إنجاز
أشبه بالإعجاز ذلك الذي حققه المنتخب الليبي بالتصفيات الأفريقية المؤهلة
لكأس العالم 2014 في البرازيل، ليس فقط لكون فرسان المتوسط نجحوا في تصدر
مجموعتهم قبل جولة واحدة من النهاية، ولا حتى لأنهم باتوا أقرب إلى بلوغ
المونديال من أي وقت متى، لكن لأن الصعوبات التي واجههوها والتي كانت من
شأنها أن تقتل طموحات أي منتخب في العالم مهما كان اسمه لم تكن عائقاً
أمامهم في تحقيق مرادهم. فأجواء كرة القدم التي لم تتوفر
لليبيين منذ بدء التصفيات ومعاناتهم من اللعب والتدرب داخل ميدانهم، وتوقف
النشاط الرياضي في ليبيا أسباب كانت يمكنها أن تكون منطقية لخروج مبكر
توقعه جميع المتتبعين مقارنة بمجموعة كانت تضم إلى جانب الليبيين ثلاثة من
عمالقة القارة السمراء، ويتعلق الأمر بالكاميرون والتوجو والكونغو .
أحفاد المختار تحدوا كل شيء وجعلوا من حلم بلوغ
المونديال حقيقة باتوا على بعد خطوة في سبيل تحقيقها، واليوم تُبرهن
نتائجهم المبهرة التي حققوها طيلة مرحلة التصفيات على أنهم بالفعل الحصان
الأسود القادم وبقوة نحو عرش القارة السمراء.
ومع كامل احترامي لثلاث منتخبات العربية ضمن منهم
الثنائي مصر والجزائر بلوغ الدور التصفوي الأخير إضافة إلى تونس التي
اقتربت كثيرا، فإنني وبكل يقين أؤكد لو أن أحدهم وقع في مجموعة كتلك التي
اصطدم بها فرسان المتوسط لوجدوا صعوبات كبيرة وكبيرة جداً في التأهل للدور
الأخير برغم أن ظروفهم جميعاً كانت أفضل بكل المقاييس من شقيقهم الليبي
سواء على مستوى المناخ العام المحيط بكرتهم أو على مستوى المنتخبات التي
نازلوها في طريقهم بالتصفيات.
أربيش عاشق بلاده
نجح الناخب الوطني الليبي عبد الحفيظ أربيش في قيادة
بلاده لتحقيق إنجاز تاريخي ودللت نتائجه في مجموعته على ذلك فالمنتخب
الليبي يعد من المنتخبات القلائل على مستوى عموم تصفيات المونديال بقارات
العالم أجمع التي جمعت نقاطاً من خمس مراحل خاضتها في التصفيات دون أن
يُسجل هزيمة واحدة حتى الآن ، وبرغم كل هذا فمازال الحديث من بعض الهواة
المعنيين بكرة القدم الليبية عن تسريحه والاستعانة بخيار أجنبي روتيني وكأن
الأجنبي مهما بلغ من مهارات فنية تدريبية عالية يمكنه فعل أكثر مما فعله
أربيش.
الأمر وبكل بساطة يُجسد المعاناة التي يعيشها أي مدرب
وطني عربي داخل بلاده فمن قال لا كرامة لنبي في وطنه لم يكن مخطئاً بل نحن
الذين لم نكن على مستوى الوعي لإدراك المعنى الحقيقي لتلك الحكمة، وبكل ثقة
وموضوعية أؤكد أن أربيش سيكون واحداً من أعظم المدربين العرب حتى وإن غدر
به أهل طنه، ويكفيه ما حققه غاية الآن وتصدره مجموعة ضمت ثلاثة من عمالقة
القارة السمراء في ظروف قهرية آلت به إلى اللعب خارج حدود وطنه في بداية
مرحلة الذهاب أمام العملاق الكاميروني ورغم ذلك استطاع أن يفوز بالأراضي
التونسية ضارباً بعرض الحائط كل التوقعات وخارقاً كل الأعراف لمثل هكذا
مواجهات، كان ذلك قبيل أن يتمكن من الظفر بتعادلين هامين أمام التوجو
والكونغو خارج دياره، ثم يعود وفي أول مبارتين يخوضهما المنتخب الليبي على
أراضيه منذ قيام الثورة الليبية يُحقق أربعة نقاط بواقع تعادل مُطعم بالفوز
وانتصار بعزيمة الرجال، شيء ولا أروع. أربيش الذي شكل
تشكيلة واعدة من اللاعبين في ظل توقف نشاط كروي في ليبيا جمع من خلالها بين
عناصر شبابية وأولمبية وعناصر الخبرة استطاع أن يعد جيلاً تصاعدياً من
اللاعبين لو أن ليبيا بآسرها حلمت به ما كانت لأن تتوقع أن يصبح على تلك
الشاكلة .
بكل الوفاء والإخلاص عمل أربيش دون أن يبالي بأية معوقات
ودون أن يكثر من حجج كانت كافية لالتماس العذر له ، ولم يهتم بالأنباء
التي طالت سمعته من احتمالات تسريحه لحساب مدربي العملة الصعبة ، فعمل
واجتهد وحقق ما أراد ووفقه الله بقدر محبته لبلاده وهاهو الآن يحصد ثمار
تعبه وشقائه طوال فترة عصيبة تولى خلالها المسئولية. الناخب
الوطني الذي بلغ في عهده المنتخب الليبي نهائي كأس العرب بالسعودية للمرة
الأولى بتاريخه وسطر إنجاز إضافي لمسيرته مع المنتخب الليبي بنتائجه
الإعجازية في تصفيات أفريقيا المونديال يستحق وبدون منازع لقب المدرب
الأفضل في القارة السمراء، من واقع النتائج أتحدث ومقارنة بالظروف القهرية
جاء ترشيحي .
كفاكم الاحترام يا أحفاد المختار
بلوغ الدور التصفوي الأخير للمونديال سيكون حقاً بمثابة
الإعجاز لليبيين لكنه وإن لم يرد الله تحقيقه فكفى الليبيون تعاطف الملايين
من أبناء عروبتهم واحترام الملايين من أبناء قاراتهم ، والإنجاز الحقيقي
الذي سيفخر به كل ليبي وسيتحاكى به تاريخ كرة القدم الليبية أن أحفاد ذات
يوماً أثبتوا للعالم أجمع أنهم رجال لم تعوقهم الأزمات والمشكلات نحو تسطير
تاريخهم بأيديهم.
المصدر: محمود علي-goal.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق