العربية.نت: تتوقف الجلبة فجأة في صالة مغربية كبيرة الحجم، في بيت مغربي عتيق، في الحي القديم لمدينة تازة، بين جبال الريف، في شمال وسط المملكة المغربية، بعد سماع صوت المرتل للقرآن الكريم، في بداية "أمسية روحية"، في واحدة من "ليالي تازة". بعد أن امتلأ المكان بالضيوف، بدأت الفرقة في آخر الترتيبات، استعدادا لسهرة غنائية غير اعتيادية، لها عشاقها من سكان مدينة تازة الجبلية، الذين كلما ارتفع الإيقاع، بين الجبال، جمعوا الأكف تصفيقا، ليتماشى مع الموسيقى الأندلسية المغربية. وكثيرون أتوا إلى السهرة، يرتدون الجلباب، اللباس التقليدي المغربي الأكثر شهرة، لأن للسهرة طقوس يراعيها المغاربة ويحافظون عليها منذ قرون، وفي ليالي الشتاء الباردة الجلباب دواء مغربي ضد البرد القارس. فالموسيقى الأندلسية، بحسب المؤرخين، حملها المطرودون من المسلمين من الأندلس في جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية في القرن الـ15 الميلادي، ليكتب لها التاريخ مجدا امتدادا زمنيا إلى اليوم، مغربيا. وتتمايل الرؤوس طربا من الضيوف، الذين ما تركوا في الصالة المغربي مكانا فارغا، ما يعكس ولعا من سكان مدينة تازة بهذا الفن الغنائي الطربي الذي يواصل محاموه في مسلسل طويل لحمل مشعله، جيلا بعد جيل، بالغناء وبالتطوير وبالبحث بين النصوص القديمة والعريقة. وتنقسم الفرقة الموسيقية إلى فريقين اثنين، صغار في السن جالسون على الأرض من المستمعين، وكبار من المغنين والعازفين يرتدون لباسا تقليديا مغربيا: جلابيب ما بين بيضاء وصفراء اللون، ويضعون على الرأس طرابيش حمراء اللون. وتطلق الفرقة الغنائية التازية أصواتها الرخيمة على موسيقى تبدأ دوما بطيئة وتتسارع أو تواصل بطيئة، و"لا يعكر الإيقاع إلا مشاكل تقنية ولو بسيطة"، في ليلة استرجاعية وجماعية لتراث موسيقي مغربي عربي أندلسي، وجد حاضنا للاستمرار في العيش، في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط منذ قرون خلت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق