هناك من لا تتغير طريقته في التفكير، ولا يريد لأحد أن يفعل ذلك، دون أن
ينتبه إلى أن استخدام أدوات جديدة في قضية ما، أو الاستناد على معطيات
وأوضاع متغيرة في تحليلها، لا يعني بالضرورة تغيرا في الموقف الأساسي
والثابت منها، هذا الأمر هدفه تطوير عملية النقد اللازمة والضرورية في كل
شيء، والتي لا يمكن من دونها التقدم خطوة واحدة في حياتنا.
لم أتصور يوما أن الربيع العربي جاء فقط لإسقاط أنظمة مستبدة، لم نؤيد الانتفاضات الشعبية لأنها أسقطت شخص مبارك أو زين العابدين بن علي وأسرتيهما، لا تكمن أزمة الأمة في أشخاص هؤلاء الزعماء، ولا في أسرهم ومن يحيط بهم، حتى وإن كانوا العناوين البارزة للأزمة، وشكلوا أهدافا مباشرة للهبات الشعبية في تلك البلدان، مما جعل من اقتلاعهم بشكل جذري أمرا لازما وضروريا للتغيير، إنما جاء الربيع العربي لاقتلاع أشياء كثيرة مع هذه الأنظمة ورموزها، مناخ التفكير السائد عربيا، تنظيم عملية الاختلاف، حرية النقد وضوابطها، هدم المنظومة الفكرية والسياسية والدينية والثقافية والإعلامية والاجتماعية التي أنتجت الاستبداد، وشكلت حاضنة له طوال القرون الماضية.
من يتابع الانقسام الحاد بين القوى السياسية التي خلفت الاستبداد، يتضح له حجم الخلل الذي نعاني منه في طريقة التفكير، لا يمكنك أن تتصور الطريقة التي يختلف بها هؤلاء، وكيف أن مثقفا لديه القدرة على إيهام نفسه وإقناعها بأن كل الخلل يكمن فقط في القوى الأخرى المختلف معها، ويبني على ذلك مشروعا تبشيريا بكارثية الطرف المقابل له ومسؤوليته عن كل المشاكل الطارئة، ويفعل من في الطرف الآخر الشيء ذاته، وتكون لدى الطرفين قدرة هائلة على عدم تقديم شيء، سوى الإدانات المتبادلة التي لا تقدم أو تؤخر في تجاوز المشكلة، التخندق الحاصل يذكرك بمراحل تاريخية مضت، وكأن شيئا لم يتغير طوال هذه المدة، نحن نعيد إنتاج الطريقة ذاتها للاختلاف والتناحر بشكل عشائري ومتعصب، ولا نعمل على التقدم خطوة تجاه الشكل المثالي لإدارة مجتمعاتنا.
ما يجري في بلادنا هذه الأيام، إما أن تكون مع الإخوان أو ضدهم! وكأن الثورة قامت من أجل هذا الأمر، تحديد تموضعنا من جماعة الإخوان المسلمين والموقف منها، ولدى الطرف المناهض للجماعة قدرة هائلة على اختزال كل شيء في هذه المسألة، وتجيير كل أمر ونقاش وموقف لصالح معاداة الإسلاميين، كما يمتلك الإسلاميون قدرة عجيبة في تصوير الأشياء على هذا النحو، يتحدثون لك عن الفلول من النظام السابق والعدو الخارجي وضرورات المرحلة الانتقالية، وهذا كله صحيح، لكنهم لا يريدون منك أن تقف عند أخطائهم ومواقفهم ومساهمتهم المعتبرة في الأزمة! ولا يمكن لشخص يحترم نفسه ويُعمِل عقله أن ينحاز للطرفين على الإطلاق، الطرف الذي يرى في الجماعة السياسية الإسلامية كل الخلل، وينسب لها تعطل عملية التغيير وعدم الاستقرار، ولا الطرف الذي يعدد كل الأسباب الصحيحة للأزمة، ويتجاهل دوره فيها!
الديمقراطية ليست صندوق اقتراع فقط، كما يشير أصحاب الأوراق الكثيرة في تلك الصناديق، ولكنها ليست شيئا بعيدا عن ذلك، ولا ثوابت ومبادئ خارج الإرادة الشعبية كما يحاول منظرو الديمقراطية الليبرالية إيهامنا، والديمقراطية ليست انشغالنا بشكل مرضي وهستيري بثنائية الإسلاميين والعلمانيين، منَ انحاز في اللحظة الأولى لهذا الحراك الشعبي، لم يدر في خلده يوما أنه سينتهي إلى صراع لا يعنيه كثيرا، وأن يتحول كل التغيير إلى حرب حول مكانة هذه القوى السياسية أو تلك، لدينا أحلامنا وآمالنا بعيدا عن هذا الجدل، والذي كان سيقدر له أن يحظى بأهمية بالغة لو حل في موضعه الصحيح، دون أن يشتعل الشارع ويفقد المواطن أمنه واستقراره ومعيشته لأجله
لم أتصور يوما أن الربيع العربي جاء فقط لإسقاط أنظمة مستبدة، لم نؤيد الانتفاضات الشعبية لأنها أسقطت شخص مبارك أو زين العابدين بن علي وأسرتيهما، لا تكمن أزمة الأمة في أشخاص هؤلاء الزعماء، ولا في أسرهم ومن يحيط بهم، حتى وإن كانوا العناوين البارزة للأزمة، وشكلوا أهدافا مباشرة للهبات الشعبية في تلك البلدان، مما جعل من اقتلاعهم بشكل جذري أمرا لازما وضروريا للتغيير، إنما جاء الربيع العربي لاقتلاع أشياء كثيرة مع هذه الأنظمة ورموزها، مناخ التفكير السائد عربيا، تنظيم عملية الاختلاف، حرية النقد وضوابطها، هدم المنظومة الفكرية والسياسية والدينية والثقافية والإعلامية والاجتماعية التي أنتجت الاستبداد، وشكلت حاضنة له طوال القرون الماضية.
من يتابع الانقسام الحاد بين القوى السياسية التي خلفت الاستبداد، يتضح له حجم الخلل الذي نعاني منه في طريقة التفكير، لا يمكنك أن تتصور الطريقة التي يختلف بها هؤلاء، وكيف أن مثقفا لديه القدرة على إيهام نفسه وإقناعها بأن كل الخلل يكمن فقط في القوى الأخرى المختلف معها، ويبني على ذلك مشروعا تبشيريا بكارثية الطرف المقابل له ومسؤوليته عن كل المشاكل الطارئة، ويفعل من في الطرف الآخر الشيء ذاته، وتكون لدى الطرفين قدرة هائلة على عدم تقديم شيء، سوى الإدانات المتبادلة التي لا تقدم أو تؤخر في تجاوز المشكلة، التخندق الحاصل يذكرك بمراحل تاريخية مضت، وكأن شيئا لم يتغير طوال هذه المدة، نحن نعيد إنتاج الطريقة ذاتها للاختلاف والتناحر بشكل عشائري ومتعصب، ولا نعمل على التقدم خطوة تجاه الشكل المثالي لإدارة مجتمعاتنا.
ما يجري في بلادنا هذه الأيام، إما أن تكون مع الإخوان أو ضدهم! وكأن الثورة قامت من أجل هذا الأمر، تحديد تموضعنا من جماعة الإخوان المسلمين والموقف منها، ولدى الطرف المناهض للجماعة قدرة هائلة على اختزال كل شيء في هذه المسألة، وتجيير كل أمر ونقاش وموقف لصالح معاداة الإسلاميين، كما يمتلك الإسلاميون قدرة عجيبة في تصوير الأشياء على هذا النحو، يتحدثون لك عن الفلول من النظام السابق والعدو الخارجي وضرورات المرحلة الانتقالية، وهذا كله صحيح، لكنهم لا يريدون منك أن تقف عند أخطائهم ومواقفهم ومساهمتهم المعتبرة في الأزمة! ولا يمكن لشخص يحترم نفسه ويُعمِل عقله أن ينحاز للطرفين على الإطلاق، الطرف الذي يرى في الجماعة السياسية الإسلامية كل الخلل، وينسب لها تعطل عملية التغيير وعدم الاستقرار، ولا الطرف الذي يعدد كل الأسباب الصحيحة للأزمة، ويتجاهل دوره فيها!
الديمقراطية ليست صندوق اقتراع فقط، كما يشير أصحاب الأوراق الكثيرة في تلك الصناديق، ولكنها ليست شيئا بعيدا عن ذلك، ولا ثوابت ومبادئ خارج الإرادة الشعبية كما يحاول منظرو الديمقراطية الليبرالية إيهامنا، والديمقراطية ليست انشغالنا بشكل مرضي وهستيري بثنائية الإسلاميين والعلمانيين، منَ انحاز في اللحظة الأولى لهذا الحراك الشعبي، لم يدر في خلده يوما أنه سينتهي إلى صراع لا يعنيه كثيرا، وأن يتحول كل التغيير إلى حرب حول مكانة هذه القوى السياسية أو تلك، لدينا أحلامنا وآمالنا بعيدا عن هذا الجدل، والذي كان سيقدر له أن يحظى بأهمية بالغة لو حل في موضعه الصحيح، دون أن يشتعل الشارع ويفقد المواطن أمنه واستقراره ومعيشته لأجله
المنارة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق