وفي هذه الحلقة استعادة لجذور معاناة سكان المدينة التي اتهمت
بالانتماء كليا إلى كتائب نظام القذافي التي حاصرت وهاجمت بوحشية غير
مسبوقة مدينة مصراته وأهلها، فقتلت واعتقلت وعذبت ونهبت واغتصبت الحرائر من
بنات المدينة الصامدة. شهادات المصراتيين لا تترك مجالا
للشك في وحشية المهاجمين، ومشاهد الدمار التي تنقله كاميرا المخرج
باحترافية وانسيابية رائعة تشهد على مرور الكتائب من هناك بشكل حوّل
المدينة إلى متحف حي لتخليد ملحمة مصراته. أبناء تاورغاء
عرفوا بالاعتماد كليا على مصراته لتأمين احتياجاتهم اليومية المعيشية..
عاشوا نوعا من القهر الاجتماعي، وهو ما قد يفسر انخراط جزء من أبنائها في
الكتائب النظامية.. هم الآن مهجرون داخل ليبيا وممنوعون من العودة إلى
مدينتهم مخافة التعرض للانتقام، ولم تفلح مساعي العقلاء ووجهاء المنطقة من
إصلاح ذات البين وطي صفحة الماضي الأليم, فصارت تاورغاء شتاتا في مخيمات
داخل البلاد ورديفا للمطاردة والنبذ.
يعايش الفيلم مأساة نازحي تاورغاء ويستعيد مأساة أبناء مصراته في
ظل مؤسسات دولة غائبة تكتفي بالتنظير للمصالحة الوطنية وتقصّي الحقائق
والعدالة الانتقالية دون أثر فعلي على الأرض. وحدهم بعض
الناشطين المنتمين لتاورغاء الذين شاركوا في الثورة، يواصلون الجهد بتوثيق
معاناة أبناء بلدتهم الموزعين بين مخيمات النزوح التي لا تسلم من التعرض
لهجمات مسلحة كما المسيرات السلمية للنازحين.
الطريق إلى تاورغاء لا يقاس بالمسافة ولا بالزمن، بل بخطوات بناء الدولة والمجتمع الجديدين في ليبيا، وهو طريق يبدو طويلا جدا. في
حلقة "الطريق إلى تاورغاء" من برنامج "تحت المجهر" معالجة فنية حميمية
لموضوع شائك ومؤلم، جمعت بين الوثيقة التاريخية والشهادة الحية والصورة
الفنية المبدعة البعيدة عن التبئيس فنا وموضوعا.
المصدر:الجزيرة.نت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق