الاثنين، 4 فبراير 2013

عبدالرحمن شلقم : اجرح وداوى فى دار الفتاوى



  برعاية مفتي الديار: مناقصة بين شركات التسويق والدعاية والاعلان

فى بدعة هى الاولى من نوعها لم يسبقها إليها أحد بين كل دور الافتاء فى العالم تعلن دار الافتاء الليبية عن مناقصة بين شركات الدعاية والاعلان لإطلاق حملة هدفها تحسين صورتها لدى المواطن الليبى وتشجيعه على التواصل معها وكأن مؤسسة الافتاء منشأة اقتصادية تسعى نحو الربح والخسارة، وكأن الفتوى سلعة تباع وتشترى يجب الترويح لها.

وهذا الاعلان هو اعتراف قوى بإحساس مفتى الديار بمدى كراهية الناس لشخصيته السمحة وابتعادهم عنه لتدخلاته المتكررة فى ما لا يعنيه ومحاولاته المضحكة لاحتكار السلطة والسيطرة على صنع القرار والضغط على المسئولين للتسليم له بالرئاسة باعتبار أنه أعلم الناس بالدين وأقدرهم على تطبيقه لذلك فهو الاحق بالولاية كما قال الامام أية ألله روح الله الخمينى فى كتابه ولاية الفقيه.

ولأنه لا فرق بين دار الافتاء وساكنها ولان هدف الحملة الاعلانية هى تجميل صورة الشيخ فى عيون الاخرين. فإن ما يخطط لا نفاقه من أموال الدولة الليبية ليس الدعاية للإسلام بل الدعاية لشخصه الكريم وفى أول مراحل النقاش لا يستطيع القول بأن كراهية الناس لتصرفاته تعنى كراهية للدين أو انصراف عنه ولا يمكنه أن يصف معارضيه بأنهم كفار مارقون عن الدين وإلا فالأولى توجيه هذه الحملة لتبصيرهم بحقيقة الدين أو إهدار دمهم ما داموا خارجين عن الملة.

لذا فلا بد له من أن يواجه الحقيقة ويقر بانصراف الناس عنه ومن الظاهر أنه يشعر بضعف تأثيره عليهم لكنه لا يرى أن العيب فيه بل فى الرعية الساذجة التى لا تفهم أو ترفض أن تفهم فحاول السيطرة على عقولهم بطريقة مكيا فيلية لا تمت للإسلام بصلة بل لا يعترف هو بها لكنه مضطر لاستخدامها وهى خداع الاخرين بالكلمات. وربما ما يزال البعض يذكر حديثه لجريدة الاهرام القاهرية عن تفسير رفضه للانتخابات بأن الشعوب تنخدع بمعسول القول. وبما أن الليبيين شعب فإنهم سينخدعون بمعسول القول لذا فعليه أن يحاول لكن ليس عليه أن يتوقع النجاح، بل ينبغى عليه بداية أن يقر أن العيب ليس فى دار الافتاء وليس فى فهم الناس للدين بل المشكلة هى فى ساكن الدار ومن يتحدث باسمها ويحاول التدخل فى كل شأن ويسعى إلى فرض رأيه فى كل موضوع متخذا من الدين سيفاً او ترساً يزاحم ذوى الاختصاصات فى صميم عملهم، يتجاوز سلطاته فيصدر الاوامر ويوبخ المسئولين ويهددهم بما يملك فى يديه من رضاء الله وغضبه ويحاول أن يفرض رأيه عليهم ويرى نفسه قوة فوق جميع القوى وقائدا يلتزم الجميع له بالسمع والطاعة مادام يرى أنه خليفة رسول الله فى الارض الليبية.

اعترض على أعمال المؤتمر الوطنى وانتقد تصرفات رئيسه وانتقد القضاة ووصفهم بالفساد واعترض على الكتب الدراسية التى أقرتها وزارة التعليم ووصف سكان بنى وليد بالفئة الباغية التى تجب محاربتها ومن على من يموت فى قتالهم بالشهادة ثم أخيرا يرسل قوة حراسته لتهاجم مقر المؤتمر الوطنى العام كما هاجمت قناة العاصمة من قبل احتجاجا على تشكيل الوزارة لان رئيس الوزراء المكلف لم يأخذ رأيه فى تعيين وزير للأوقاف والشئون الاسلامية (لا أفهم كيف تكون هناك وزارة للأوقاف والشئون الاسلامية ويكون هناك مفتى مستقل أليست الفتوى جزئا من شئون الاسلام؟).

فى عهد القذافي كان الشيخ واحدا من شيوخ القذافي يعمل فى تليفزيونه ويقبض المال على ظهوره أمام كاميراته، وكلما اراد النظام السابق أن يتخذ مظهرا إسلاميا كان مولانا الامام واحدا من بيادقه يسانده بالحضور إن لم يكتب الكلام وأسلوبه واضح فى كتابة مراجعات الجماعة المقاتلة التى أقرت بحرمة الخروج على الحاكم ثم ظهوره فى الاحتفالات التى أقيمت بمناسبة الافراج عنهم باعتبارها منة من ولى الامر المسلم (لا تفهم لماذا لم يعرضوا ملف الشيخ على هيئة النزاهة).

فإن كان حينها يضمر الكره ويدعى الولاء فأنه يأخذ بمذهب التقية الذى هو مبدأ أهل الشيعة الذين يحاربهم ويحكم بكفرهم وإن ادعى الضعف وعدم القدرة على المواجهة فإنه يخالف ما يحفظه من قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْض وِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النساء:97].

وإذا كان الساكت عن الحق شيطانا أخرسا فلماذا لم ينطق حينما فتكوا بالشيخ البشتى وقتلوه صبرا وعذابا وأين كان حينما قتلوا مئتين والفا من الشباب المسلم فى مجزرة أبى سليم. وعندما كان القذافي وأبنائه وعشيرته يسبون الرسول والسلف الصالح سرا وعلنا, وكان يسمع ويرى فلماذا لم يستنكروا لماذا لم يأخذ بقول مالك (قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يسب فيها السلف). فما بالك ببلد يسب فيه الرسول.

وحين تصدى لأمر الفتيا اتخذ منها سلاحا سياسيا لتحقيق مآربه الدنيوية فتدخل ضد المطالبين بالفيدرالية وهى قضية سياسية لا علاقة للدين بها. ثم لما تظاهر مواطنون بسطاء أبرياء يريدون التعبير عن رأيهم ضد الميليشيات المسلحة بوسائل التعبير التى كفلها القانون. ووصفهم بالسكارى والمدمنين وأفتى لا فض فوه بتحريمها واعتبرها خروجا عن الحاكم وحرض المسئولين على استخدام القوة لفضها أما حين تظاهرت الميليشيات المسلحة واقتحمت قاعة المؤتمر الوطنى بالسلاح وهددت أعضائه ثم حاصرته فى خروج علنى على السلطة ينطبق عليه حد الحرابة. زم الشيخ شفتيه وقبض بأسنانه على لسانه ورفض إدانتهم بل وأعلن عن تضامنه بإرسال أفراد قوة حراسته للاشتراك معهم والحاكم المسلم الذى حرم الخروج عليه سلما هو نفس الحاكم المسلم الذى خرج عليه بالسلاح. كان يجب أن تكون فتواه بتحريم الخروج على الحاكم بغير سلاح ووجوب الخروج عليه بالسلاح.

وحين تفجرت قضية بنى وليد اختار أن يصفهم بالفئة الباغية التى يجب قتالها ووعد من يحاربها بان يحسبه ألله شهيدا لو قاتل وأصيب بالرصاص فقتل. وقرأ من الآية الجزء الذى يخدم مصلحته (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الحجرات 9

أما كان الاجدر به أن يسعى فى الصلح بينهما أما كان الاجدر به أن يقرأ حديث رسول الله “حدثنا عبد الرحمن بن المبارك: حدثنا حمَّاد بن زيد: حدثنا أيوب ويونس، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس لقيني أبو بكرة، فقال:أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار). قلت: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: (إنه كان حريصاً على قتل صاحبه).صحيح البخاري6481″

وعلاج الود المفقود بين دار الافتاء والرعية كما يسميها (لانهم فى نظره كالأغنام تقرع بالعصا) لن تحلها الدعاية ولا الاعلان فإن أحبك الناس فقد أحبوك لأنك سمح بشوش تبادلهم حبا بحب وإن كرهوك فلن تشترى حبهم ولو أنفقت ما فى الارض جميعا وقال سبحانه وتعالى(فبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) أل عمران 159

ونستطيع أن نقول بناءا عليه ولأنك فظ غليظ القلب فقد انفضوا من حولك والفعل يوجب رد الفعل والتشنج وكثرة التهديد بالدين وبعقاب الله يؤدى إلى اليأس من رحمة ألله ثم إلى نتائج عكسية يمكن لمن يراقب الامور بعين فاحصة أن يراها فى تفكك السودان إلى دويلات وأن يقرأ أثرها فى تونس والجزائر ومصر حيث ازداد رفض الدين بين المسلمين وتحول إلى ظاهرة تنتشر بسرعة بين الشباب وتهدد بفتنة داخلية بين المسيحيين والمسلمين ثم يرى ازدياد أعداد العابرين إلى المسيحية فى الجزائر وفى المغرب، أما فى تونس فإن واحدا من أعضاء المجمع الكاردينالى الذين ينتخبون البابا قسيس تونسى اسمه محمد.

لقد عاشرت عن قرب مفتى ليبيا الشيخ محمد أبو الاسعاد العالم والشيخ الطاهر الزاوى وكانا كما كان الائمة الاخرون شخصيات بسيطة متواضعة لم يدخلوا فى مهاترات السياسة, و لم يهددوا باسم الدين ولم يكفروا أحدا ولم يتخذوا الفتيا سبيلا لتحقيق المنافع الشخصية أو سلما للتسلط والسعى للسلطة لكن مولانا الامام الحالى يقدم صورة مختلفة ستضر بالدار ولا شك.

وحفاظا على هيبتها وعودة الاحترام إلى شخص المفتى أو شيخ البلاد. نريد أن يتولى المنصب شخصية سمحة يتسع صدرها للجميع فتقبل المذنب وتقيل عثرة المخطئ وتدعو للمعسر بالمغفرة والرحمة ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة لا أن يهددهم بمكاليب النار وقتل المرتد والتفتيش على الضمائر والتشكيك فى إيمان المسلم لان الله هو(أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)النحل 125

نريد أن نرى عالما لا يتحدث إلا إذا سئل و يقبل بالاختلاف يطرح فى الفتوى الآراء الفقهية المتعددة ثم يترك للسائل أن يختار بينها فلا يلزمه برأي واحد لأنه ليس وصيا عليه ولأنه لا يدرك على نحو يقينى أى رأى هو الاصح.

وأدعو لو انضم الحقوقيون إلي فى مطالبة الشيخ بالتنحى عن منصبه لأنه وهابى العقيدة وعقيدة الليبيين مالكية ومن حقهم أن يكون مفتيهم على نفس مذهبهم ويا حبذا لو انضم المحامون إلي لرفع دعوى ىعدم دستورية قانون دار الافتاء المليء بالمطاعن والسخى فى الامتيازات التى منحت للشيخ دون وجه حق مدعيا أنه يطلبها للدار لا لنفسه لأنه لا يفصل بين شخصه وبين المنصب الذى يشغله.

نريد كذلك ومن حقنا كمواطنين أن نعلم من يدقق فى حسابات الدار ومن أين سيدفع ساكنها تكلفة هذه الحملة الاعلامية التى سيكون هدفها المحدد هو تلميع صورته والدفاع عن أخطائه لأنها ستكون من أموال الدولة الذى يضعها فى موقف هزلى مضحك وكأنها تنفق عليه ليخطئ ثم تنفق عليه لتصحيح أخطائه وكما قالت البادية قديما أجرح وداوى، ياشينك دعاوى!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق