العرب اللندنية: قالت صحيفة "ديلي بيست" الأميركية إن عملاء تنظيم "داعش" الإرهابي قاموا بنقل الأنابيب ونترات الأمونيوم وباقي مواد تصنيع القنابل عبر الحدود التركية إلى سوريا، فيما يتعمد حرس الحدود التركي غض النظر عن ذلك، مضيفة أن أنقرة خلقت وحش داعش وتعجز حاليا عن مواجهته، ولا يبدو أنها على استعداد لفعل أي شيء لوقف تلك "المهزلة"، موضحة أن سياسات الحدود المتهاونة التي تبنتها تركيا خلال الأعوام من 2011 وحتى 2014، مكنت المتطرفين الراغبين في السفر إلى سوريا من الانضمام إلى صفوف المسلحين الإرهابيين بشكل خاص. وتقول تقارير صحفية تبعا لهذه السياسة التي تبنتها السلطة في تركيا، والتي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، إن الأتراك الآن على يقين بأن الخطر المحدق بأمنهم وسلامتهم في الداخل التركي هو الخلايا النائمة التي تتبنى عقيدة ما يسمى "الدولة الإسلامية"، وقد كشفت تحقيقات صحفية أن العديد من تلك الخلايا الآن بصدد إعادة الانتشار داخل تركيا ربما تأهبا للقيام بهجمة كبرى تستهدف مؤسسات ومدنيين.
وفي الحين ذاته، تحاول أجهزة إعلام السلطة في تركيا اليوم، وخاصة تلك التي تسيطر عليها أذرع حزب العدالة والتنمية صرف النظر عن خطر المتطرفين الإسلاميين الذين حظوا بدعم تركي طيلة السنوات الماضية والتركيز على خطر الأكراد المتمثل في حزب العمال الكردستاني الذي ينتشر أساسا في مناطق كردية في جنوب تركيا. وتؤكد تصريحات محللين أن إستراتيجية أردوغان الآن ترتكز على إطلاق يد التنظيم المتطرف داعش ووضعه في مواجهة مسلحة مع الأكراد في مناطق عديدة في نقاط التماس مع الدول العربية المحيطة، وأساسا العراق وسوريا. ويقول في السياق جميل بايك القيادي في حزب العمال الكردستاني "إن رجب طيب أردوغان يتمنى نجاح تنظيم الدولة، لمنع حزب العمال الكردستاني من تحقيق مكاسب". ولعل هذه الإشارة هي النقطة التي يحاول أردوغان اليوم صرف النظر عنها، والتركيز على فزاعة الأكراد التي لا تعتبر قضية جديدة بالنسبة إلى تركيا. وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن تركيا أنهت سياسة الحدود المفتوحة العام الماضي، ولكن ليس قبل أن تصبح حدودها الجنوبية نقطة عبور للنفط الرخيص والأسلحة والمقاتلين الأجانب والآثار المنهوبة، ما ساعد على ظهور شبكات المهربين على طول حدود 565 ميلا مع سوريا.
ومن المفترض أن تكون تركيا الآن في حالة تأهب لإجراء الانتخابات المبكرة التي من المقرر القيام بها في نوفمبر المقبل، الأمر الذي يضع حزب العدالة والتنمية أمام اختبار صعب في هذه الفترة خوفا من الخسارة التي سوف تعيد تشكيل الأوراق السياسية في تركيا بشكل جذري لصالح قوى أخرى غير حزب العدالة والتنمية. هذا المعطى، يدفع حسب محللين إلى انتهاج سياسة التضخيم لخطر الأكراد جنوبا على حساب الخطر الفعلي الذي يهدد الأمن التركي وهو الخطر الإسلامي المتطرف المنتشر على كامل الحدود التركية السورية والتركية العراقية، ما يؤكد أن المعارك التي تخاض في هذه الآونة على معاقل حزب العمال الكردستاني ليست سوى طريقة لصرف النظر عن داعش من جهة وربح أوراق انتخابية داخلية من جهة أخرى لإضعاف القوى السياسية الجديدة الصاعدة والتي أهمها حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي الذي يتشكل أساسا من الأكراد. وإذا تم صعود الأكراد إلى الدوائر الحاكمة في تركيا في الانتخابات الأخيرة والتي من المنتظر أن يواصلوا الانتصارات فيها، فإن الهجمة المركزة الأخيرة على الأكراد في الجنوب تأتي حتما في سياق إضعاف القوة السياسية الكردية في الداخل التركي.
ويؤكد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن التكتيكات السياسية التي يقوم بها الأكراد بالتحالف مع حزب الشعب الجمهوري القومي ذي المضامين اليسارية، تستهدف أساسا توسيع قاعدة الانتخاب والتقدم على حساب حزب العدالة والتنمية، خاصة وأن هذه الإستراتيجية مكنت من تأزيم قوة حزب أردوغان في الانتخابات الماضية ووضعته في مأزق سياسي أجبر من خلاله على إعادة الانتخابات وتشكيل حكومة مؤقتة. وعادة ما يحصل الحزب على ما بين 5 و6 في المئة من الأصوات كحزب مؤيد للأكراد بصورة محدودة، ولكنه بذل جهدا في الآونة الأخيرة لبناء دائرة انتخابية ليبرالية أوسع. وفي هذه الانتخابات، تواصل حزب الشعوب الديمقراطي مع الأقليات العرقية والسياسية في تركيا، بمن فيهم الأرمن، كما أن نصف المرشحين على قوائم حزب الشعوب الديمقراطي هم من النساء، الأمر الذي يشكل قلقا لأردوغان ومعرقلا رئيسيا في طريقه الداعم للمتطرفين الإسلاميين في سوريا والعراق. وتؤكد تقارير صادرة عن صحف محلية أن أغلب الرأي العام في تركيا متفطن إلى سياسة صرف النظر التي يتبعها حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي ينبئ بتغير في المواقف داخل الجمهور الانتخابي في تركيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق