الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

الحمروش لفبراير: قمت بفتح التحقيق في هيئة شؤون الجرحى

.الدكتورة فاطمة الحمروش في حوار صريح مع قبراير: 
قمت بفتح باب التحقيق والتدقيق في إدارة هيئة شؤون الجرحى
كثر الحديث في الآونة الأخيرة على قطاع الصحة في ليبيا خصوصاً فيما يتعلق بملف الجرحى والمصابين والعلاج بالخارج وفي هذا العدد نجري هذا الحوالي مع السيدة الدكتورة فاطمة عبدالله الحمروش وزيرة الصحة الليبية السابقة، والحمروش اختيرت لما تتمتع به من خبرة فهي أبصرت النور عام 1959 بمدينة بنغازي التي درست بمدارسها حتى التعليم الجامعي ففي سنة 1976 نالت الشهادة الثانوية بمدرسة خديجة الكبرى ثم نالت البكالريوس في الطب من جامعة العرب الطبية عام 1983 كما نالت دبلوم في طب العيون عام 1987، وفي عام 1999 نالت شهادة الزمالة للكلية الملكية لجراحي إدنبرا تخصص طب العيون، وهى تملك خبرة دولية في هذا المجال وكلفت بالعديد من الأعمال العامة والخاصة وهى تقيم في أيرلندا، والدها عبدالله الحمروش، رحمه الله، كان من أوائل السجناء السياسيين مما جعلها من القلّة المحصّنة ضد أي إغراء من طرف القذافي ونظامه، ولم تعلن انخراطها الرسمي في مجال المعارضة إلا عام 2008 بعد استقرارها في أيرلندا، فقامت بالتعاون مع مختلف الأطياف من المعارضين المستقلين، وأعضاء الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، والمؤتمر الوطني للمعارضة. كما قامت بكتابة عدد من البيانات للتنديد بالنظام وفضحه، إلى أن كلفت وزيرة للصحة الليبية في الحكومة الانتقالية منذ 26 نوفمبر 2012 وحتى 26 نوفمبر 2013، وهى تجيد اللغة الانجليزية والايطالية، ولقد أجريت معها هذا الحوار الذي نأمل من خلاله أن نرى قطاع الصحة والقضايا المتعلقة به بعينين صافيتين لاسيما وأن هذه الرؤية تخصص دقيق لضيفتنا.
بداية سيدة فاطمة الحمروش نرحب بك، وأنت تمرست في المجال الطبي خارج ليبيا وكانت لك اسهامات في المعارضة الليبية لنظام القذافي، كيف ترين ثورة فبراير منذ انطلاقتها وحتى الآن مروراً بالمرحلة الانتقالية، وبمعنى آخر هل تتوقعين هذا السيناريو الذي آلت إليه ليبيا؟
بداية أحييك ويسرني الإجابة على هذه الأسئلة بسم الله الرحمن الرحيم، بصفة عامة الثورات في العالم اجمع تحدث ضد انظمة الطغيان، وبالمثل فإن ثورة فبراير هي أيضاً نتاج طبيعي لنظام القمع الذي تعرّض له الشعب الليبي لما يزيد عن أربعين سنة. إن الثورة بدأت بإرادة شعبية وساندتها قوى دولية، وذلك بعد أن تأكد لها أن مصالحها قد أصبحت مهددة بين نظام لم تعد الثقة فيه ممكنة وشعب غاضب ناقم على كل من يصرّ على التعاون مع ذلك النظام. لا ينكر أحد دور هذه الدول في حماية الكثير من المدنيين خلال المراحل الأولى للثورة، ولكن علينا أن لا ننسى أيضاً أن دوافع تلك الدول لم تكن العامل الإنساني فقط، بل كانت ايضا لأجل حماية مصالحها في ليبيا. وعليه، فإن استمر التهديد لمصالحها بعد الثورة يُعتبر بالنسبة لها فشلا، ولا شك لدي أبدا أنها ستستمر في طريقها لتحقيق هذا الهدف، فإن لم يكن برضى الشعب الليبي وحكومته، فسيكون بعدمه، وخصوصا مع وجود كل الذرائع التي تعطي للمجتمع الدولي الحجج للتدخل، ومن أهمها قضايا انتهاك حقوق الإنسان في ليبيا التي أصبحت أحداثا يومية نصبح ونمسى عليها، كذلك انعدام الأمن، وعدم وجود رقابة حقيقية على الحدود بدليل استمرار الهجرة غير الشرعية من وإلى الأراضي الليبية عبر جميع المنافذ واستمرار تهريب السلاح والمخدرات والمعدات الطبية والأدوية بدون رقابة أو محاسبة، بل تحت سمع وبصر الجمارك ورعاية بعض العاملين بها، مما يهدد أمن المنطقة عامة وأوروبا خاصة. وبالطبع هذه فرصة سانحة لأعداء الثورة بضربها، وعليه يتوجب على جميع أبناء الشعب الليبي الحريصين على سيادة الدولة الليبية أن يكون كل منهم العين الساهرة والأذن الصاغية واليد العاملة على وقف هذه الأعمال المشينة التي تضر بأمننا القومي وسيادة دولتنا، بل حتى وجودها. أما بالنسبة لسؤالك ما إذا كنت أتوقع هذا السيناريو، فإجابتي عليه هي: لا، لم أتوقع أبداً أن أجد هذا التدني السلوكي لدى الكثيرين من أبناء شعبنا، وتوقعت ان يواصل الجميع التلاحم والتكاتف لأجل بناء ليبيا والحفاظ عليها وعلى خيراتها، إلا أني صُدِمتُ حقاً بالتناحر والتقاتل الذي شهدته، من الكثيرين سعيا وراء الدنيا، منهم باسم الثورة ومنهم باسم الدين، غير آبهين بدماء شهدائنا التي رووا بها تراب وطننا الغالي، رحمهم الله جميعا وجعل مثواهم جنات الخلد.
انت توليت مهام وزارة الصحة الليبية، وبمجرد انتهاء مهمتك حتى تعالت الأصوات المنتقدة لك وزملائك وتطاول النقد حتى وصل حد الاتهام ، كيف تردي على هؤلاء جميعاً؟
يا سيد، الأصوات المنتقدة لم تتعال بمجرد انتهاء مهمتي، بل الأصوات المنتقدة تعالت بمجرد ان ذُكِر إسمي وزيرة للصحة. بداية كان ذلك من بقايا النظام حيث أني كنت من المعارضين الجذريين له، ولكني كنت اكتب باسم مستعار ولم يتمكنوا من التعرف على هويتي الحقيقية إلا بعد الإعلان عن الثورة بتاريخ 15 فبراير في بنغازي، وقد كانت الحملة في البداية محصورة على عرقلة مساعي إغاثة التي كنت أترأسها من خلال المؤسسة الليبية الايرلندية للإغاثة، ثم من خلال موقعي كرئيسة للمكتب الصحي الليبي في إيرلندا، وقد صاحب ذلك عداء أيضاً من بعض الزملاء الذين أرادوا الركوب على أكتافه واكتاف العاملين بالمؤسسة، ووجدوا أننا كنا لهم بالمرصاد وتصدّينا لهم، فما كان منهم هم أيضاً إلا أن تولوا عملية مساندة بقايا النظام، منهم بدراية ومنهم بغير دراية، ثم تضاعفت هذه الحملة أضعافا مضاعفة بمجرد أن نطق السيد الكيب بإسمي كوزير للصحة بالحكومة الإنتقالية. كذلك، بعد أن بدأت مهمتي، أوقفت الكثير من العقود الفاسدة والمفسدة، رفضت التعامل مع الكثيرين من المفسدين، وأحلت الكثير من العقود إلى ديوان المحاسبة للمراجعة، فزاد هذا من حدّة الهجمة. تزامن هذا مع الفساد الذي حصل في هيئة شؤون الجرحى في إدارتها لملف الجرحى، وأود ان اشدد هنا على ان الهيئة لم تكن تتبع لوزارة الصحة بل كانت تتبع مباشرة إلى رئيس مجلس الوزراء وكان يترأسها السيد أشرف بن اسماعيل، وحين بدأ الجرحى في التذمر من عدم توفر العلاج المناسب لهم، إضافة إلى استغلال الكثيرين من المحتالين لهذا الملف للاستنفاع المادي من خلاله، تم توجيه اللوم على وزيرة الصحة ولم يكلّف أي من المسؤولين على الملف أنفسهم بالخروج للإعلام وإيضاح اللبس، بل كانوا سعداء حيث انه خُيٍّل لهم أنهم بهذا سيجعلوا منّي كبش فداء!! خلاصة القول، اضطررت للخروج للإعلام وإيضاح الحقيقة بنفسي، بل وافقت رئيس الوزراء على ان استلم الملف، وقد كانت نيتي أن أضع حدا للفساد المتعلق به وأن أسيره بالطريقة العلمية الصحيحة التي تكفل علاج أبنائنا وتحفظ مالنا وسمعتنا بين الدول، مع استثمار أموالنا داخل بلدنا لتحسين الخدمات الطبية وتطويرها. إلا ان نوايا المسؤولين عن الملف كانت فقط للتخلص من مسؤولية أخطائهم، واعتقدوا أنهم بمجرد تولّيّي له، سيكونون غير مسؤولين، وفوجؤوا برفضي لاستلام الهيئة المدانة والمفلسة والسيئة الإدارة، وإصراري على وقف عمل كل اللجان التي كانت تعمل تحت هذه الهيئة مع فتح باب التحقيق والتدقيق. هذا يعني أني أوقفت الملايين على الكثيرين.. ومن هنا قامت القيامة. أما ما قيل في حقي بعد خروجي من الوزارة فقد كان استمرارا لما تم البدء فيه منذ بداية عملي بها، ويهمني جداً ان أؤكد للجميع بأنه كان كله كذب، فلم يحدث أبدا أن قلت ما يسئ لليبيا وأهلها، بل على العكس، لم ولن يصدر مني سوى ما يُشرّف ويرفع الرأس والحمد لله، وأنا واثقة بأن لا احد يمكنه ان يجد لي تسجيلا واحدا أو لقاءً موثّقا به ما تم التقول عليّ بأني قد قلته. وأرد عليهم جميعا بقولي: ما بنى على باطل فهو باطل، وكل إناء بما فيه ينضح، وما يضيع حق وراءه مطالب!
ما هي أبرز الصعوبات التي كانت تواجهك اثناء عملك كوزيرة؟
أبرز الصعوبات التي كانت تواجهني أثناء عملي كوزيرة كانت نقص الكفاءات ونقص الأخلاقيات المهنية، إضافة إلى نقص الأمن، مما أثر على سير الخدمات والمشاريع التي أردنا تنفيذها.
تحدثت في تصريح نشر عبر الانترنت عن صورة قاتمة للصحة وكنت شاهد عيان عليها اثناء توليك مهام الوزارة وطالبت من يملك بقية الفسيفساء أن يتحلوا بالأمانة ويدلوا بما لديهم ليكملوا الفراغات ولتكتمل الصورة أمام الليبيين، في رأيك من أبرز هؤلاء الذين لديهم ما يدلون به من معلومات، وما الدافع وراء سكوتهم؟
نعم قلت ذلك، وما زلت مقتنعة به، أبرز هؤلاء هم زملائي الوزراء في الحكومة الإنتقالية، رئيس وأعضاء المجلس الإنتقالي، رئيس وأعضاء المؤتمر الوطني، رؤساء المجالس المحلية والمنسقين الصحيين بها، مديرو المستشفيات والنزهاء من العاملين بالوزارات جميعا.
هل تخشى السيدة فاطمة الحمروش من المحاسبة أمام الليبيين؟
أبداً، ليس لدي ما أخشاه والحمد لله، بل على العكس، أطالب بمحاسبة كل مسؤول للوصول إلى جذور مشاكلنا التي نواجهها، فحسب رأيي المسؤول هو أيضاً جزء من الكل، وهو مركز المعلومات التي تتشعب منها طرق المحاسبة للآخرين لأجل الوصول إلى الحقائق كاملة، وقد فعلت ذلك في ملف الجرحى وطلبت من ديوان المحاسبة بأن يبدأ بي حتى يرى الصورة كاملة. لا أعني اتهام المسؤولين بالفساد ولكن التبين لمعرفة مستوى أدائهم الوظيفي، وحتى تتضح الحقائق وينتهي اللغط غير المسؤول من الكثيرين.
هناك حوالي 68 مركزاً صحياً وهمياً تم اكتشافها في ليبيا ، فما هو الإجراء الذي اتخذتيه حيال هذه القضية؟
إن قصة هذا الموضوع عجيبة غريبة، فقد تم اكتشافها خلال المسح الذي أجريناه على المستشفيات والمرافق الصحية بليبيا لتقييمه بعد الحرب، وقد بدأنا في ذلك في يناير 2012 وأنهيناه بنهاية مارس 2012، ولكن تم إتمام التقرير وتقديمه لي بنهاية شهر خمسة (مايو) 2012. لفت نظري خلال التقديم رسم بياني به رقم 3 % بدون شرح، فسألت عن ذلك الرقم لتأتي (نبي الإجابة بأنها مرافق وهمية!) طلبت حينها من الإدارات المختصة بالوزارة أن تتأكد لي من هذه المعلومة، ولكن لكثرة انشغالي كنت لا أتذكرها إلا من حين إلى آخر، ولم يأتني أي رد. وهنا شعرت بأن الأمر متعمّد، بانتظار خروجي من الوزارة ليتم إخفاء المعلومة عن الوزير الجديد وليستمر الموضوع كما كان. خلال إعدادي للتقارير للتسليم والاستلام، سألت هل من جديد عن الموضوع، فكان الرد بأن هذه المرافق قديمة وأنه قد تبيّن وجود ميزانية مستمرّة لها حتى بعد الثورة وحتى خلال فترتي الوزارية!!! أصررت على أن تأتيني الميزانية المخصصة مفصّلة مع مواقع هذه المرافق. ولكن لم يصلني شئ إلى أن أتممت التقارير بمنتصف شهر نوفمبر 2012، وقد كان الجميع يراهن على أني لن أكون بالوزارة حينها بولا تأخر السيد زيدان في تشكيل حكومته. أذكر أني فرضت على الموظفين بالشؤون المالية والإدارية بالوزارة أن يقوموا بفتح الوزارة تلك الليلة عند منتصف الليل، وأعلمتهم بأن لا أحد منا سينام تلك الليلة قبل أن تأتيني التقارير!!! وبالفعل كانت لدي عند الساعة الثانية صباحاً. قمت على الفور في الصباح التالي بكتابة رسالة بخصوصها وأرفقتها مع بقية التقارير، وأصدرت منها 240 نسخة، تم توزيعها على رئيس الوزراء الجديد ونوابه ووزير الصحة الجديد ورئيس المؤتمر ونوابه ولجان الجرحى والصحة بالمؤتمر، وديوان المحاسبة ورئيس المخابرات و64 رئيس مجلس محلّي ومنسق صحي، وبعض وسائل الإعلام أيضاً. بعد يومين تمت عملية التسليم والاستلام بين الحكومتين وتركت الأمر للحكومة الجديدة وللمسؤولين الذين تولوا المهام من بعدنا لاستكمال الإجراءات اللازمة بالخصوص.
اليوم تعالت الأصوات بسحب الثقة من حكومة زيدان، في رأيك هل سحب الثقة الآن في صالح الليبيين؟
عندما لا تتفق فئة مؤثّرة من السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية إلى درجة يستحيل فيها التعامل بين الطرفين، يصبح من البديهي أن تتعثر العملية السياسية بالدولة، وبالتالي يظل لزاما، لأجل الصالح العام، أن يُراجع كلاهما سياساته وتصريحاته وممارساته لسلطته، حتى يتسنّى له التصرّف بالكيفية التي تضمن سلامة كيان الدولة وحقوق المواطن، وهي المهمة الأولى الموكلة لكلا الطرفين من تولّيهما لسلطتيهما. أما حينما يصل الأمر إلى درجة استحالة مناخ العمل وتبادل كيل سيولٍ من الاتهامات تتحوٌل معها الحكومة والمؤتمر إلى ساحات قتالٍ يُستباح فيها الوطن برِمّته، ويستحيل معها تسيير الدولة، يصبح واجبا وطنيا، علينا جميعا، أن نعيد النظر في أسس عملية تولّي كلتا السلطتين للمسؤولية التي أنيطت لهم، وأن نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، حقنا للدماء ووفاءً للشهداء واحتراما للتضحيات. إن المرحلة التي يمر بها الوطن هي مرحلة حاسمة من تاريخ ليبيا، يُقرَّرُ فيها مصير وطن وشعب، ويستوجب فيها الكثير من الحكمة وحسن التدبير، إن هذه ليست دعوة للتمرّد، بل هي دعوة إلى كلتا السلطتين لتحكيم العقل وإيثار مصلحة الوطن، والجلوس على طاولة واحدة لمراجعة حساباتهما، بهدف الخروج ببرنامجٍ أو خطةٍ مشتركةٍ تكفل تسيير ما تبقّى من الزمن المحدد لكليهما، بما يخدم الوطن والمواطن، وليتركوا خلفهم أثراً يُشكروا عليه، فلا دوام إلا لله، والتاريخ لا يرحم. والله المستعان.
مقارنة بين حكومة الكيب وحكومة زيدان أيهما أكثر حظاً من حيث الظروف والإمكانيات؟
الحقيقة افضل استخدام لفظ الحكومة الانتقالية بدلا من حكومة الكيب، والحكومة المؤقتة بدلا من حكومة زيدان. لقد استلمت الحكومة الانتقالية برئاسة السيد الكيب، زمام الأمور بعد الثورة مباشرةً، وكانت جميع المؤسسات الحكومية منهارة، ولم يكن بليبيا ميزانية أو حتى خطة للميزانية، وقد عملنا في غالبية الوزارات بجد ليلا نهارا لننجز خلال سنة تقريبا عمل ثلاث سنوات على الأقل، ورغم تأخر الميزانية، فالأبواب الاول والثاني والرابع تم اعتمادها في منتصف شهر مارس بينما الباب الثالث اعتمد في شهر يونيو (6)، ولكننا استخدمنا ميزانية الطوارئ الصيانات وتسيير المرافق على مستوى جميع الوزارات إضافة إلى التعامل السليم والناجح مع مل المختنق والتي واجهتنا واذكر منها على سبيل المثال الاشتباكات التي كانت تحصل في عدة مناطق، وبمجرد ان تم اعتماد الميزانية كانت جميع برامجها جاهزة للتنفيذ. واجهتنا صعوبات بسبب البيروقراطية وبسبب استمرار قوانين وتشريعات نظام القذافي، إضافة إلى تردد رئيس الوزراء في اتخاذ بعض القرارات الهامة، ولكن مع كل هذا اعتبر ان الحكومة الانتقالية (حكومة الكيب) كانت انجح حكومة تولت زمام الأمور في ليبيا رغم قصر عمرها. حين سلّمنا للحكومة المؤقتة، واتحدّث هنا عن وزارة الصحة بالتحديد، فلست اعلم بما جرى مع الوزارات الأخرى رجعتم أني أتوقع أنها قامت بالمثل، قمنا بتسليم ملفات كثيرة بها ما تم من أعمال خلال المرحلة الانتقالية، المشاكل، الحلول، وكذلك عدد كبير من المشروعات التي تم الشروع في استكمالها، إضافةً إلى ترحيل ما تبقى من ميزانية التحول لعام 2012، إلى عام 2013 حتى يستكمل بها ما تم التعاقد عليه خلال سنة 2012 ولم يتسع وقت لتنفيذه بسبب تأخر الميزانية. وعليه فإن الحكومة المؤقتة (حكومة زيدان) بدأت بداية افضل من الحكومة الانتقالية، إذ وجدت أساسا تبدأ منه، إلا أن انعدام الأمن وسوء أداء المؤتمر، كان لهما دوراً كبيراً في عرقلة عمل الحكومة وإضعاف أدائها.
هل الإعلام الليبي والعربي ساهم في عرقلة عمل الحكومة الليبية سواء السابقة أو الحالية؟
بالتأكيد الإعلام الليبي ساهم وبشكل كبير جداً في بث سموم الفتنة والإشاعات، وأعتبره مسؤولا مسؤولية كبيرة عن هز ثقة المواطن بالحكومة وتظليل الرأي العام، وللأسف فقط تم استغلال الكثير من الإعلاميين الناشئين في تحقيق برامجا كثيرة لخدمة أجندات خاصة ومنها حتى المعادية للثورة، على حساب الصالح العام.
هناك من يقول أن ضعف الوزراء سببه وكلاء ومديرون في الوزارات يعملون ضد الحكومة وفق مصالحهم الخاصة؟
هذا صحيح، ولكنه لا ينطبق عليهم جميعا بالطبع، إلا أني اشدد أيضاً على سببٍ آخرا لا يجب أن ننساه، وهو الموظفين الصغار، فهؤلاء جزء منهم يعمل لخدمة من يدفع له أكثر، ولا تهمهم مصلحة الوطن بقدر ما تهمهم جيوبهم للأسف الشديد، ويكفي ان يخفي أحدهم رسالة أو قرار فينتهي أمرها ولا يتم إنجاز ما كان الوزير يعتقد انه قد تم بمجرد صدورها من طرفه، ضف إلى ذلك ثقافة الرشاوي وتفضيل الأقارب والأصدقاء بدون النظر إلى كفاءاتهم، الأمر الذي يجعل من شهادة الكثير من المسؤولين بكفاءة موظف ما، خالية من المصداقية، وتترتب عليها تعيين أشخاص غير مناسبين في وظائف يقرر بها مصير الدولة!
في رأيك ما هى نقطة ضعف حكومة زيدان؟
اعتقد ان السيد زيدان حين بدأ حكومته، كان معتمدا على قوة السيد محمود جبريل وتأثيره وعلى قوة حزب التحالف، ولكنه فوجئ بعد ان حصلت محاصرة الوزارات بأنه كان مخطئا، وللأسف تسبب هذا في هز مصداقيته أمام الكثيرين وخصوصا بعد أن فُرِضت عليه أموراً كان يتوقع هو بنفسه انه لن يرضى بها. ولكن الموضوع الأكبر حساسية هو الموضوع الأمني، وهي نقطة ضعف ليست في حكومة السيد زيدان فقط، بل في المرحلة بعد التحرير بكاملها إلى يومنا هذا، وما دام السلاح بيد الجميع، فلن تنعم ليبيا بالأمان إلى أن توجد طريقة علمية وعملية لسحبه، مع توفر جيش وشرطة وجمارك وموظفين بالدولة بكاملها، ولائهم للوطن وليس للفرد، ويؤثرون الصالح العام على المصلحة الخاصة. ولا ننسى أننا بدون دستور لا يمكننا أن نراجع قوانيننا ونعدّلها بما يكفل الشرعية الدستورية بدلا من الشرعية الثورية التي استبدلها القذافي بالشرعية الدستورية والتي لا نزال نسير بها إلى الآن! هذا يتطلّب أيضاً تطهير القضاء، فالعدل أساس الملك، ودولة بقضاء مشكوك في نزاهة بعض عناصره، تظل دولة مشكوك في عدلها.
اثناء عملكم في حكومة الكيب هل تعرضتم لتدخلات غير قانونية في عملكم من قبل المؤتمر الوطني؟
لقد حاولت لجنة الصحة بالمؤتمر التدخل في عملي، ولكن السيد مخزوم، النائب الثاني لرئيس المؤتمر انتبه لذلك وقام بمراسلتنا رسميا بأنه لا يجوز للجان المؤتمر الاتصال المباشر بالوزارات بدون مراسلة من رئاسة المؤتمر، ولكني لا أنسى ان لجنة الصحة لم تكن لي سند خلال الوزارة بل كانت تتصرف كمحقق لديه حكم إدانة مسبق، ويسعى لإثباته!!
ملف الجرحى والمصابين ما الذي تركه في نفسك ، لأن هناك انتقادات وجهت للوزارة وايضاً للمواطن الليبي وكذلك للجان التي عملت تحت إشرافكم؟
كما أوضحت سابقا، ملف الجرحى لم يتبع لوزارة الصحة، بل كانت تتبع لرئيس الوزراء السيد الكيب ونائبه السيد بوشاقور مباشرة، إلا بعد انتهاء شهر يونيو، بل وحتى بعد ذلك الوقت لم تصلنا أي ميزانية له إلا في بداية سبتمبر 2012، وقد وصلت منقوصة حيث ان غالبيتها تم التصرف فيها من وزارة المالية مباشرة لسداد ديون الهيئة وبدون التشاور مع وزارة الصحة. ولكن المواطنين لم يكن لديهم علم بذلك وتم لوم الوزارة على الفساد الذي كان متصلا بها رغم عدم مسؤولية الوزارة على ذلك بأي شكل من الأشكال، بل أني، بعد ان قبلت الملف، كنت أنا من قمت بفتح باب التحقيق والتدقيق في إدارة الهيئة.
وأخيراً لو عرض عليك العمل في أي وزارة في الفترة القادمة فهل توافقين بعد تجربتك السابقة ولماذا؟
لو عُرِض عليّ العمل في أي وزارة في الفترة القادمة ستكون لدي شروط مسبقة لابد من توافرها حتى أتمكن من أداء العمل المطلوب مني، ولكن على رأسها وجود قانون قابل للتطبيق وأداة قادرة على تطبيقه، وأشكرك مرة أخرى وحفظ الله ليبيا.
المصدر: صحيفة فبراير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق