.
أحمد ناجي
تلجأ الدول القوية دائمًا إلى جعل شأنها
الداخلي والخارجي سلسلة واحدة لا ينقطع الاتصال بين حلقاتها، بحيث تُكسب
قوة إحداها الأخرى تعضيدًا ومزيدًا من القوة، ومن ثم تبقى الدولة قوية في
الداخل، مهابة مصونة في الخارج.
لكن ذلك الأمر يعد لدى بعض الدول حلمًا
بعيد المنال، أو رفاهية لا تستطيع إليها سبيلا، لاسيما إذا ما تناوبتها
الضربات السياسية والصراعات وتقاسمتها التشيع والتحزب، فضلاً عن انهيار
قواها الخارجية وفقدانها لأذرع تأثيرها وتسييرها لأحداث منطقتها وعالمها
المحيط، وللأسف هو واقع الحال في مصر في الوقت الراهن، حيث تشهد توترات
سياسية، ومعارك حزبية عنيفة بين أقطاب السياسة فيها.
من هؤلاء الرعايا، شباب مصر المتواجد حاليا
في دولة ليبيا "العربية الشقيقة"، الذي يجابه ظلمًا بينًا، بعد أن قاسى
ظلمًا وقهرًا داخليين، أجبراه على مغادرة وطنه، سعيًا خلف الرزق، وهربًا من
الفقر والبطالة.. ولأجل كل ذلك، وفي سبيله، فإنه يتعرض الآن لامتهان
الكرامة وضياع الحقوق، تحت مرأى ومسمع، بل وبمساعدة السفارة المصرية هناك،
حيث تتقاعس عن متابعة شئون شبابنا بالأراضي الليبية، وتغض الطرف عن
الانتهاكات التى يتعرضون لها.
وقد وصلت إلى "المشهد" استغاثات عديدة من
المصريين المحتجزين بليبيا، تكشف عن خطورة أوضاعهم، وعدم قدرتهم على الخروج
من المناطق المحتجزين بها، وهو ما يعرض حياتهم للخطر.
أحد هؤلاء المتحجزين، يدعى "جمعة رجب حسن"،
من قرية الناصرية مركز بني مزار بالمنيا، يعمل فى المعمار (حداد مسلح)،
طالب في اتصال هاتفي لـ "المشهد" من داخل مكان احتجازه بقرية "طاجورة" في
ليبيا، بضرورة تدخل الدكتور محمد مرسى - رئيس الجمهورية، وحكومة الدكتور
هشام قنديل للإفراج عنهم، موضحا أنهم يلاقون أسوأ معاملة في تاريخ البشرية،
حيث يتم احتجازهم طوال الليل والنهار داخل المسكن "الحوش"، من قبل بعض
الليبيين بالمنطقة، ولا يُسمح لهم بممارسة أعمالهم التي سافروا من أجلها.
ويسرد جمعة تفاصيل الاحتجاز قائلا: "بعض
البلطجية الليبيين يزعمون أنهم من ثوار ليبيا، ويهاجموننا ويسرقون أغراضنا
وأموالنا بحجة أننا دخلنا بلدهم بطرق غير شرعية، رغم كذب ادعائهم، ويزعمون
أيضًا وجود احتجاز ليبيين بمصر، وهو ما يجعلنا بحاجة إلى أن توضح السلطات
المصرية هذا الأمر وتنفيه".. ووجه "جمعة" حديثه إلى الرئيس محمد مرسي
قائلا: "منك لله.. ما كانش بيحصل فينا كده أيام مبارك.. أغيثونا يا
مصريين".
ويضيف المحتجز: "رغم زعم هؤلاء دخولنا
ليبيا بطرق غير شرعية، فقد كان الأولى إعادتنا إلى مصر لا احتجازنا، إلا أن
ما يطقلونه من شائعات بوجود محتجزين ليبيين بمصر، يمنحهم الذريعة في
بقائنا هنا كأننا رهائن، ويطالبون بعودة مواطنيهم المحتجزين بمصر مقابل
إخلاء سبيلنا!!
ويرى "جمعة" أن هذا الموقف يثبت بشكل قاطع
فقدان مصر مكانتها وريادتها التى كانت تتمتع بها بين البلدان العربية،
مؤكدا أنه سافر إلى ليبيا منذ أكثر من 8 سنوات، واعتاد الذهاب والعودة بين
البلدين طوال تلك الفترة دون أن يتعرض له أي ليبي أثناء فترة الرئيس السابق
حسني مبارك، ولم يظهر هذا التعامل إلا في عهد الرئيس محمد مرسي، وحمل
السلطات المصرية مسئولية ما يحدث للمصريين المحتجزيين بليبيا، خاصة وزارة
الخارجية.
ويضيف: "على مدار الـ30 عاما الماضية لم
ينصفنا أى سفير مصرى هناك، ولم يقم بحل أية مشكلة تتعلق بالعمالة المصرية
لدى ليبيا"، ويؤكد أنهم يحاولون منذ عدة أيام الاتصال بالسفارة المصرية فى
طرابلس، أو القنصلية فى بنى غازى، إلا أن أحدًا من البعثة الدبلوماسية لم
يتحرك لنجدتهم، وطالب السلطات المصرية بالتدخل للإفراج عنهم وترحيلهم إلى
مصر أو التدخُّل لدى السلطات الليبية لتمكينهم من العمل هناك بعد إطلاق
سراحهم.
ويؤكد "جمعة" أيضًا خلال اتصاله أن هناك
مجموعة تقدر بالآلاف من المصريين المقيمين فى منطقة بنى وليد بليبيا،
معظمهم من قرية شبرا باص بمحافظة المنوفية تم احتجازهم بالمنطقة، ويطالب
الليبيون الذين يحتجزونهم بعودة الليبيين المحتجزين في مصر، مقابل إطلاق
سراح هؤلاء!.
ويضيف أنه تماحتجاز عشرات المصريين داخل
مدرسة "الكراريم"، عند بوابة منطقة الكراريم، شرق مدينة مصراتة الليبية،
وبعض المحتجزين يتعرّضون للتعذيب والإهانة يوميا منذ احتجازهم من قِبل
أفراد من الشرطة وكتائب الثوار الليبيين الذين رفضوا ترحيلهم إلى مصر.
ويوضح "جمعة" أن عدد المحتجزين يصل إلى نحو
80 مصريا، احتجزهم "الثوار" والشرطة الليبية بزعم عدم استكمال أوراق
إقامتهم وإصابة بعضهم بفيروس التهاب الكبد الوبائى "فيروس سى"، ودخول بعضهم
إلى البلاد بطريقة غير شرعية.
من جانبهم، تظاهر أهالي المصريين
المحتجزيين بليبيا بقريتي قفادة وأحمد يونس، التابعتين لمركز مغاغة
بالمنيا، وقريتي الناصرية والجرنوس التابعتين لمركز بني مزار بالمنيا
أيضًا،عبر مكبرات صوت لحشد الأهالي للوقفة الاحتجاجية للتنديد باحتجاز 250
شخصا من أبنائهم بمركز طاجورة التابع لطرابلس بليبيا.
في السياق نفسه، تلقت المشهد استغاثة من
الدكتور جمال نصار - أستاذ جامعى مصرى، معار لإحدى الجامعات بدولة ليبيا،
حيث يشكو مما تعرضت له مجموعة من زملائه الذين تم القبض عليهم، ولاقوا
معاملة مهينة يندي لها الجبين - علي حد تعبيره - ويضيف أن ما يتعرض له
أبناء مصر بليبيا يثير الضمائر التي غابت واندثرت معها كرامة المصرى.
وعرض الدكتور جمال مقطع فيديو يظهر فيه أحد
الأساتذة المصريين أثناء التحقيق معه بواسطة أحد الليبيين، ورغم أن هذا
الليبي يعمل "صبي" بأحد محلات الشاورمة في ليبيا، فإنه يعامل الأستاذ
المصري أسوأ معاملة!!
ويوضح "نصار" أن هذا المقطع عرضته بعض
القنوات الليبية، وبعض المحطات الإعلامية الخاصة كقناة ليبيا الأحرار التى
تبث من قطر، مؤكدًا أن هذا يكشف طرف خيط يحمل دلالة على تدخل دولة قطر في
الشأن الليبي الداخلي، حيث وجه - علي حد زعم الليبيين - لثلاثة أساتذة
جامعيين مصريين تهمة الإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي "فيروس سي"،
ودخولهم إلى ليبيا بغير وجه حق، كما يتهمون هؤلاء الأساتذة بتعمد إصابة
الشباب الليبي في الجامعات بنفس المرض ونقله إليهم داخل الجامعات بحيث
ينتشر داخل ليبيا بمرور الوقت!!
المسهد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق