وليد خدوري:
ارتفعت أسعار نفط خام «برنت» الأسبوع الماضي إلى حوالى 117 دولاراً
للبرميل، ما زاد الأسعار حوالى ستة دولارات تقريباً خلال أسبوع واحد، بحجة
خطورة الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط، خصوصاً احتمال شن حرب على سورية.
لكن، ومعروف أن سورية ليست من الدول المصدرة الكبرى، إلا أن الخوف الأساس
يرتكز على انعكاسات الحرب المحتملة على أوضاع المنطقة عموماً، واحتمال نشوب
تفجيرات واضطرابات في الدول المجاورة.
حقيقة الأمر أن الشرق الأوسط يشهد مشاكل عدة في صناعاته النفطية،
بعضها ناتج عن غياب مؤسسات قوية للدولة أو غياب وفاق سياسي ضمن الفئات
الحاكمة - وهذا الوضع ينطبق على العراق، حيث يواجه صعوبات جمة في زيادة
طاقته الإنتاجية النفطية إلى المستويات المتوقعة، فحصل عجز كبير في موازنة
العام الحالي، كما يحصل في ليبيا، حيث أخذت الميليشيات المسلحة توقف
الإنتاج من الحقول والتصدير من الموانئ. بل إن بعضها اتصل بشركات نفط
عالمية عارضاً بيعها النفط مباشرة لحسابه الخاص في السوق السوداء. وقد أدى
الانخفاض الحاد في إمدادات النفط الليبي إلى زيادة كبيرة في الأسعار.
يمكن أن يعزى ارتفاع أسعار النفط الخام إلى ثلاثة عوامل، أولها
احتمال كبير لشن هجوم على سورية، ثم انخفاض مستوى الإنتاج الليبي حوالى
مليون برميل يومياً عن الطاقة الإنتاجية للبلاد، وهو العامل الأهم أثراً في
المدى القصير على ارتفاع الأسعار العالمية. والاحتمال الثالث هو توسع رقعة
القلاقل والإرهاب في دول الشرق الأوسط نتيجة الحرب السورية، ما قد يؤثر في
تدفقات إمدادات النفط الخام.
شاركت في الثورة الليبية ضد نظام القذافي، مجموعات سياسية متعددة
ومختلفة المشارب والهويات السياسية، فمنها الإصلاحي، ومنها ميليشيات
إسلامية مسلحة، و «الإخوان المسلمون»، إضافة إلى قوى مناطقية وعشائرية. كما
كانت هناك نزاعات علنية وواضحة منذ البداية ما بين القبائل المختلفة. وخيم
على البلاد منذ إزاحة القذافي في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، جو سياسي
متشنج اتسم بالعنف من ناحية وبمحاولات مستمرة ما بين الثوار إلى إقصاء
واحدهم الآخر، من أجل الاستئثار بالحكم. وكما هو متوقع انعكس هذا الجو
السياسي المضطرب على الصناعة النفطية، كما بقية القطاعات الاقتصادية في
البلاد.
بدأت انقطاعات الإمدادت الليبية منذ كانون الأول (ديسمبر) 2012،
حيث توقف الإنتاج من حقل شرارة (حوالى 340 ألف برميل يومياً)، إضافة إلى
العقبات التي واجهتها موانئ زويتينة وراس لانوف، ما أدى إلى نقصان محدود في
الإنتاج في بادئ الأمر. يذكر أن الكادر الوطني الليبي من مهندسين وعمال في
مؤسسة النفط االوطنية الليبية، استطاع مباشرة بعد نجاح الثورة، إعادة معدل
الإنتاج إلى مستوى الطاقة الإنتاجية البالغ حوالى 1.6 مليون برميل يومياً،
على رغم انسحاب كل شركات النفط الأجنبية أثناء الثورة خوفاً على سلامة
موظفيها وعدم عودتهم حتى وقت لاحق بعد نجاح الثورة والتأكد من الوضع
الأمني.
إلا أن الاعتصامات والاحتلالات للحقول وموانئ التصدير تزايدت
أخيراً، ما أثر سلباً في العمليات البترولية حيث انخفض الإنتاج إلى 1.37
مليون برميل يومياً خلال الربع الأول من السنة. ومع سيطرة المليشيات في
الأشهر الأخيرة، انخفض الإنتاج إلى 1.2 مليون برميل يومياً. وتدهورت الأمور
تدريجاً حيث أغلقت الاعتصامات في ميناء راس لانوف ومصفاته عمليات التصدير
والإنتاج في هذه المنطقة الصناعية الحيوية. أما الأسباب الحقيقية
للاعتصامات والاحتلال فهي فقدان الأمن في البلاد والخلافات العميقة ما بين
الفئات الحاكمة التي تفتح المجال للفوضى واستغلال الظروف لهذا الطرف أو
ذاك، خصوصاً إذا كان مسلحاً، أو مدعوماً من أطراف سياسية لها نفوذ في
النظام الحالي. وهذه الفوضى ليست محصورة بليبيا فقط، بل يعاني منها العراق
أيضاً، وما يخيف أكثر أنها بدأت تنتشر في دول المنطقة، مع توسع الاضطرابات
السياسية الإقليمية.
في ليبيا مثلاً، أغلقت الميليشيات خلال الأسبوع الماضي أنابيب
النفط من حقلي الشرارة والفيل في جنوب البلاد، ومنعت إيصال النفط الخام إلى
الموانئ. وتبلغ طاقة الحقلين الإنتاجية حوالى 500 ألف برميل يومياً (أي
حوالى ثلث الطاقة الإنتاجية للبلاد). كما منع عمال النفط بمساندة
الميليشيات تصدير النفط من ميناء مرسى البريقة لمدة شهر تقريباً (من نهاية
تموز/ يوليو إلى أواخر آب/ أغسطس). وانخفض الإنتاج أخيراً عن نصف الطاقة
الإنتاجية للبلاد.
تشكل الاضطرابات العمالية في ليبيا انعكاساً لوضع قلق واسع لم
يستطع النظام التعامل معه منذ إطاحة نظام القذافي. كما تشكل التحركات
العمالية من ناحية، ومن ناحية أخرى تصرفات الميليشيات، مثالاً صارخاً على
عجز الحكومة عن ضبط الأمن. ويشير آخر المعلومات إلى انخفاض إنتاج ليبيا من
النفط الخام إلى حوالى 650 ألف برميل يومياً، مقارنة بحوالى 1.4 مليون
برميل يومياً في تموز. أما مخاوف الأسواق فتتركز في استمرار تراجع الإنتاج.
وقد دفع النزاع مع المليشيات إلى تهديد الحكومة بإطلاق النار على الناقلات
التي تحاول تحميل النفط في السوق السوداء، والذي تم بيعه من قبل
المليشيات.
ما يخيف أكثر هو أن يتحول هذا النزاع «النفطي» بين الحكومة
والميليشيات، إلى نزاع مفتوح ومستمر يؤثر سلباً في اقتصاد البلاد من خلال
تمكن الميليشيات من وضع يدها على مصدر مالي ضخم وحرمان الخزينة منه. لكن،
كيف ستستفيد الميليشيات من ملايين الدولارات هذه؟ طبعاً، كي تتمكن
المجموعات المسلحة من بيع النفط لشركات عالمية، ستحتاج إلى وسطاء لهم خبرة
في تسويق النفط. وهؤلاء سيحصلون على نسب لا يستهان بها في هذه الأحوال. كما
أن الميليشيات تعمل مع مجموعات مسلحة كبيرة داخل ليبيا وخارجها. ووضع اليد
بهذه الطريقة يؤدي إلى زيادة الموارد المالية لميليشيات إرهابية وظلامية،
ما يساعدها في توسيع أعمالها الدموية في بلدان عدة. كما أن توقف الإنتاج أو
نقصه يحرم الخزينة الليبية من مئات الملايين من الدولارات في وقت ازدادت
تطلعات المواطنين إلى مساندة أكثر من الدولة لحاجاتهم.
المصدر: الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق