العرب اللندنية: وصف مراقبون الهجوم المُباغت الذي شنه مُسلحو تنظيم الدولة الإسلامية داعش على قاعدة معيتيقة العسكرية بالعاصمة الليبية طرابلس، بالتطور النوعي في مسار الصراع الذي يعصف بليبيا بالنظر إلى توقيته الذي ترافق مع اتساع الشرخ في صفوف ميليشيا فجر ليبيا، وتزايد الضغوط الإقليمية والدولية في اتجاهات مُختلفة على وقع تعثر المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة. وقالت مصادر ليبية إن مُسلحين شنوا أمس هجوما على قاعدة معيتيقة العسكرية، حيث فجروا أحد الأسوار الخلفية للقاعدة وتسللوا إلى عنابر السجن الذي بداخلها لتهريب أحد المساجين هناك. واتهمت قوة الردع التي تُسيطر على قاعدة معيتيقة عناصر تنظيم داعش بتدبير هذا الهجوم المُسلح، وأكدت أنها تصدت للمسلحين وقضت على منفذيه في الوقت الذي أعلنت فيه عن مقتل ثلاثة من أفرادها المكلفين بالحماية. ويقع مطار معيتيقة الذي يخضع لسيطرة ميليشيا تابعة لرئيس حزب الوطن الليبي المثير للجدل عبدالحكيم بلحاج، على بعد نحو 10 كيلومترات شرق العاصمة طرابلس التي يُسيطر عليها تحالف ميليشيا فجر ليبيا.
ورغم أن هذا الهجوم المُسلح كان متوقعا باعتبار أن تنظيم داعش لا يخفي سعيه للتوغل داخل العاصمة الليبية في إطار إستراتيجيته للتوسع والتمدد في البلاد، فإن ذلك لم يمنع المتابعين للشأن الليبي من القول إنه "اختراق نوعي" للمربع الأمني الذي يُسيطر عليه عبدالحكيم بلحاج، يعكس مدى اتساع الفجوة بين الفصائل المُسلحة لتحالف ميليشيا فجر ليبيا التابعة للمؤتمر الوطني المنتهية ولايته الموالي لجماعة الإخوان المسلمين، وهي فجوة تحولت إلى شرخ عميق بسبب تباين المواقف إزاء مُجريات الحوار الليبي-الليبي لتشكيل حكومة وفاق وطني. ويبدو أن هذا الشرخ مُرشح لأن يتحول إلى تصدع حقيقي باتجاه تفكك ميليشيا فجر ليبيا، وذلك على ضوء احتدام الخلافات الذي وصل إلى حد اقتحام مقر المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، وتعنيف بعض أعضائه على خلفية الموقف من المسار التفاوضي بالصخيرات المغربية الذي يُفترض أن تنطلق أعماله اليوم لمناقشة الأسماء المرشحة لرئاسة حكومة الوفاق الوطني المُرتقبة. وحسب مصادر ليبية متطابقة، فإن عناصر مُسلحة تابعة لميليشيا فجر ليبيا اقتحمت مقر المؤتمر الوطني العام في طرابلس أثناء جلسة مُخصصة لمناقشة مسودة الحوار التي طرحها المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون، والأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة.
وتضاربت الأنباء حول مصير عضو المؤتمر أبي القاسم قزيط الذي يُعرف بدعمه الواضح لمساعي الحوار منذ البداية، خاصة بعد استنجاد النوري بوسهمين رئيس المؤتمر العام بميليشيا الحلبوص الموالية له لتأمين قاعة المؤتمر. وفسحت هذه التطورات المُتسارعة، المجال لبروز تقديرات متشائمة بدأت عناصرها تتراكم على وقع تصريحات متباينة، وأخرى مُحذرة من عاصفة جديدة من قتال عنيف قد يدفع ليبيا نحو المجهول، خاصة على ضوء تحذيرات وزارة الخارجية الأميركية رعاياها من السفر إلى ليبيا التي تزامنت مع تأكيدات لمسؤول روسي رفيع تُفيد بوجود مُخططات لشن هجمات أجنبية في ليبيا دون موافقة الحكومة الليبية المعترف بها دوليا. وحسب المُحلل السياسي الليبي سامي عاشور، فإن التفاؤل الذي ساد في وقت سابق أجواء المسار السياسي في أعقاب جولتي المفاوضات في جنيف والصخيرات، هو تفاؤل "غريب"، و"يعكس حالة التشظي والانشطار بين الواقع والخيال". واعتبر في تصريح لـ"العرب" أن النظرة الواقعية لمُجريات العملية السياسية، والتطورات الأمنية المحيطة بها، تُشير إلى "أننا مقبلون على دوامة عنف ستكون الأشرس من نوعها".
وكان المراقبون قد توقفوا مطولا أمام تحذيرات الخارجية الأميركية التي جاءت في بيانها الذي نشرته أمس في موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت، وخاصة دعوتها الرعايا الأميركيين الموجودين بليبيا إلى مغادرة ليبيا "فورا" بسبب الأوضاع الأمنية التي وصفتها بـ"غير المتوقعة أو المستقرة". وربطوا تلك التحذيرات بما ورد على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف من معلومات مفادها أن هناك من يريد التدخل في ليبيا بحجة مهاجمة داعش دون موافقة الحكومة الليبية الشرعية في طبرق. وقال بوغدانوف في حديث نشرته وكالة الأنباء الإيطالية آكي، إن بلاده على علم بخطط لقصف داعش في ليبيا، دون موافقة الحكومة الليبية الشرعية، مضيفا أن هناك قوى ما زالت تحاول حل مشاكل المنطقة، ولاسيما في ليبيا، من خلال انتهاج القوة، وأنه وفق معلومات من مصادر مختلفة، تحصلت عليها موسكو، تم البدء بالفعل في التخطيط للقيام بهجمات ضد تنظيم داعش في ليبيا. وهذه المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول روسي رفيع عن تدخل عسكري أجنبي مُحتمل في ليبيا، ما يعني أن التوقعات التي أشارت في وقت سابق إلى أن تحديات جسيمة تنتظر ليبيا التي يبدو أنها مُقدمة على تطورات ميدانية خطيرة قد تنسف المسار السياسي برمته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق