في ضوء الهجوم الذي قامت به بعض العناصر الاسلامية علي المراكز الامنية
سواء بطريقة واعية او بطريقة لا واعية تكشف عن عدم إدراك خطورة هدم مؤسسات
الدولة وهي في بداية النشأة بعد اسقاط النظام الأمر الذي يحتاج الى مراجعة
جذرية و شاملة في الأهداف والآليات التي تبنى عليها المؤسسة الامنية .
الحديث المتداول في وسائل الاعلام الليبية حول ما يسمى بالتيار الديني
المتطرف لا يرتقى لمستوى تناول الموضوع بشكل موضوعي ومحاولة فهم ما يجري
بمفردات ما يجري و الشئ الذي يخيف هو التركيز على الشق الامني من الموضوع
وإهمال الشق السياسي وهو الأهم .
التيار الديني موجود وشارك وساهم بشكل كبير في اسقاط نظام القذافي وهو
جزء من الصراع السياسي وطرف لا ينبغي تجاهله وعند تناول هذا الموضوع من باب
الإدانة والاتهام لهذا التيار وبأنهم مجموعة ضالة وأن عليهم العودة الى
شرعية الدولة، وفي المقابل هذا التيار لا يزال ينظر الي الدولة بأنها
لازالت تتكون من بقايا النظام السابق ومخلفاته الفكرية ، هنا التبادل في
الاتهامات والاستعداء السياسي سيؤثر على الصورة العامة وسيزيد من ازمة
الثقة .
الخطاب الاعلامي في التعامل مع هذه القضية محدود جدا وغير ذكي وهذا
الاصرار من بعض وسائل الاعلام على ممارسة الاتهام والإدانة والتحريض مؤشر
خطير جدا ، بالإضافة ان هناك بعض السياسيين يتكلمون كما كان يتحدث القذافي
ربما سعيا للحصول على تأييد الغرب وخاصة الولايات المتحدة ، هم يمارسون
الاقصاء والتطرف ايضا اذا قلنا ان التطرف لا دين له وهو في الاساس يعبر عن
ازمة وخلل في التفكير يقود الانسان الى اقصاء الطرف الاخر ، بمعنى ان الدين
ليس سببا في التطرف وإنما ازمة العقل هي السبب في التطرف بأنواعه ومحاولة
اقصاء الاخر .
اليتار الديني لديه خوف مشروع من عودة النظام القديم بصورة أبشع مما كان
في السابق مسلحا بالرغبة في الانتقام ولكن المبرر في الهجوم على مؤسسة
الامن بزعم أنها وبكل اعضائها مارست القمع واستخدمت اسوأ وسائل التعذيب في
السابق و بأنها لازالت تحمل مخلفات الفكر القديم و دون التمييز بين أعضاء
مؤسسة الأمن والمطالبة باستبعاد الجميع او فئات كثيرة منهم بالجملة وبدون
التحقيق القضائي واثبات انهم تورطوا او تورط بعضهم مع النظام هو عدم ادراك
من هذه الجماعات بالأهمية الاستراتيجية والوطنية لمؤسسه الامن .
في المقابل هناك دعوات مشروعة من مؤسسات المجتمع المدني لإعادة هيكلة
جهاز الامن بعقيدة جديدة تحترم المواطن وفق مبادئ وقواعد القانون وحقوق
الانسان و من خلال دمج الثوار من ابناء الشعب رغبة في العودة السريعة
لتحقيق الامن وضبط الانفلات السلوكي و منع استمرار التفكك الاجتماعي .لكن
يقابلها من جانب اخر البطؤ في التحرك بإعادة هيكلة وتنظيم مؤسسة الامن بشكل
يضمن حقوق الانسان واحترام الحريات .
المعالجة الامنية الجوفاء لمشكل سياسي كبير في ليبيا لا تؤدي الي نتيجة
سوى تأجيل الازمة ولذلك العمل على المستوي السياسي والثقافي أهم وأنفع ،
فلا يمكن الحكم على التيار الديني ككتلة واحدة ،فهناك تنوع في الجماعات
الدينية ومن بينهم افراد نعرفهم ونشهد لهم بأنهم من اتقى و أشرف الناس لكن
الإشكالية في النموذج الأبرز الذي يتعامل بتطرف في فرض أفكاره وباستخدام
السلاح لكن يمكن التعامل مع هؤلاء واحتوائهم او على الاقل احتواء الكثير
منهم من خلال المشايخ والعلماء الغير مرتبطين بالسلطة خاصة
.
هذه الجماعات ترفع شعار الاسلام وتطبيق الشريعة ولا يوجد اختلاف على هذا
الأمر من قبل المجتمع الليبي بشكل عام سوى رفض التطبيق ومحاولة فرض
الأفكار بالقوة، و أعتقد أن هذه الجماعة يجب النظر اليها بعين الرأفة، فهي
تكشف عن حقيقة هامة وهى أن الحداثة السطحية جعلت من مؤسسات الدولة خاصة
الامنية منها تمارس فيها أبشع أنواع العلاقات القذرة وعدم احترام حقوق
الانسان وانتشار القيم اللصوصية فيها لذلك فقدت مصداقيتها في اعين الناس
وخاصة الجماعات التي لها تاريخ ونضال ضد النظام السابق لذلك تعلن هذه
الجماعة ان الدين هو الضامن والحافظ لكرامة المجتمع وهي جماعة ليس لديها
مشروع مكتوب أو مفصل ولكنها تمارس نوعا من الضغط على الحكومة للإصلاح
السياسي وهذا تحدي حقيقي للخروج من ازمة الحداثة السطحية وبناء مؤسسات
تحترم حقوق الانسان وتضمن حرياته .
الجماعات الاسلامية تدرك تماما ان السيطرة على المؤسسة الأمنية تعني
السيطرة على الدولة خاصة في ظل غياب مؤسسات مدنية فاعلة و قادرة على
التأثير وتحريك القاعدة الشعبية بشكل يؤثر على قرارات الدولة وسلوكها إذا
انحرفت عن المسار خاصة فيما يتعلق بالقضايا العامة كالحريات والحقوق
والعدالة الاجتماعية ، لذلك هي تلوح باستخدام القوة في حال تجاهلها او
تجاهل مطالبها ،لذلك بدون اصلاح سياسي حقيقي وبدون معارضة شرعية في اطار
مؤسسي لن نستطيع مواجهة أو معالجة مثل هذه الاشكاليات و بالتالي سيزداد
العنف تدريجا كلما ازداد الصراع حول القيادة في المؤسسة الامنية او مؤسسة
الجيش و محاولة السيطرة عليها .
بطبيعة الحال غياب رؤية وطنية واضحة المعالم يتفق عليها الجميع قد يقود
البلاد الى حالات واسعة من الانفلات الامني يصعب السيطرة عليها .
الفكرة مما ذكرت ان التحول الديمقراطي في ليبيا يعبر عن حالة من التدهور
السياسي وليس انفلاتا أمنيا أو تطرفا دينيا كما يظن البعض ،الأمر الذي
يجعلنا نتسائل ، هل ليبيا سوف تشهد تحولا ديمقراطيا حقيقيا أم أن ما يحدث
هو مقدمات لتخلف سياسي وعنف اجتماعي وديني في أبشع صوره ؟
بعيدا عن التفاؤل او التشاؤم اترك الاجابة على هذا السؤال لمستقبل الايام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق