وكالات: أضحت المستجدات الداخلية التركية، لا سيما على الصعيد الأمني، فضلا عن التطورات الأمنية الإقليمية، ترفع سقف التحديات أمام أنقرة خاصة في ما يتعلق بطموحها القاضي بالتحول إلى مركز إقليمي لتوزيع الطاقة ونقلها إلى الأسواق الأوروبية، وما يعنيه ذلك من تنام لنفوذها السياسي في مختلف ملفات المنطقة، وفق دراسة صادرة عن المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة. وعلى الرغم من أنّ تركيا بذلت، على مدار السنوات الماضية، جهودًا حثيثة من شأنها تعزيز مكانتها في الخارطة العالمية لنقل الطاقة، وأجرت كثيرا من اللقاءات والمفاوضات بشأن اتفاقيات مشتركة لنقل الغاز الطبيعي عبر أراضيها، إلاّ أنّ هذا الطموح اصطدم بمتغيرات جديدة داخلية، لا سيما بعد تصاعد تهديدات العنف بجنوب شرق البلاد، علاوة على التوترات الأمنية الحدودية مع سوريا. ولطالما روّجت تركيا أنّها، دون غيرها من دول الشرق الأوسط، مؤهلة لأن تكون مركزا لتوزيع ونقل الطاقة إلى الأسواق الأوروبية، خاصّة أنها تقع في موقع متميز بين الدول ذات الوفرة في الموارد النفطية وبين دول الطلب على الطاقة أي القارة الأوروبية. وتمتلك تركيا في الوقت الراهن مزايا طبيعية، تجعلها تحتل أهمية استراتيجية في حركة تجارة النفط العالمية المتجهة إلى السوق الأوروبية.
ونظرا لوعيها بتلك الميزات، وسعت أنقرة خططها على مدار السنوات الماضية، أملا في التحول إلى مركز لنقل الطاقة من الشرق الأوسط والدول المطلة على بحر قزوين إلى أوروبا، بالإضافة إلى أنّ تركيزها على هذا الملف نابع من كونها ترى أنّه بوابة سانحة لتحقيق مزيد من النّفوذ السياسي في المنطقة. وفي غضون الشهور القليلة الماضية، طرأت على الساحتين الداخلية والخارجية مستجدات ضاغطة، قد تهدد هذا الطموح التركي ولعل أهمها التحديات الأمنية التي تتمثل في:
*تصاعد العنف الداخلي: ففي نهاية شهر يوليو 2015، قام الجيش التركي بقصف مواقع مختلفة لحزب العمال الكردستاني شمال العراق، ليعلن عن انتهاء عملية السلام، التي بدأت سنة 2013 ولم تدم طويلا. وكانت الشرارة الأولى لتبعات انتهاء عملية السلام ما بين الطرفين، أن تعرّض خطَّ أنابيب النفط الواصل بين العراق وتركيا وخط الغاز الواصل بين تركيا وإيران، لتفجيرين متتاليين، ووُجهت الاتهامات لحزب العمال الكردستاني باستهداف البنى التحتية للطاقة. ومن دون شك، فإن تصاعد حدة العنف يمكن أن يُعطل جهود الحكومة التركية بأن تكون طريقًا موثوقًا لنقل الغاز لأوروبا. علاوة على ذلك، بات الاستقرار السياسي بالبلاد مشكوكًا فيه بعدما فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في يونيو الماضي، وبالطبع، فإن بداية تأزم الموقف السياسي التركي لا ترجع إلى الشهور القليلة الماضية، وإنما منذ أن تأججت الاحتجاجات التركية في عام 2013، إلى جانب الإعلان عن تورط مسؤولين من حزب العدالة والتنمية في قضايا فساد واسعة في العام نفسه.
*خلافات إقليمية: من دون شك، فإن العلاقات الخارجية تمارس دورا هاما في إنجاح طموحات تركيا الساعية إلى التحول إلى مركز للطاقة، ومن ثم ينبغي عليها بناء ثقة مع شركائها في مشروعات نقل الطاقة. وفي هذا السياق، فرغم أن خط “السيل التركي”، سيعظم العوائد الاقتصادية للجانبين التركي واليوناني، وعلى وجه الخصوص اليونان التي تعاني من أزمة مالية طاحنة، فإن هذه النظرة البراغماتية قد تصطدم بالخلافات التركية اليونانية التي قد تمتد إلى ما هو أبعد من الخلاف الحالي حول تقسيم ثروات الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط، حيث لا تزال التوترات مستمرة بين الجانبين بسبب التقسيم التاريخي لشبه الجزيرة القبرصية، وهو ما يفرض تحديا على تركيا لتسوية هذه الخلافات، بشكل مؤقت على أقل تقدير.
وعلى جانب آخر، يتطلع الإيرانيون لأن تكون بلادهم أحد المزودين الرئيسيين لأوروبا بالطاقة، وهذا يعني ضمنيًّا أن يمتد خط الأنابيب من إيران مرورا بتركيا وصولا إلى أوروبا، ورغم أن العروض الإيرانية لأوروبا تظل نظرية حتى الآن، فإن المشروع الإيراني لنقل الغاز إلى أوروبا، يحتاج من الجانبين التركي والإيراني إلى تسوية الخلافات الراهنة حول القضايا الإقليمية، لا سيما حول الصراع الدائر في سوريا. وعلى ما يبدو، فإن الخطط التركية لا تسير على ما يرام في الوقت الراهن، حيث أعلن بعض المسؤولين الأتراك الأيام الماضية عن تعليق خط “السيل التركي”، لعدم توقيع الجانب الروسي على اتفاق بشأن الخصم في سعر الغاز الطبيعي (10.25 بالمئة)، الذي كان من المتوقع أن تتلقاه تركيا نظير شراء كمية من الجانب الروسي تتراوح بين 28 و30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي قد يضع عراقيل حول إتمام تفنيذ المشروع. وتؤكّد هذه المعطيات أنّ الطموح التركي للتحول إلى مركز لنقل وتوزيع الطاقة أضحى يواجه عدة عقبات داخلية وخارجية، وهو ما يتطلب من تركيا على أقل تقدير تقديم ضمانات أمنية من أجل إتمام مشروعات خطوط الأنابيب، وتسوية خلافاتها مع شركائها الرئيسيين في هذه المشروعات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق