ليبيا المستقبل
الجزيرة.نت - خالد المهير-طرابلس: يخيم
الحزن على مختلف أرجاء العاصمة الليبية طرابلس، وتنتشر المآتم في مختلف
الأحياء من سوق الجمعة والمنصورة إلى الدريبي وقدح، وكأن الموت احتلها.
حلت هذه الأجواء بالمدينة إثر مقتل 43 من أبنائها وجرح نحو 400 يومي الجمعة
والسبت الماضيين برصاص كتائب تابعة لمدينة مصراتة الواقعة على مسافة مائتي
كيلومتر شرق العاصمة طرابلس. غير أن حزن طرابلس -التي
يسميها الليبيون "عروس البحر"- لم يكن وحيدا. فهو يخيم عليها على وقع عصيان
مدني واحتجاجات ومظاهرات تطالب منذ أحداث يوم الجمعة الماضية بضرورة إخلاء
العاصمة من المليشيات.
فباستثناء العاملين في المستشفيات والصيدليات والمخابز، يرفض
المواطنون فتح المحلات التجارية والمدارس والجامعات حتى أنهم رفضوا قرارات
وزارة التعليم باستمرار الدراسة تعبيرا عن سخطهم وغضبهم من السلاح غير
الشرعي، ويقولون إنهم خرجوا ولن يعودوا إلا بعد تطهير العاصمة من
المليشيات. وأمس نزلت قوات نظامية تابعة لرئاسة الأركان
العامة إلى الشوارع الرئيسية والفرعية، وشاهد الليبيون لأول مرة في طرابلس
قواتهم باللباس الرسمي. كما أنزلت قوات من اللواء الثاني والثالث مشاة
والكتائب 161 و55 التابعة للمنطقة العسكرية في طرابلس.
هذه المعلومات أدلى بها الناطق الرسمي باسم الغرفة الأمنية
المشتركة/طرابلس عصام النعاس للجزيرة نت، مؤكدا أنها كانت داخل أسوار
المعسكرات، ولا تخرج إلا بالتعليمات والأوامر العسكرية، عكس المليشيات التي
تتجاوز هذه التراتيب، على حد تعبيره. وأجرت الجزيرة نت
مقابلة هاتفية مع آمر كتيبة شهداء "أمواطين" الشريف بعيو وهو يغادر العاصمة
على رأس قوة عسكرية مكونة من 1500 سيارة وراجمة صواريخ بناء على تعليمات
المجلس المحلي بمصراتة ضمن اتفاق بين حكماء ليبيا على ضرورة مغادرة طرابلس
في أسرع وقت. وتحدث بعيو عن "مؤامرة" ضد مجموعته لإخراجهم
من طرابلس، مؤكدا أن ما جرى خلال مظاهرات الجمعة "فتنة مدبرة" لتفريغ
طرابلس من الثوار الحقيقيين. وسألت الجزيرة نت بعيو عن
أسباب انصياعه وكتيبته لمجلس محلي مدني، وليس لجهة عسكرية رسمية، فقال إن
ليبيا لا يوجد فيها جيش ولا رئاسة أركان، وإنه حتى خروجهم بالذخائر
والآليات جاء بناء على رغبة مجلس مصراتة المحلي، وإنهم خرجوا بعد أن أصبحوا
في نظر الشعب مجرد "مليشيات".
إذن التظاهر
وفي عودة لملابسات وقوع الأحداث الدامية يقول الصحفي المستقل عصام
الزبير للجزيرة نت إن المسؤولية عنها تقع بالدرجة الأولى على عاتق وزارة
الداخلية "لأنها منحت إذن التظاهر بدون توفير الحماية" مستغربا تصريحات
المسؤولين الليبيين عن مظاهرات مسلحة، وهو الذي خرج بنفسه مع المظاهرات من
المساجد عقب صلاة الجمعة الماضية برفقة الأطفال والنساء والشيوخ. كما
يلقي الزبير المسؤولية على وزارة الدفاع التي كان من المفترض أن تتدخل عقب
سقوط قتلى وجرحى، بالإضافة إلى انتقاده لغرفة الثوار التي يقولون إنها
مسؤولة عن تأمين طرابلس. لكن أخطر ما أشار له الزبير في
سياق الحديث هو ذيول مقتل المتظاهرين في طرابلس برصاص ثوار من مصراتة
وتفاعلات ذلك لدى السكان. فقال إن أهالي طرابلس قرروا مقاطعة منتجات مدينة
مصراتة. وأشار بالمقابل إلى أنه ليس من طباع أهل طرابلس
الاعتداء على الممتلكات الخاصة للمواطنين من أهل مصراتة، في تلميح على ما
يبدو إلى حادثة حرق محل نفذه شخص يحمل قاذفة آر بي جي ويطلق النار على
المواطنين ونشرت صوره على مواقع التواصل الاجتماعي.
القوة الناعمة
وفي قراءتها لنتائج التحرك السلمي الرافض للمليشيات في طرابلس
تقول الحقوقية أميرة الجريبي إن "القوة الناعمة" -في إشارة إلى العصيان
المدني- جاءت بنتيجتها، مؤكدة أن الدور الآن على بقية المليشيات المتواجدة
بالمدينة حتى لا يحسب التحرك ضد مدينة مصراتة فقط. وقالت
أيضا إن الشارع الطرابلسي محبط من غياب الدولة "حينما طالبنا بإخراج
المليشيات تمت شرعنتها بقرار إنشاء غرفة ثوار ليبيا وما جعل أهل طرابلس
السلميين يختارون مواجهتهم لوحدهم هو ما حدث". وترى أن طرابلس ستكون لبنة انطلاق الدولة وانتهاء عهد ما قالت إنه عهد "العربدة والتهديد" وهي فرصة أخيرة للخروج بليبيا من أزمتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق