فيما يحدث على الساحة الليبية من تفاعل وحراك, قد تختلط
الأمور حتى تبلغ حدا من التشويش والضبابية يجعل مجال الرؤية محدودا قصيرا,
وهنا تتضارب التحاليل والتوقعات فتأتي الدلالات والأبعاد مشوشة أو غير
مقنعة أو فيها ما قد يفوق مستوى الفهم والإدراك بالمنظور المنطقي الطبيعي.
إن الوضع الأمني في ليبيا الآن تشوبه الكثير من التعقيدات مما يجعل مسألة
التحليل صعبة ومركبة, لكني أحاول وبتواضع تام ان أجد لنفسي مدخلا في تحليل
موضوع تفجير السفارة الفرنسية بطرابلس من حيث الأبعاد والدلالات والظروف
المصاحبة للحدث.
في نظري انه من وراء استهداف السفارة الفرنسية أطراف أحاول سردها فيما يلي:-
- إن استهداف السفارة الفرنسية قد يكون ورائه أطراف دولية ذات مصالح حقيقية في ليبيا, وبالتحديد تلك الدول التي شاركت في عملية الاطاحة بنظام القذافي, والهدف هو توجيه رسالة قوية مزدوجة الى كل من الشعب والحكومة. الى الشعب فحواها: قصور الحكومة وعدم قدرتها على ضبط الأمن مما يتطلب استعداد وتهيئة لقبول بدائل دولية تحت ستار قرارات مجلس الأمن والحماية الدولية السارية المفعول على ليبيا.! والى الحكومة فحواها: ضرورة اتخاذ خطوات سريعة ومؤثرة تتعلق بفرض الأمن والسيطرة على الأرض فعلا لا قولا وانه في حالة عجز الحكومة يكون الباب مفتوحا للاستعانة بقوات أجنبية لحفظ الأمن وإحكام السيطرة الأمنية على الأرض من خلال الإيعاز بتفعيل الفصل السابع من قرار مجلس الأمن 1973 المتعلق بليبيا و كل ذلك طبعا لتأمين مصالح الدول المعنية الاقتصادية والاستراتيجية.
- او ان عملية استهداف السفارة الفرنسية قد تكون بدعم داخلي من بعض الأطراف في الحكومة الليبية القائمة التي استشعرت عجز الحكومة على بسط سيطرتها الأمنية وبذلك يتسنى خلق الذرائع المناسبة للاستنجاد بالأجنبي لمواجهة الأمور وإقناع الآخرين بضرورات التدخل الأجنبي على المستويين الرسمي والشعبي, واستغلال ظروف ما يشبه الوصايا المفروضة على ليبيا بحكم قرارات مجلس الأمن ذات الشأن, ووجود الكثير من الانتهاكات في حقوق الإنسان في بعض المناطق من قبل ميليشيات مسلحة لا ضوابط إنسانية او قانونية تحكمها, فالحاجة ملحة لفرض الأمن بالقوة وكبح جماح تلك الميليشيات وهذا ليس ممكنا إلا بتدخل أجنبي.
- او ان عملية السفارة الفرنسية ربما يقف ورائها إطراف محلية ممن ينتمون الى بعض التشكيلات المسلحة التي ترفض الانضمام الى الداخلية او الدفاع بالمفهوم الحرفي الفني وتريد من ذلك إيصال رسالة للحكومة والشعب بأنه في عدم وجود مثل هذه التشكيلات سيكون الأمن مهددا وفي خطر مما يستوجب السماح ببقاء مثل تلك التشكيلات قائمة ويسندها في ذلك البعض من المتنفذين والمسئولين في الحكومة الليبية القائمة! ومن البعض من الأطراف الخارجية المستفيدة من الفوضى وعدم الاستقرار!
- او ان استهداف السفارة الفرنسية قد يكون من قبل بعض المؤيدين للنظام السابق الذين يحسون بأنهم على خلاف مع ثورة 17 فبراير وقد يكون دافعهم انتقاما او لإيصال رسالة للعالم والرأي العام الليبي بعدم رضاهم على سياسة الحكومة الليبية الحالية التي يعتبرونها صنيعة التدخل الأجنبي في الشأن الليبي أساسا.
ان ما قد يدعم ذلك القول من وجهة نظري في الحالات السابقة
مجتمعة هو توقيت الانفجار الذي كان في موعد مبكر مما يدل على نية الفاعل في
عدم إلحاق أضرار بشرية والاكتفاء فقط بالأضرار المادية لتبليغ الرسالة!
وهذا مؤشر على ان مرتكبي العمل لا تزال لديهم بعض من المشاعر الإنسانية
تثنيهم على تبني منهج الغاية تبرر الوسيلة الذي عادة تنتهجه بعض الجماعات
الإرهابية المتطرفة والمتجردة من الإنسانية.
وبخلاف الحالات السابقة مجتمعة, قد يكون من وراء تلك العملية
بعض الجماعات المتشددة ذات الصلة بالوضع في شمال مالي التي تصنف الدول
الغربية عدوا يجب محاربته وبالتالي تحاول ان تجد ضالتها في الانتقام مستغلة
الوضع الأمني الهش الذي تعيشه الدولة الليبية مما يسهل من عمليات الاختراق
ويساعدها على الوصول إلى أهدافها التي تصعب عليها كثيرا في مناطق أخرى
بحكم التحصينات الأمنية المشددة في الدول الأخرى.
ان ما سبق ذكره لايخرج عن كونه قراءات شخصية وتخمينات مرتبطة
بظروف المرحلة قد تصدق أحيانا وقد لا تصدق. لكن مهما كانت الأسباب والدوافع
لتلك العملية الإجرامية فان المتأثر الأكبر هو الشعب الليبي الذي سيعاني
تبعات ونتائج كل تلك الأعمال التخريبية على المستوى الأمني والوطني
والاجتماعي, لذلك يتوجب على الليبيين الانتباه والالتفات إلى وضعهم
الداخلي ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان لإعادة إحكام
السيطرة وضبط الأمور من جديد قبل ان يصبح ذلك من المستحيل وتتحول ليبيا لا
قدر الله إلى دولة “فاشلة” وفق التصنيف العالمي, تلك الدولة التي تنفلت
فيها الأمور بدرجة تنعدم فيها قدرة الحكومة على التحكم والسيطرة. ان قراءة
الأحداث بعقل وتبصر هو الطريق الأمثل لاتخاذ ما يلزم من قرارات وخطوات
كفيلة بمعالجة الأمور من مبدأ الاستفادة من الأحداث كدروس وتجارب لتخطيط
المستقبل. وفي الختام على الليبيين جميعا أن يصلًوا من اجل ليبيا ليحفظها
الله من ما هو أسوأ…آمـــيــــــــــن.
صحيفة عين ليبيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق