العربي الجديد: حكاية تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في ليبيا، غامضة بعض الشيء، بين من يعتبر أنه بات قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على ليبيا، وبين من يعتبر أن وجوده ضعيف نسبياً، قياساً على دول أخرى. وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا، برناردينو ليون، قد حذّر في جلسة مجلس الأمن المُخصصة لدرس الوضع الليبي، يوم الأربعاء، من "الوجود القوي لداعش في البلاد"، داعياً الليبيين إلى "التوحّد لمحاربته ومنع تحوّل ليبيا إلى عراقٍ آخر أو سورية أخرى". لكن خبراء ليبيين يشككون في حجم التنظيم وحقيقة وجوده في ليبيا، رغم اعترافهم بأن "النواة الموجودة في البلاد تسعى للسيطرة على أكبر مساحة من الأرض، لجذب مزيد من الأنصار". ويعتبرون أنه "في ظلّ الصراع الدائر بين حكومة طبرق وحكومة طرابلس، تُصبح سرت هدفاً للصراع، لكون مناطق النفط على مرمى حجر منها، وبالتالي من الممكن أن تكون ظهيراً اقتصادياً كما هو الحال في العراق وسورية".
من جهته، يُفصّل الخبير الأمني محمد النعاس، خريطة القوى المتحاربة في ليبيا، ويقول: "تتوزّع السيطرة على مساحات شاسعة بين حكومتي طرابلس وطبرق، كما تسيطر قبائل الزنتان القوية وحلفائها في غرب ليبيا، على مساحات واسعة من الأراضي، بالتالي لا يزال داعش ضعيفاً، قياساً على سيطرة القوى الليبية على تلك المساحات، واستناداً إلى طرق الاستعراض التي يقوم بها داعش، والصور التي يبثّها تباعاً على مواقعه". ويضيف النعاس في حديث لــ"العربي الجديد"، أن "التنظيم يحاول من خلال عمليات استعراضية دموية صادمة، عبر مواقعه الالكترونية، إثبات وجوده والتعمية على ضعفه، إذ لم يظهر حتى الآن أهالي الأقباط المذبوحين، ولم تُعلن مصر قائمة بأسمائهم. ويمكن القياس على هذه الحادثة عشرات الحوادث الأخرى، عدا عمليات التفجير المباغتة في بعض الحواجز الأمنية، في مصراتة مثلاً". ويمضي قائلاً: "لا يخفي هذا التنظيم الرهيب تبجّحه بالسيطرة على بعض المقارّ الصغيرة، الخالية أصلاً في بعض المدن، ليُعلن من خلالها عن تأسيس محكمة أو مقرّ له. مع العلم أن سكان سرت ودرنة، يعلمون أن نفوذ مسلّحي التنظيم لا يتخطى هذه المقارّ، كما أنهم لم يشاهدوا أي أثر للاستعراضات الإعلامية على الأرض".
ويضيف النعاس أسباباً أخرى تعترض نجاح "داعش" في التوسّع بليبيا، منها "مجاورته لتنظيم القاعدة بالمغرب العربي المؤكد أنه متواجد في ليبيا". ويتابع "وهو ما يُعلّل لنا عدم امتداد داعش إلى جنوب ليبيا، فالأنباء تتحدث بكثرة عن وجود مختار بلعور، أبرز قياديي قاعدة القاعدة بالمغرب في الجنوب الليبي، بالإضافة لفصائل إسلامية أخرى تختلف مع التوجه العقائدي لداعش، مثل مجموعات أنصار الشريعة والسلفيين ومجموعة التوحيد والجهاد في بنغازي، ما جعل تواجده ينحصر في مدينتي درنة وسرت، وبعض القرى مثل النوفلية وهراوة، شرقي سرت". ويخلص النعاس إلى القول بأن "داعش أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة، فبعد أن كان العالم يتحدث عن إرهابه الدموي في درنة، معقله الرئيسي، تهاوى في أيام معدودة أمام شباب وثوار مجلس شورى المدينة. كما أن عدداً من أفراد قبيلة الفرجان، استطاعوا إخراجهم في ظرف يومين من سرت، وسيطروا على أهم مراكزهم، قبل أن تصل الإمدادات من هرواة والنوفلية بشكل عاجل للتنظيم". ويختم "رغم الحديث عن إجهاض الانتفاضة الشعبية في سرت، إلا أن إعادة داعش لتمركزه وإخراجه لمعظم معداته العسكرية إلى مشارف المدينة، يدفع إلى إعادة النظر في قوته داخلها".
ويوافقه عضو "مجلس أعيان ليبيا"، محمد الفيتوري، قائلاً "رغم التسيّب الذي تشهده البلاد والغياب شبه التام للدولة في أغلب مناطقها، إلا أن التنظيم لا يمكنه الإعلان عن نفسه بشكل سافر، بفعل سيطرة القبائل على معظم البلاد". ويضيف "ليبيا ليست هشّة كما يتبدّى للبعض، كما هو الحال في العراق وسورية، التي مزقتها الطوائف والمذاهب". ويكشف الفيتوري في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "علم بمحاولة التنظيم الاتصال ببعض الزعامات القبلية، التي رفضت بشكل قاطع التعامل معه". ويضيف أن "المرجعية الإسلامية في ليبيا، لم تسمح للتنظيم بتسويق رؤيته المتحجّرة". ويشير إلى أن "ذلك ظهر بوضوح بعد انسحاب ثلاثة منتسبين لداعش من قبيلة الفرجان، إثر إقدام التنظيم على إعدام قيادي من القبيلة، ما أثار حفيظة القبيلة، وتُرجم في شكل صدام مسلّح في سرت في الأسابيع الماضية". وكانت مجموعة مسلّحة في درنة، قد أعلنت في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مبايعتها لزعيم "داعش" أبو بكر البغدادي، أعقبها استعراض عسكري بالرايات السوداء نظّمته المجموعة. ولم يتم الحديث بشكل رسمي عن التنظيم في ليبيا، إلا بعد حادث نشر فيديو يظهر ذبح أقباط مصريين في سرت، وآخر في فزان، بالإضافة إلى عمليات انتحارية تبنّاها التنظيم، أبرزها اعتداء فندق كورنثيا بالعاصمة طرابلس، في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق