في سوريا إنه لا يمكن أن يقدر ثورة تخرج من المسجد، في إشارة قيام السوريين بتنظيم احتجاجاتهم في المساجد في البدء نظراً لقلة أماكن التجمعات، كما يرى بعض منتقديه. ومؤخراً نقلت صحيفة "السفير" اللبنانية عن أدونيس قوله إنه لا يتفهم أن البعض يطلق على السوريين "شعب الثورة" وقد هاجر عن سوريا نحو ثلث سكانها.
يوم أسود لسوريا
وزادت هذه الانتقادات الموجهة لأدونيس، ليس من مثقفين عرب فقط، حدة بعد أن قررت مدينة أوزنابروك أنها تعتزم منحه جائزة إريش-ماريا-ريماك. فقد اعتبرها مواطنوه السوريون "يوماً أسود"، كما يقول محرر DW أحمد حسو، الذي يقول إن أدونيس لم يبد أي تضامن مع مواطنيه حتى بعد خمسة أعوام من الحرب. ويوضح حسو أنه يقف مذهولاً أمام قيام أدونيس، الذي يقيم في باريس منذ عقود، بالسخرية في جريدة "السفير" من السوريين الهاربين من قنابل نظام الأسد وسيوف تنظيم "الدولة الإسلامية". "في الوقت الذي تستقبل فيه ألمانيا آلاف اللاجئين السوريين، تكرم أوسنابروك شاعراً، لم يقم بانتقاد الأسد إلا ما ندر". كما أثار منح الجائزة لأدونيس غضب نافيد كرماني الحائز على جائزة السلام لاتحاد الكتاب الألماني لهذا العام، لهذا السبب رفض الكاتب من أصل إيراني إلقاء كلمة تكريم لأدونيس في حفل تسليم الجائزة في أوسنابروك في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. ويقول كرماني في مقابلة مع صحيفة "كولنر شتات أنتسايغر" الألمانية" إنه على الرغم من تقديره لأعمال أدونيس الأدبية، لكنه ينتقد في الوقت ذاته تجاهله للوحشية التي يتعامل بها النظام في دمشق مع شعبه.
تبرير لجنة التحكيم
تبرير لجنة التحكيم
وفي ردها على هذه الانتقادات قالت إدارة مدينة أوسنابروك إن لجنة الحكام كانت على معرفة بإمكانية أن يثير قرارها منح أدونيس الجائزة الكثير من الجدل. وأضافت في بيان لها: "لكن تكريم أدونيس كان يهدف أيضاً إلى تسليط الضوء على إشكاليات النزاع السوري بشكل معمق وعلى إمكانيات حله، وقضية مسؤولية وتأثير دول أخرى فيه". عضو لجنة التحكيم وعمدة المدينة فولفغانغ غرايزرت قال من الأمور المهمة خلف قرار منح الجائزة هو تقديراً لدفاعه عن فصل الدين عن السياسة والمساواة بين المرأة والرجل في العالم العربي، ولتكريم نشاطه من أجل مجتمع متنور. وأضاف أن الشاعر يشير إلى هذه المسائل الأساسية فضلاً عن الصراعات الراهنة، وبذلك فإن عمله يلبي من جوانب عدة الهدف من منح جائزة السلام. تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 11 مليون سوري نزحوا عن سكناهم، كما سقط نحو 250 ألف شخص في الحرب الأهلية الدائرة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان على يد تنظيم "داعش" ونظام بشار الأسد، "وهو ما يجب على أدونيس كفائز بجائزة السلام أن يبدي رأيه فيه"، كما يقول حسو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق