الثلاثاء، 22 يناير 2013

#ليبيا #إسماعيل_القريتلي : الجنوب الليبي نحو المجهول!

لا أعتقد أن حاكما عسكريا مهما علا كعبه يمكن أن يعالج الواقع المأزوم في الجنوب. ويبدو أن السلطة بجناحيها التنفيذي والتشريعي لم تنجح في التوضيح لليبيين بما فيه الكفاية ما الذي يحدث هناك. كل ما نسمعه هو بعض الخلافات بين مكونات الجنوب تنتهي أحيانا إلى استخدام السلاح. أي أن التقييم يتركز على أن المسألة محلية لا علاقة لها بما يحدث وراء الحدود.
وأما إعلامنا فهو غارق في العسل لا يرى كوابيس الجنوب.
في مقابل هذا النعاس الإعلامي والتهوين الحكومي على الأقل من خلال غياب بيانات واضحة تقدمها الحكومة بشكل دوري على ما يدور في جنوبنا من أحداث وما يتبعها من تداعيات داخلية خاصة على النسيج السكاني المحكوم بتوترات تاريخية عمقها النظام السابق من خلال تهميش فئات وتمكين أخرى.
ولأن ليبيا محاطة جنوبا بدول بعضها تعاني اضطرابات سياسية مع أزمات اقتصادية تزيد من فقدان سيطرة حكوماتها على الأوضاع خاصة من المجموعات المختلفة إثنيا عن الغالبية الحاكمة.
وبلا ترتيب مقصود، إن وجود القاعدة والجماعات الجهادية في الجنوب الليبي خاصة في المناطق القريبة من الحدود الجزائرية أصبح محل نقاش واسع في الأوساط الدولية والإقليمية. وذكر تقرير لشبكة السي أن أن نشر في 18 يناير من هذا العام تأكيدات أميركية وليبية عن الدور المتعاظم لتنظيم القاعدة الذي تمثل في تأسيس ثلاثة معسكرات لتدريب جهاديين من دول عديدة بينها ليبيا ومصر والجزائر والمغرب وموريتانيا ومالي.
وأشارت مصادر عديدة كما أوضح تقرير السي أن أن إلى أن ما حدث في منطقة عين آميناس الجزائرية النفطية اعتمد على دخول مشترك للحدود الجزائرية من كل من ليبيا ومالي وربما النيجر كذلك.
والتأكيدات تتزايد من أن السلاح المنتشر في ليبيا قد وصل لكل تلك التنظيمات الجهادية والمجموعات المسلحة التي تعارض أنظمة الحكم في تلك الدول.
ما حدث في مالي من سيطرة بعض الإسلاميين على مناطق في شمال البلاد منح فرنسا ذات النفوذ الواسع في أكثر من عشرين دولة إفريقية تتحدث أغلبها الفرنسية كلغة رسمية، الفرصة للعودة إلى مناطق نفوذها بحثا عن النفوذ والماس والأموال كما وصفت صحيفة ستار مورنينق البريطانية ذات التوجه اليساري في تقرير لها نشرته في 15 يناير من هذا العام.
وأكد تقرير الصحيفة استنادا لتصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بعد تنصيبه رئيسا لفرنسا في منتصف 2012 قال فيها أن فرنسا تخلت عن سياسات الفرنسة لأفريقيا واعتماد سياسة الاحترام على عودة التدخل الفرنسي من خلال العمليات الجوية والأرضية في مالي مدعوما سياسيا ببريطانيا، مما اعتبره البعض استمرارا للدور الفرنسي في أفريقيا الذي بدأته من ليبيا.
وكانت الجزائر الدولة المتضررة بشكل مباشرمن تنظيم القاعدة قد رفضت على لسان خارجيتها التدخل العسكري في مالي الذي منحته الشرعية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) التي لا تضم كلا من الجزائر ومالي. في حين هناك أنباء لم نتمكن من التأكد منها بسبب شح المعلومات التي تمنحها الحكومة الليبية أن مسؤولين ليبيين أكدوا للفرنسييين دعم بلادهم للعمليات العسكرية الجوية والأرضية الفرنسية في مالي.
ومن المتوقع لو صحت معلومات دعم ليبيا للتدخل الفرنسي أن يرفض بعض طوارق ليبيا ومجموعات إسلامية أخرى الموقف الذي يرونه موجها ضد امتدادهم الديمغرافي أو الإسلامي في مالي.
إن تقارير أميركية سابقة أشارت بوضوح إلى رغبة أميركية بتواجد عسكري نوعي في جنوب ليبيا بهدف دعم عمليات المراقبة والسيطرة على تحركات تنظيم القاعدة في الصحراء الكبرى الممتددة جنوب وشمال دول تعاني الكثير منها ضعف البنية الأمنية والسياسية التي تمكنها من السيطرة على حدودها.
ربما يجمع ما سبق وما سنتحدث عنه الآن افتقاد الدولة الليبية للسيطرة الكاملة على حدودها بلا استنثاء مما ضاعف من التحديات التي تواجه ليبيا في أمنها واستقرارها.
وجاء في ملخص لبعثة الأمم المتحدة الخاصة بليبيا على موقعها الإكتروني أنه على الرغم من مبادرات عدة للتحكم في الحدود فإنه “ما زال أمن الحدود قضية حساسة، فالتقدم الملموس لا يزال بطيئاً، فيما لا تزال المسؤوليات المشتركة بين الوكالات (الجهات المعنية في ليبيا بالحدود من داخلية ودفاع وجمارك وغيرها) غير مؤكدة. فالسلطات الليبية لم تقم بعد بتأكيد أدوار ومسؤوليات أمن الحدود، فيما تبقى الحدود الليبية مليئة بالثغرات التي تمكن الهجرة غير الشرعية وتهريب الأشخاص والأسلحة والمخدرات والسلع الأخرى غير المشروعة.
كما تقوم البعثة بتعزيز قدراتها لتتمكن من توفير المشورة الخاصة بالسياسات المعنية بقضايا أمن الحدود، كما أنها تدعم بشكل نشط اجتماعات إدارة الحدود التي بدأ الاتحاد الأوروبي بعقدها منذ يوليو 2012. ويهدف التقييم المتكامل لإدارة الحدود الذي يجريه الاتحاد الأوروبي إلى تقديم المساعدة العملية للحكومة الليبية.”
هذا كان اقتباسا من تلخيص البعثة التي قضت في نوفمبر 2011 أسبوعا كاملا في الجنوب الليبي تتقصى فيه عن حقائق الواقع فيه وانتهت لهذه الخلاصة إلى جانب أزمة التداخل الديمغرافي الذي تسببه موجات الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا قادمة من عديد الدول الإفريقية. دون أن نهمل الإشكالات العتيقة بين المكونات السكانية الأصلية للجنوب الليبي.
لا أدري إن كانت حكومتنا ومؤتمرنا معنيين بأمن ليبيا على وجه الحقيقة أم أنهم يواصلون ممارسة مناكفات سياسية حصرت الأمن في الصراع بين الأمن السابق والثوار نزولا لرغبات ورؤى مجموعة سياسية حصرت الأزمة في صراعها مع الثوار رغم عديد الأخطاء التي ارتكبها الطرفان الأمن والشرطة من جهة والثوار من جهة ثانية. ومن أسباب هذا التنازع الثنائي عدم تعامل كل الحكومات المتعاقبة على ليبيا إبان الثورة وبعدها بالجدية الكاملة بعد تقييم حقيقي وليس رغائبي أو تدفعه الخصومات السياسية كما سمعنا مرارا على لسان مسؤولين سواء في المجلس الانتقالي أو المكتب التنفيذي أو الحكومة الانتقالية والآن نلحظ بعضا من ذلك عند الحكومة المؤتمر حيث يحصرون جميعا الأزمة في الموقف إما من الثوار أو الأمن والشرطة.
إن الجنوب تتعاضم فيه الأزمة مقابل زيادة استمرار الحكومة والمؤتمر في تجاهلها والتعامل مع العامل الخارجي وكأنه غير موجود أو حصره أحيانا في تهديد غير واضح المعالم للقاعدة.
على السلطة الحالية أن تتابع بشكل متواصل مع دول الجوار الجنوبي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة الوضع في الجنوب، وصولا إلى اتفاقات واضحة تحمي السيادة الليبية وتعالج مصالح تلك الدول بما لا يتعارض مع السيادة بعيدا عن الخطاب الحماسي الذي نسمعه من بعض مسؤولي الدولة الليبية مع تخوفنا من استجابة غير مسؤولة لمطالب القوى الدولية المؤثر في المعادلة الليبية وكأن تلك الخطب الحماسية عن السيادة هي الغطاء الذي تمرر من تحته الاستجابة للشروط الخارجية.
أيضا على إعلامنا مسؤولية مهنية بأن يتابع الوضع في الجنوب باعتبار أن الأخبار تأخذ أهميتها وفق معايير متعارف عليها تجعل من الجنوب يتربع على قمة الأجندة الإخبارية اليومية. وليس كما نرى من انزلاقات سياسية وشخصية لأصحاب وسائل الإعلام بمتابعة مواضيع قد تحكم عليها معايير الحكم على أهمية الأخبار بأنها لا تستحق أكثر من سطر أو عنوان أخير في نشرة أخبار مطولة.
المنارة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق