كما تعلمون ياسعادة الوزير، بأن قطاع التعليم العالي، اذا استغل افضل
استغلال، فهو يلعب دورا رئيسيا في إعداد رأس المال البشري، الذي أصبح يفوق
بأهميته رأس المال المادي، لأنه يسلح الأفراد بالقدرات والمعارف والمهارات
والقيم والاتجاهات التي تمكنهم من مواجهة متطلبات العصر، ويحسِّن مستوى
إنتاجيتهم، ويزيد دخلهم، ويحسِّن مستواهم الصحي، ويمكنهم من المساهمة بشكل
أفضل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادهم، ويقلل الفروق الفئوية
بينهم، ويفسح المجال للكشف عن القدرات المبدعة، ويساعد على حسن استثمارها.
إن حال واقع التعليم العالي في ليبيا اليوم يمكن اعتباره حاله شاذة عما
يدور في العالم من حولنا، وبكل بساطة ان مؤسساتنا التعليمية كانت من أكثر
القطاعات التي تعرضت الى دمار شامل ابان فترة الحكم الشمولي الدكتاتوري
المنهار التي أتى على الأخضر واليابس في ليبيا. فقد تفنن ذلك النظام
المستبد في إهمال التعليم العالي وعدم دعمه وعدم الاهتمام به مما أدى الى
فشل هذا الصرح الكبير ، حيث كانت هناك تبعات وآثار سليبة جسيمة انعكست
انعكاسا سلبيا وخطيرا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في ليبيا.
وفي ظل واقع التعليم العالي والبحث العلمي في ليبيا وما مر به من ظروف،
نجد أن الوقت قد حان لتسخير كل الجهود والطاقات الممكنة من أجل الارتقاء
بهذا الواقع، اعتماداً على الدور الحيوي للوزارة للنهوض بهذا القطاع الهام.
سوف نتطرق في هذا المقال باذن الله الى أحد الاسباب التي لازلت قائمة الى
يومنا هذا، حتى بعد انتصار ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة، الا وهي
المركزية في ادراة البعتاث الدراسية بالخارج ونقترح عليكم ومن خلال واقعنا
كطالب ليبي في الخارج مايلي:-
اولا:-
اعادة النظر في تبعية ادراة البعتاث ضمن الهيكل التنظيمي للوزارة بحيث
تكون تبعتها مباشرة للوزير، وان تصبح ( الادراة العامة للبعتاث الدراسية)
وذلك للأسباب التالية:
- التواصل المباشر مع الوزير وبصورة مستمرة دون وجود عائق مثل الوكلاء وغيرهم من المسئولين بالوزارة.
- ان تبعية الادراة للوزير تتيح له التواصل المباشر معها، ويكون مطلعا عن كثب حول سير عملها ومتابعتها وتقييم ادائها.
تانيا:-
أن يكون مقر الادراة من ضمن مبنى الوزراة وليس منفصلا عنها، فمثلا من
غير المعقول ان تكون الوزراة في منطقة قصر بن غشير، وتكون إدارة البعتاث
الدراسية في منطقة الفرناج، وهذا ليس استنقاصا من هذه المناطق، ولكن لتوضيح
الفجوة في الهيكل التنظيمي للوزاة. بالاضافة لوجود ادارة الشؤون المالية
بمنطقة ميزران، فان هذا الجسم المتقطع الاوصال لايمكن له ان يكون. ففاقد
الشئ لايعطيه.
فلنتصور معا كيف يكون حال الدورة المستندية لعمل الوزراة مابين هذا
الجسم المترامي الاطراف او المربع المبعثرة أضلاعه ان صح التعبير (
البعثات- ادراة الشؤون المالية- الوزراة- الوزير) خصوصا وان ادارة البعتاث
تشرف على تقديم المنح الدراسية للطلبة الليبيين بالخارج والذين يصل عددهم
حوالي ال 15 الف طالب، ماشاء الله ولاقوة الا بالله. بالاضافة الى انها
تقوم باتمام اجراءات الطلبة الموفدين الجدد الى الخارج، ومهام اخرى
كالتفويضات واقفال الملفات وتداكر السفر الخ..
وهذا الضعف المركزي لأداء الادارة مرده للعدد المحدود لموظفي الادارة،
وقلة الامكانيات فيها وخصوصا انها تعمل بالوسائل البسيطة والتقليدية، مما
يزيد من معاناة الطالب، في الداخل والخارج على وجه الخصوص، من بطئ
الاجراءات داخل هذا الجسم المترامي الاطراف والمنهك أصلا. ونحن هنا لا
نستنقص من كفاءة وجدية موظفي الادارة بل بالعكس، بل نحن نعتبر الادارة
ناحجة في تأدية مهامها رغم كل هذه الظروف الصعبة.
ثالثا:-
إنشاء فروع لهذه الادارة العامة، ولو بشكل مؤقت والى حين صدور نظام
الحكم المحلي، في عدد من المدن وعلى سبيل المثال ان تكون هناك ادارات بعتاث
في كل من بنغازي – سبها- البيضاء – غريان – مصراتة – درنة – هون –
اجدابيا- الزاوية – زوارة- نالوت- الزنتان- يفرن- مرزق- الخمس الخ….وكما
يمكن انشاء وحدات تكون تبعيتها الى هذه الادارات كل حسب النطاق الجغرافي.
ومن مزايا هذا الاجراء:-
- القضاء على مركزية البعتاث بحيث تتولى هذه الادارات الفرعية
او الوحدات التابعة لها القيام بتقديم الخدمات مباشرة للطلبة المقيمين ضمن
نطاقها الجغرافي، وتفادي مشقة التنقل الى الادارة المركزية في طرابلس
ومايترتب عليها من تكلفة ووقت، وفي غالب الاحيان لا يتمكن الموفد من اتمام
اجراءاته بسبب بيروقراطية ومركزية البعتاث الرئيسية.
- تقوم هذه الادارات باستلام كل ملفات الطلبة بعد التاكد من
صحتها واحالتها الى الادارة العامة الواقعة ضمن مبنى الوزراة بموجب خطاب
احالة مع ضرورة ان تكون هناك صورة من الخطاب الى السيد الوزير، ادراة
التفتيش بالوزارة، وكذلك ادارة المتابعة، اضافة الى مكتب المراجعة الداخلية
او اية ادارة اخرى ان لزم الأمر.
- تلتزم هذه الادارات الفرعية بالمتابعة المستمرة لما تم انجازه
من اجراءات الطلبة مع الادارة العامة للبعتاث ومع الوزير ان لزم الامر.
وهنا قد يتساءل البعض حول جدوى هذه التقسيمات في ظل نتيجة واحدة وهي
استمرار المركزية. نقول ان هذه التقسيمات من شانها ان تخفف العبئ على
الادارة المركزية والموفد في آن واحد، وستظهر من خلال ادارة التفتيش وكذلك
ادارة المتابعة، مواطن الخلل في عمل الادارة العامة للبعتاث وكذلك الوزارة،
مما يتيح للسيد الوزير سرعة اتخاذ التدابير اللازمة نظرا لتواصله عن قرب
من عمل الادارة.
رابعا:-
تعيين نائب لمدير الادارة العامة للبعتاث يتولى مساعدة المدير العام،
ويحل محله في حال عدم وجوده تحت اي ظرف كان. فضلا عن ان هذا التعيين يضع
حدا لمشكلة الفردية في اتخاذ القرار داخل ادارة البعتاث كما هو موجود
حاليا.
خامسا:-
ان يعمل الوزير على انشاء منظومة تفويضات خاصة بالوزارة يتم من خلالها
على سبيل المثال، اعداد التفويضات المالية الخاصة بالطلبة من قبل الادارة
العامة للبعتاث ويتم احالتها الى ادارة الشئون المالية بالوزارة وكذلك مكتب
المراجعة الداخلية ومن تم تحال بعد اعتمادها من قبل الوزارة الى مصرف
ليبيا المركزي مباشرة او اي مصرف آخر تتوفر فيه كل شروط الخدمات المالية.
عندها تحال المبالغ المالية للمراقب المالي الخاص بالطلبة والذي بدوره
يحيلها بواسطة ضغطة زر الى حسابات الطلبة.
ويمكن من خلال هذا الاجراء تفادي عقبة وزارة المالية التي كانت تستلم
التفويضات من وزارة التعليم العالي، وكل ماكانت تقوم به، هو استقطاع مبالغ
التفويضات من ميزانية وزارة التعليم العالي على اعتبارا انها الوزارة
المسئولة عن توزيع الميزانية العامة للدولة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه،
اليس للوزراة ميزانية سنوية خاصة بها؟ اي ميزانية تسييرية وميزانية تحول.
ومن وجهة نظرنا، فان هذا الاجراء يعزز المركزية والبيروقراطية معا.
سادسا:-
ضرورة الاسراع في اتخاذ كافة التدابير اللازمة من اجل ميكنة الادارة
العامة للبعتاث وحتى فروعها، وذلك من خلال انشاء شبكة البريد الداخلي، حيث
يمكن توفير الوقت والجهد وحتى تكلفة الورق، بالاضافة ان هذه الشبكة
الداخلية تسهل بشكل كبير عمل الادراة وكذلك وتقضي على البيروقراطية،
واستمرارية التواصل مع الوزير.
سابعا:-
ضرورة الاهتمام بالملحقيات الثقافية بالخارج ودعمها بالكوادر القادرة
على تسييرها، وذلك عن طريق اعتماد المراسلات الالكترونية الصادرة عن الملحق
الثقافي، وعدم الاعتماد على الطرق التقليدية كالبريد المصور او حتى
الحقيبة الدبلوماسية. كما انه من الضروري ان يكون هناك مراقب مالي خاص
بالطلبة تكون تبعيته للملحقية الثقافية، تنحصر مسؤولياته في صرف المنح
الدراسية اولا بأول او اية مهام توكل اليه من قبل الوزارة.
كما يجب ان تعطى صلاحيات اوسع للملحق الثقافي فيما يتخذه من اجراءات او
توصيات من شأنها ان تخدم الطالب الليبي بالخارج، والا ينظر اليه كساعي بريد
فقط كما هو موجود حاليا بسبب الفردية المركزية في ادارة البعتاث
والوزارة.
ثامنا:-
ضرورة تكوين لجان فنية دائمة يكون الطالب سواءا في الداخل والخارج جزءا
منها، ومنحه الفرصة ليساهم بكل ايجابية وعلى سبيل المثال، اعادة النظر في
لائحة البعتاث الدراسية بالخارج الصادرة عن النظام السابق المنهار، لذلك
يجب ان يساهم الطالب في اعادة صياغتها لانها تخصه وحده لاغير.
وكذلك ان يجب يساهم الطالب ايضا في وضع خطط وبرامج التعليم العالي
المستقبلية في ليبيا فمثلا في اروبا، يشكل الطالب ركنا اساسيا من مجالس
ادراة الكليات بل وحتى الجامعات. ويساهم ايضا في وضع تصور ميزانية الجامعة
التي يدرس فيها، بل وحتى متابعة تنفيذها. فلماذا لا يتم تبني هذه الفكرة في
منظومة التعليم العالي في بلادنا؟
تاسعا:-
ان تقوم كل ساحة بانشاء نقابة او اتحاد طلابي يكون فعلا في خدمة الطالب،
و ان يتواصل مع الوزارة مباشرة من خلال اجتماعات دورية تقابلية مع السيد
الوزير وبحضور كل من مدير الادارة العامة للبعتاث وحتى المحلق الثقافي
بالساحة ان لزم الامر.
وفي الختام، فاننا نتوجه اليكم ياسعادة وزير التعليم العالي بهذه
المقترحات والتي نرجوا منكم النظر فيها بتمعن وستجدونها باذن الله حلولا
جدرية لبعض مشكلات الابتعاث في الخارج، خصوصا وان الوزارة مقدمة على
استصدار قرارات ايفاد جديدة تفوق ال 15 الف طالب ماشاء الله ولاقوة الا
بالله. وحيث يتطلب تنفيذ هذه القرارات الأخذ بزمام الامور، واتخاذ اجراءات
استباقية تفاديا للوقوع في الاحتقان والفوضى كما كان ولا زال يحدث في ادارة
البعتاث.
وفقكم الله لما فيه خير البلاد والعباد،،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
طارق البدري الشريف
طالب بجامعة بورغون/ فرنسا
المنارة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق