حراك من أجل دستور عادل
انعقدت يوم الخميس 17 سبتمبر 2015 بقاعة مصرف التجارة والتنمية بمدينة بنغازي على الساعة ساعة الخامسة مساء ندوة بعنوان: الحراك التباوي: من أجل دستور عادل نظّمها مركز الدراسات التباوية. وقد حضر المناسبة العديد من نشطاء المجتمع المدني والكتّاب والباحثين الذين ألقوا وقدّموا أوراقهم البحثية ومداخلاتهم دعما لنشاط المركز بخصوص الاستحقاق الدستوري، ومن أجل دستور عادل. كما حضر أحد أعيان الطوارق ببنغازي وألقى كلمة استغرب فيها تجاهل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور لحقوق التبو والطوارق مع أنّهم استوطنوا هذه البقعة منذ الأزل وقبل أي مكوّن ليبي آخر.
الحراك ومشروعية دوافعه:
تُشير كل القوانين الطبيعية إلى أنّ أي حراك مهما كان نوعه يستند إلى قانون السبب والنتيجة أو سلسلة تُصبح فيها النتيجة سببا (أو دافعا ومحرّكا) لنتيجة أخرى. ومن هذا المنطلق يُمكن القول أنّ الحراك الذي تشهده ليبيا ليس حديثا بل يعود إلى ما قبل الثورة، حيث أدّت الإرهاصات الداخلية والإقليمية بمختلف أنواعها إلى قيام ثورة السابع عشر من فبراير والتي عبّرت عن تطلعات شعب عاش تحت وطأة الاستبداد ردحا لا بأس به من الزمن. ومن بين التطلعات التي وحّدت الليبيين هي التوق إلى تأسيس دولة القانون والمؤسسات وهي الأمور التي لا تتأتى إلاّ بترسيخ الحرية والمساواة والديمقراطية والتعدّدية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ولكن كان ما كان وحادت الثورة عن أهدافها أو تمّ الالتفاف عليها وتزعزع الاستقرار وغاب الأمن واستشرى العنف والفساد وظهر الانقسام والتشرذم وتبدّدت أموال الشعب ولم تتحقق الأهداف التي كنّا نصبو إليها.
ففي الوقت الذي كناّ نتطلع فيه إلى بناء دولة مدنيّة تقوم على أسس المساواة والعدالة ودولة القانون دون تهميش أو إقصاء، وصياغة دستور عادل يشمل الجميع، نجد أنّ الهيئة التأسيسية المكلّفة بصياغة الدستور قد قفزت فوق تطلعات الأقليات والتفّت على اتفاق مبدأ التوافق وضربت عرض الحائط بكلّ الاتفاقيات السابقة.
ووجدت الأقليات نفسها في المربّع الأوّل وكأنّها لم تخرج إلى الشوارع حاملة السلاح من أجل الحرّية، وكأنّها لم تقدّم شهداءها الأبرار وتضحياتها الجسام من أجل دولة القانون والمؤسسات المنشودة. ويُمكن أن نعزو هذه الانتكاسة إلى الأسباب التالية:
- عدم التزام الهيئة التأسيسية بالإعلان الدستوري وبالمسار التوافقي مع الأقليات المحدّد بالإعلان الدستوري.
- استمرار التمييز العنصري والإقصاء والتهميش الذي يمارس ضدّ الأقليات: التبو والأمازيغ والطوارق، وهي القبائل التي لطالما عانت من التهميش والإقصاء والحرمان لعقود طويلة وهو ما ترتّب عنه تفشّي العنف المجتمعي والتناحر الداخلي الذي يرقى إلى الحرب الأهلية.
- عدم اعتراف بعض الأطراف بالأقليات العرقية، أو فشل السلطات في مأسسة التنوع العرقي والثقافي كمحدّد للهويّة الليبية.
- رفض إدراج نصوص واضحة تعترف بهوية الأقليات ولغاتها وحقوقها.
- فشل الحكومات المتعاقبة ومنظمات المجتمع المدني الليبية والأحزاب السياسية في بلورة رؤية واضحة بخصوص الأقليات بما يدعم كافة حقوقها كمكوّنات ثقافية ليبية أصيلة.
- فشل الحكومات المتعاقبة ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية في ترسيخ دولة القانون والمؤسسات والمواطنة بعيدا عن التهميش والإقصاء.
- عدم وجود رؤية وطنية صريحة وشفافة للحفاظ على النسيج المجتمعي الليبي.
- القفز على مبدأ التوافق الذي يُعتبر برّ الأمان بالنسبة للأقليات.
- حرمان مناطق التبو من التقسيم الإداري الذي يعتمد نظام المحافظات.
ولكي نوضّح أسباب الحراك التباوي الأخير من أجل دستور عادل لا بدّ لنا من أن نبيّن ما تعرّض له التبو مثلهم مثل سائر الأقليات الأخرى في ليبيا من معاناة تتمثل في الآتي:
- معاناة قبائل التبو طيلة العقود الماضية لأبشع أنواع التهميش والإقصاء.
- حرمانهم من المشاركة في السلطة بأي شكل من الأشكال.
- تعرّضهم للتهجير من مناطقهم وديارهم.
- منعهم من تسجيل أبنائهم بأسماء تباوية.
- تغيير أسماء مناطقهم لطمسها وتكريس الاستلاب الثقافي بينهم.
- منع أبناء التبو من ارتياد الكليات العسكرية.
- منع أبناء التبو من التحصيل العلمي الجامعي أو الوصول إلى مراتب عليا أو الدراسة في الخارج.
- حرمان كافة الكفاءات من تبوّأ المناصب العليا في الدوائر الحكومية.
- معاملة التبو كأجانب أو دخلاء ومعاملتهم معاملة أمنية تتميز بالشك والريبة.
- منع مناطقهم من التنمية المكانية ممّا جعل أحياءهم أفقر الأحياء في ليبيا.
- تسليط بعض القبائل على التبو لطمسهم ومعاقبتهم من خلال تقوية تلك القبائل وسياسة فرّق تسُد.
- حرمانهم من المشاركة في السلطة بأي شكل من الأشكال.
- تعرّضهم للتهجير من مناطقهم وديارهم.
- منعهم من تسجيل أبنائهم بأسماء تباوية.
- تغيير أسماء مناطقهم لطمسها وتكريس الاستلاب الثقافي بينهم.
- منع أبناء التبو من ارتياد الكليات العسكرية.
- منع أبناء التبو من التحصيل العلمي الجامعي أو الوصول إلى مراتب عليا أو الدراسة في الخارج.
- حرمان كافة الكفاءات من تبوّأ المناصب العليا في الدوائر الحكومية.
- معاملة التبو كأجانب أو دخلاء ومعاملتهم معاملة أمنية تتميز بالشك والريبة.
- منع مناطقهم من التنمية المكانية ممّا جعل أحياءهم أفقر الأحياء في ليبيا.
- تسليط بعض القبائل على التبو لطمسهم ومعاقبتهم من خلال تقوية تلك القبائل وسياسة فرّق تسُد.
مطالب الأقليات:
وفي ضوء هذا الوضع الذي ينطبق عليه وصف الانتكاسة والحياد عن أهداف الثورة والتطلعات الشعبية، يُمكن لنا أن نحدّد أهمّ مطالب الأقليات (أو ما يفضل البعض تسميته بالمكونات الثقافية) في الآتي:
- العودة إلى مبدأ التوافق دون مراوغة.
- الاعتراف بهوية الأقليات ومن بينهم التبو.
- ضمان حقّهم في المشاركة السياسية في مناطقهم بنظام التمييز الإيجابي.
- تدوين ثقافتهم المادية وغير المادية.
- إدراج مناطق الأقليات وخاصة التبو ضمن المحافظات.
- الاعتراف بهوية الأقليات ومن بينهم التبو.
- ضمان حقّهم في المشاركة السياسية في مناطقهم بنظام التمييز الإيجابي.
- تدوين ثقافتهم المادية وغير المادية.
- إدراج مناطق الأقليات وخاصة التبو ضمن المحافظات.
ومن أجل دعم هذه المطالب وتوفير المناخ للاستجابة لها خدمة للسلم الاجتماعية والاستقرار والمحافظة على النسيج الاجتماعي الليبي في ضوء التنوّع والتعددية الثقافية واللغوية، تسعى كافّة الأقليات إلى التالي:
- دعوة منظمات المجتمع المدني إلى مساندة إخوتهم التبو وباقي الأقليات والوقوف إلى جانب الحق من أجل إخراج دستور عادل أسوة بسائر دساتير العالم التي شرّعت نصوصا دستورية لحماية الهويات والأقليات الإثنية والعرقية واللغوية ضمن سياسة تكفل التنوّع والتعددية.
- دعوة كافة شرائح المجتمع ومنظمات المجتمع المدني إلى التظاهر السلمي وبذل جهود متضافرة أمام الهيئة التأسيسية لنُصرة إخوتهم في الوطن والدين لنيل حقوقهم المشروعة.
- التأكيد على أن لا تنازل أو مساومة عن الحقوق أبدا.
الحراك كإستراتيجية لاسترداد الحقوق:
إنّ الأقليات الليبية (التبو والأمازيغ والطوارق) لم تتخلّى يوما عن تلبية نداء الوطن، وكانت دوما في الموعد، وقدّمت شهداء كُثر وتضحيات جسام في الأرواح والأموال، ولكنّها لم تجد في المقابل إلاّ التهميش والإقصاء والتمييز، عدم الاعتراف والجحود أو الالتفاف والتغاضي عن حقّها في المواطنة العادلة والمشاركة السياسية والتنمية المكانية. ولذلك فإنّ هذه الأقليات ترى أنّ الضامن الوحيد لحماية وجودها وحقوقها هو صياغة دستور عادل يكفل حقوق جميع الليبيين بالتساوي، ويضمن حقوق الجميع بالتساوي في دولة القانون والمؤسسات المنشودة. إنّ هذه لفرصة تاريخية أمام الليبيين ليثبتوا أنّهم قد قطعوا مع ممارسات التهميش والإقصاء التي انتهجها العهد البائد. وهذا الحراك الذي انطلق يوم 7 سبتمبر 2015 لدعم قرار الهيئة تعليق عضوية ممثلي التبو لفرصةٌ تاريخية لإعادة الهيئة إلى المسار الصحيح وتذكيرها بدورها المنوط بها ألا وهو صياغة دستور عادل يحفظ الحريات والحقوق لجميع الليبيين وعلى قدم المساواة. وحريّ بنا وبجميع الأقليات أن تعمل على تضافر جهودها من أجل الضغط على الهيئة التأسيسية لاستكمال الاستحقاق الدستوري الذي لطالما حلُمت به جميع أطياف الشعب الليبي من قبائل وعشائر ومناطق.
إعداد: مركز الدراسات التباوية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق