ونيس مبروك |
محمد عمارة محمد |
الناشط الليبي الإسلامي ونيس مبروك والخبير محمد عمارة محمد، وهو باحث ليبي في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، حاورتهما DWعلى هامش المنتدى المغاربي الذي التأم الأسبوع الماضي في الدار البيضاء، وينظمه سنويا مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية (مدى)، وقد وأبديا آراء مختلفة بشأن تطورات الأوضاع في بلدهما، لكنهما يلتقيان حول "ضرورة خروج ليبيا من النفق المظلم". لكن إعلان الأمم المتحدة إرجاء "إلى أجل غير مسمى"جولة جديدة من الحوار الليبي كانت مقررة هذا الأسبوع في المغرب، إثر قرار البرلمان الشرعي في طبرق تعليق مشاركته في المحادثات، يعتبر مؤشرا على ازدياد ضبابية المشهد الليبي.
داعش بقعة زيت قد تتسع
يتابع المراقبون بقلق الصعود المتنامي لتنظيم"الدولة الإسلامية" في ليبيا، وخصوصا إثر إقدام الفرع الليبي للتنظيم الإرهابي على إعدام 21 قبطيا مصريا في إحدى الشواطئ الليبية، وقيامه باستعراض للقوة العسكرية في مدينة مصراته بالإضافة إلى تبنيه تفجيرات في العاصمة طرابلس، استهدف أحدها السفارة الإيرانية. وتتفاوت تقديرات الخبراء لنفوذ داعش في ليبيا، ففي طرابلس ما تزال ميليشيا "فجر ليبيا" المسلحة تحكم قبضتها على العاصمة التي يوجد بها مقر البرلمان السابق (المؤتمر الوطني العام) وحكومة موالية له. ويمتد نفوذ "فجر ليبيا" إلى معظم مدن الساحل الليبي ومنها مصراته التي شكلت معقلا رئيسيا لجماعات الثوار الذين ساهموا في إسقاط نظام القذافي. لكن ظهور داعش بشكل مفاجئ في الأيام الأخيرة مستعرضا قواته في شوارع مصراته ألقى بظلال من التساؤلات ان كان التنظيم الإرهابي بصدد السيطرة على جانب من المجموعات المسلحة الإسلامية المتشددة التي كانت متحالفة مع جماعات الثوار الليبيين وضمنهم إسلاميون معتدلون وآخرون ليبراليون.
وكانت بعض المجموعات المتشددة في مدينة درنة شمال شرق ليبيا قد أعلنت مبايعتها للبغدادي "خليفة" داعش. لكن الناشط الإسلامي المقيم في لندن، ونيس المبروك، المدير السابق للتجمع العام لثوار ليبيا، يرى أن مدينة درنة التي تسيطر عليها جماعات متشددة منها تنظيم "أنصار الشريعة" تعتبر"حالة خاصة" ولا يمكن ان يُقاس عليها الوضع في ليبيا، ويعتقد أن نفوذ داعش "مبالغ فيه إعلاميا"، ويضيف "حتى في مدينة درنة التي تسيطر عليها جماعات إسلامية متشددة، لا يحظى فيها تنظيم داعش سوى بتأثير محدود". ويرى ان إسلاميين معتدلين وثوار ليبراليين يشكلون التيار المهيمن بشكل عام على الميليشيات المسلحة المناهضة للجيش الوطني الليبي الذي يقوده اللواء حفتر.
وبرأي الباحث الليبي في العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، محمد عمارة محمد، فان الجماعات الإسلامية الجهادية مثل "أنصار الشريعة" وغيرها من التنظيمات المتشددة لها وجود في عدد من المناطق الليبية، لكن "الوضع الليبي معقد جدا، ولا يمكن اختزاله في الحديث عن جماعات إسلامية متشددة ضد قوات حفتر". انتشار السلاح إثر سقوط نظام القذافي وضعف دور القوى السياسية المدنية، جعل المجموعات المسلحة تهيمن على المشهد العام في البلاد، "هذه المجموعات متعددة التوجهات والخلفيات ولا يمكن اختزالها في الحديث عن تنظيمات جهادية" يقول عمارة، موضحا أن ما يطلق عليه ميليشيات مسلحة هي عبارة عن مزيج غير متجانس من المجموعات التي تهيمن كل واحدة منها على منطقة نفوذ محلي، وضمنها إسلاميون وليبراليون وقبليون وأشخاص لهم نفوذ محلي. ويشكل تمسك هذه الجماعات بالسلاح "وسيلتها الوحيدة من أجل البقاء" كما يرى عمارة. بيد ان ضعف القوى السياسية وغياب مؤسسات الدولة والمجمع المدني، واتساع لغة السلاح وضعف الروابط السياسية والأيديولوجية بين الجماعات المسلحة المنتشرة في بلد لم يرث من نظام القذافي سوى السلاح والفوضى، قد يفسح المجال في أي وقت لسيناريو اتساع نفوذ داعش كبقعة الزيت، نظرا لما يتوفر عليه التنظيم من دعم مالي وقدرات على التعبئة الأيديولوجية والدينية.
حفتر "نسخة ليبية من السيسي"
وفي ظل تراجع دور مؤسسات الدولة وشبه انهيار الجيش والشرطة، يبرز على الطرف الآخر من الأزمة الليبية، اللواء المتقاعد حفتر باعتباره الرجل الأقوى في طبرق، مقر البرلمان الشرعي وحكومة عبد الله الثني المعترف بها من قبل المجتمع الدولي. وبعد المكاسب العسكرية التي حققها في مواجهة المليشيات المسلحة وبسط نفوذه على جزء هام من شرق البلاد وخصوصا بنغازي، ثاني كبرى المدن الليبية، بات حفتر يتقدم حثيثا إلى أعلى هرم السلطة من خلال ترشيحه من قبل برلمان طبرق لرئاسة هيئة أركان الجيش. كما يستمد حفتر قوته أيضا من الدعم الذي يحظى به من قبل قوى إقليمية مثل مصر ودولة الإمارات. ويتمتع حفتر بنفوذ في أوساط ضباط الجيش والأمن نظرا لمساره كعسكري مخضرم، ولكونه يحظى بتأييد عدد من الضباط الذين تم إبعادهم بعد الثورة على نظام القذافي ، حيث شكلت "عملية الكرامة" التي قادها في مواجهة هيمنة الجماعات الإسلامية المتشددة، بمثابة إعادة اعتبار لفئات عسكرية وأمنية جرى تهميشها بعد الثورة. وهنالك فئات شعبية محبطة ترى في حفتر منقذا لليبيا من حالة الفوضى.
ولكن حفتر يتعرض لانتقادات حتى في أوساط قريبة من حكومة عبد الله الثني، لأنهم يرون فيه نسخة ليبية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. أما معارضوه الإسلاميون والليبراليون في طرابلس فيعتبرونه حجر عثرة في سبيل أي حل سياسي توافقي، ومن ثم فهم يتهمونه بالوقوف وراء تشدد حكومة الثني في ملف الحوار السياسي، سعيا منه إلى حسم الصراع عسكريا عبر دعم يأتيه من الخارج، وتبدو مصر في مقدمة المؤيدين لهذا الاتجاه. وهو سيناريو يعتقد الباحث الليبي محمد عماره" أنه وارد، لكنه الأسوأ"، ويرى ان هذا السيناريو سيكرس حالة"الحرب بالوكالة" التي تقوم بها الأطراف المسلحة، لحساب قوى إقليمية. إذ يخشى الخبراء أن تستغل تلك القوى تردد المجتمع الدولي وعجزه عن التأثير في أوضاع ليبيا، لدفع دول كمصر والإمارات لمضاعفة دعمها العسكري للقوات المؤيدة للواء حفتر، وبالمقابل تساهم دول أخرى مثل قطر وتركيا والسودان في دعم حكومة طرابلس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق