دويتشه فيله: في رد فعل كان متوقعا رفضت إسرائيل بشدة الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني واعتبرت أنها غير ملزمة به. ويبدو أن توتر العلاقات مع واشنطن وموقفها الصارم من تلك المفاوضات أضعف من قوة ضغوطها هناك، فاكتفت بدور المتفرج. وبعد مفاوضات طويلة حول البرنامج النووي الإيراني في فيينا بين الدول الست وإيران، والتي اتسمت جلساتها بالأخذ والرد توصلت الأطراف أخيرا إلى اتفاق، يجمع بين مرحب به ومحذر أو رافض له، كما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو الذي اعتبر أن بلاده لن تكون ملزمة بهذا الاتفاق وأنها ستدافع عن نفسها معتبرا أن الاتفاق "خطأ تاريخيا" كما توعد ببذل قصارى جهده لعرقلة طموحات إيران النووية. ورغم أن رد الفعل الإسرائيلي جاء متوقعا إلا أن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير اعتبر أن "الاتفاق مع إيران يعبر عن مسؤولية ويتعين على إسرائيل النظر إليه بعناية وعدم انتقاده بهذه القسوة"، كما كانت تصريحات وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في نفس السياق.
تخوفات إسرائيلية كبيرة
يأتي الاتفاق التاريخي بين إيران والقوى الست في وقت تشهد فيها العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تأزما وهو ما يشرحه المراقبون كسبب للقلق الكبير القائم داخل إسرائيل بعد فشلها في الضغط على الإدارة الأمريكية من أجل وقف الاتفاق مع إيران التي تعتبرها إسرائيل راعية للإرهاب وتهديدا لوجودها. ويشير خبراء إسرائيليون إلى أن الاتفاق الجديد يضع إسرائيل أمام مشاكل ينبغي التحضير لها، وتتجلى تلك المشاكل أساسا في حجم الأموال التي ستدخل إيران بمئات المليارات من الدولارات في وقت وجيز ، حيث قد يتحول جزء منها لتمويل الصناعات الأمنية والعسكرية وإلى نشر معدات قتالية بين التنظيمات والدول المقربة من إيران. ويقول المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحم في مقابلة مع DWعربية إن رد فعل إسرائيل جاء عنيفا وشديد اللهجة وفيه تلميحات بأن إسرائيل قد تستعمل كل الأوراق بما فيها ورقة التدخل العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية وهو موقف يراه داني روبنشتاين أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية طبيعيا بالنظر إلى مدى القلق الكبير الموجود داخل القيادة الإسرائيلية ولدى الشعب الإسرائيلي أيضا ، ويضيف في حديث ل DWعربية "إنه أمر طبيعي، هناك تهديدات بوتيرة شبه يومية من إيران بمحو إسرائيل، وإيران دولة زادت في تقوية نفوذها في المنطقة خلال السنوات الأخيرة".
الاتفاق والعلاقات الأمريكية الاسرائيلية
ويعبر خبراء عن اعتقادهم أن هناك ما يبرر سرور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، كما تناقلت ذلك صور الوكالات، وخروج الإيرانيين للشارع للاحتفال بالتوصل إلى اتفاق، حيث إن إيران خرجت "غانمة" من هذه الصفقة فلم تعد بذلك داخل دائرة الدول الإرهابية المغضوب عليها، كما ستحصل في الأشهر القادمة على 120 مليار كانت مجمدة، وسيتم رفع الحصار الاقتصادي المفروض عليها. يضاف إلى ذلك أن إيران استطاعت في نفس الوقت اشتراط موافقتها على تفتيش منشآتها. كانت هذه أحد أبرز نقاط الخلاف بين الأطراف المتفاوضة. لقد تم ذلك رغم تحذيرات إسرائيل وضغوطها في وقت مازالت تتسم فيه العلاقات بين نتانياهو وأوباما بالتوتر. ويضيف بن مناحم أن "الخلافات الشخصية الكبيرة بين نتيانياهو وأوباما لعبت دورا في تغييب دور إسرائيل عن المفاوضات والتأثير في مسارها". وتشهد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية توترا وصل إلى مستويات غير مسبوقة بسبب الاختلاف حول مسألتي الاستيطان والملف النووي الإيراني، وأفرز تردي العلاقات انقساما حتى بين الإسرائيليين أنفسهم إذ يُحمل البعض نتياهو مسؤولية توقيع الاتفاق مع إيران بسبب تصرفاته المتعالية في التعامل مع أوباما و إدارته. ويقول علي نوريزاده مدير مركز الدراسات الإيرانية العربية في لندن إن طموحات إيران النووية ليست هي المشكلة المطروحة بالنسبة لإسرائيل وإنما تخوفها من أن تتحول إيران إلى دولة معتدلة، ويضيف في حوار مع DWعربية أنه عندما تصبح إيران دولة معتدلة وتزول معها التهديدات الإيرانية بمحو إسرائيل من الوجود، ستتلاشى حينئذ تلك الإدعاءات التي تقدمها القيادة الإسرائيلية للتهرب من مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، "المسؤولون الإسرائليون يتهربون من التزاماتهم في اتفاقية أوسلو متذرعين في ذلك بإيران، فهم يقولون كيف نتنازل عن أراض للفلسطينيين لينشئوا فيها دولتهم ونحن نواجه خطرا حقيقيا هو إيران" كما يشرح الخبير الإيراني.
الإتفاق وعلاقته بتعثرالسلام الفلسطيني الاسرائيلي
وفي الوقت الذي يرى فيه الخبير روبنشتاين أن تعثر عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ساهم أيضا فيما وصلت إليه الأمور مع إيران ، يعبر الخبير نوريزاده عن اعتقاده أن أمريكا أدارت ظهرها لإسرائيل لأن التهديدات بمحوها لم تعد تأتي من طهران. فواشنطن تعلم أن المرشد ليس وحده من يقرر اليوم في إيران، بل هناك أصوات أخرى... ". وبينما يرى البعض أنه لازال بإمكان إسرائيل "نسف" هذا الاتفاق عن طريق الضغط على أعضاء الكونغرس وعدم المصادقة عليه، يعتقد آخرون أن أقصى ما تستطيع تل أبيب القيام به الآن هو العمل على الاستفادة من هذا القرار بأكبر قدر ممكن، مثلا من خلال تعويضات سخية من الإدارة الأمريكية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق