الاثنين، 29 أبريل 2013

#ليبيا تكسر عزلتها لـ / محمد مصراتي

3022

من مهرجان الثقافة في بنغازي قبل أيام (أ ف ب)

بعد انهيار نظام كان يكبّل النخبة المثقفة ويستعين بلجان تابعة له في السيطرة على كل الملتقيات والوسائل الثقافية، انفجرت مع اندلاع الثورة في ليبيا عدة دور نشر خاصة وحركات وجمعيات ثقافية مهتمة بالكتاب، إضافة إلى العديد من الأسماء الجديدة التي شقت طريقها في عالم القصة القصيرة أو حتى في الرواية.
كانت تطفو على مشهد السرد الليبي قبل الثورة، العديد من المبالغات في اللغة. كما كان شائعاً التحايل على الكلمات واستخدامها للتمويه. يستعين الكاتب باستعاراتها الغنية لإدلاء سخطه على الواقع من دون إثارة شبهات أمنية حوله. لذلك نرى أن معظم الأعمال الإبداعية في ليبيا قبل العام 2011، لم تكن سوى استعراض لغوي يعبّر عن حالة الخوف والإحباط والتكبيل التي يعاني منها الكاتب الليبي. وحالة الخوف تلك ليست ناتجة عن القمع السياسي فحسب، بل كذلك من الضغط الذي يفرضه المجتمع حيال المواضيع التي تستفز الرأي العام، فالمجتمع الليبي فرض العديد من التابوهات التي يصعب كسرها أو تناولها في سياق أدبي وإبداعي.
كتب العديد من الكتّاب روايات تؤرخ لمرحلة القذافي قبيل فبراير 2011 تاركين مخطوطاتهم في الأدراج إلى حين حدوث تغيير ما في البلاد. بعد سقوط نظام القذافي، فاجأنا الروائي "صالح السنوسي" بنشر روايته "يوميات زمن الحشر"، متناولاً فيها عشرين عاماً من تاريخ نظام القذافي. عشرون عاماً كانت حافلة بالحروب الداخلية بين النظام من جهة وبين النخبة المثقفة من الطلاب والأساتذة اليساريين من جهة أخرى وشنقهم لاحقاً في الميادين العامة والساحات وصولاً إلى ظهور الجماعات الإسلامية المسلّحة ثم القضاء عليها أيضاً في مجزرة سجن أبو سليم. وقد قال السنوسي في لقاء صحافي إنه انتهى من كتابة الرواية في العام 2009، إلا أن نشرها في ذلك الحين "يعدّ انتحاراً وليس بطولة".
كما صدر مؤخراً عن دار ضفاف ودار الفرجاني، رواية "ازاتسي" للكاتب "مجاهد البوسيفي". وتعتبر هذه الرواية جديدة في طريقة سردها وعوالمها وشخوصها.  البوسيفي يقدّم للقارئ في روايته الأولى فرصة الولوج إلى جيل الثمانينات، وهي من أكثر المراحل صعوبة في تاريخ ليبيا تحت حكم القذافي. وقد كسّر البوسيفي في روايته العديد من التابوهات الاجتماعية وتحدّث عن المسكوت عنه. إضافة إلى تناوله الوضع الثقافي في الثمانينيات باعتباره عاشَ تلكَ الفترة كشاعر وصحفي حالم يريد أن يصنع تغييراً، ليسردَ بين صفحات الرواية العديد من التفاصيل السياسية وانعكاساتها الاجتماعية التي أدّت إلى تدمير جيل كامل من الشباب تلكَ الفترة.
ومن ضمن الروايات الأدبية التي تتناول المرحلة السابقة في ليبيا، ظهرَ أيضاً كاتبان جديدان في مجال "الإثارة والتشويق". فقد صدرت عن دار الروّاد في طرابلس روايتا "كاشان" لـ أحمد البخاري، و"الساحر" لـ نهلة العربي. وتعتمدُ رواية كاشان على التشويق في حكاية عدة شخصيات تجتمع من أجل تكوين خلية تستهدف تدمير كل الأماكن الحيوية في العاصمة الليبية لتبدأ بتعمير البلاد من جديد. وفي هذا السياق، نكتشف خفايا عوالم تلك الشخصيات والأسباب التي أدت بها إلى فقدان ثقتها في هذا العالم والإصرار على تغييره. وكذلك رواية الساحر لـ "نهلة العربي"، والتي اعتمدت فيها الكاتبة على تركيب حكاية وانتحال الأبطال لشخصيات تقودهم لمغامرات مشبوهة.
وعلى الصعيد التاريخي، صدرت عن دار الفرجاني رواية "الخديعة" لـ صلاح الحداد، وهي روايته الثانية بعد "ألسنة اللهب" الصادرة عن دار الغاوون. "الخديعة"، رواية تاريخية تتناول حقبة الصراع الليبي الأمريكي في القرن التاسع عشر. الصراع الذي أسقط أسطول فيلادلفيا على الشواطئ الليبية. ويتطرق صلاح الحداد في روايته إلى الجانب الاجتماعي في طرابلس، والعامل السياسي الذي يعكس نمطه على الواقع الاجتماعي في تلك الحقبة المغيّبة عن الأعمال الإبداعية على الرغم من أهميتها.
أما في مجال النشر الالكتروني، فقد قام الكاتب الشاب "محمد النعاس" بنشر روايته "إنسان" ويتناول فيها حكاية أحد جنود القذافي، تطوع لقتال الثوّار في مصراتة، وقد رصد في روايته تفاصيل حياة المقاتلين بالإضافة لمحاولة لفهم شخصية المتطوع في صفوف نظام الديكتاتور والأسباب، مستعيناً ببعض المذكرات، دوّنها الجنود عن يومياتهم.
العديد من الروايات الأخرى لكتّاب قديرين نشرت أيضاً منذ نهاية الحرب. إلا أن السؤال يبقى عما إذا كانت الرواية الليبية ستواكب الرواية العربية والعالمية أخيراً، بعد أربعة عقود من العزلة!
المدن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق