العربي الجديد: دخل منتجون عالميون للنفط، اليوم الثلاثاء، في سباق محموم على بيع شحناتهم بأسعار تقل عن 15 دولارا للبرميل بما يقل كثيرا عن الأسعار العالمية السائدة، لتدخل دول عربية حلبة السباق أيضا، لكنها تظل قرب الـ 20 دولارا للبرميل، وذلك بعد أيام قليلة من رفع العقوبات عن إيران. ويرى خبراء في قطاع الطاقة، أن رفع العقوبات عن إيران التي صرحت باعتزامها زيادة إنتاجها بنحو 500 ألف برميل يوميا، ليس مبررا للتهاوي الأخير في أسعار النفط، وتدافع بعض المنتجين على البيع بأسعار متدنية، وإنما هناك مضاربون يسعون إلى إشاعة حالة من التشاؤم بالأسواق لدفع الأسعار لمزيد من الانهيار، بغية تحقيق مكاسب مستقبلية، حيث وقع مضاربون بالفعل عقود بيع مستقبلية بـ 15 دولارا للبرميل.
وظلت أسعار العقود الآجلة للخام في أدنى مستوياتها في 12 عاما، رغم ارتفاعها بنحو 3% اليوم عن الجلسة السابقة، مدعومة ببيانات تظهر أن الطلب في الصين سجل على الأرجح مستويات قياسية في 2015، لكنها لا تزال أقل من 30 دولارا. وفي ظل الأسعار المتدنية لخام برنت والخام الأميركي، وهما من الخامات القياسية التي تعد مشتقاتها الأكثر استخداما في مجالات عدة، اتجه مجموعة من منتجي الخام الثقيل، إلى بيع بعض الشحنات في السوق الحاضرة بأسعار أقرب إلى 10 دولارات للبرميل بفضل الوفرة لديهم، ما يعزز المخاوف من تسبب هذه الخطوة في الضغط بشكل أكبر على أسعار الخام القياسي ودفعه نحو مزيد من الهبوط. وتحتوي الخامات الثقيلة على نسبة أكبر من الكبريت، وتستخدم على نطاق واسع في التدفئة والصناعة وزيت التشحيم والأسفلت، فيما تحتوي الخامات الخفيفة على نسبة أقل من الكبريت، وتستخدم أكثر في وقود الطائرات والسيارات. وتتناسب الخامات الخفيفة مع المصافي الحديثة في آسيا وأوروبا، فيما تستخدم المصافي الأميركية الخامات الثقيلة أكثر. ويتأهب منتجو خامات معينة، من المكسيك وفنزويلا وكندا والعراق، لضخ كميات ضخمة من الخامات الثقيلة عالية الكبريت في أسواق التصدير.
وبلغت أسعار بعض شحنات الخام المكسيكي الثقيل أقل من 13 دولارا للبرميل، وفق وكالة رويترز، اليوم، ويبدو أن الضغط النزولي على أسعار الخامات صعبة التكرير مرشح للتنامي. وقد يفرض ذلك ضغوطا إضافية على عقود الخامين القياسيين، برنت وغرب تكساس الوسيط، التي هوت نحو 20% منذ بداية العام الحالي وأكثر من 70% منذ يونيو/حزيران 2014. وقال المحللون في "جيه.بي.سي إنرجي" للاستشارات، ومقرها فيينا، إن التراجع الحاد في الأسعار يعصف بالخامات الثقيلة التي تباع غالبا بتخفيضات كبيرة عن الخامات القياسية. ففي بلدة هارديستي، في إقليم ألبرتا الكندي، يمكن شراء برميل الخام الكندي الغربي، الذي يعد من أثقل خامات أميركا الشمالية بأقل من 15 دولارا، في حين يحتاج المنتجون إلى سعر لا يقل عن 43 دولارا كي يربحوا.
وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، عرضت شركة النفط الوطنية المكسيكية، "بيمكس"، خصما على المشترين الآسيويين لخام "المايا"، تحميل يناير/كانون الثاني، بلغ نحو 12 دولارا للبرميل عن متوسط خامي سلطنة عمان ودبي، وهما خاما القياس للإمدادات الآسيوية. لكن مع تراجع أسعار النفط أكثر من 10 دولارات منذ ذلك الحين، فقد خفض ذلك الخصم السعر عمليا بمقدار النصف إلى حوالى 12.5 دولاراً للبرميل، يوم الإثنين الماضي. ولم تقتصر عمليات الخفض الكبير في الأسعار على منتجين من خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول، وإنما دخلت دول المنظمة في سباق أيضا على خفض الأسعار، لكنها لا تزال في نطاق الـ 20 دولارا للبرميل، لكن هناك توقعات بنزولها عن هذه المستويات مع استمرار الانجراف نحو الهبوط عالميا، في ظل تخمة المعروض وتباطؤ الاقتصادات الكبرى.
وانخفض سعر برميل النفط الكويتي بواقع 1.38 في تداولات يوم الإثنين، ليبلغ 20.22 دولارا مقابل 21.6 دولارا في تداولات يوم الجمعة الماضي، وفقا للسعر المعلن من مؤسسة البترول الكويتية. وكان سعر النفط الخام الكويتي نحو 46.5 دولاراً للبرميل في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فيما قال خبراء في قطاع الطاقة إن مستوى الأسعار الحالي لم يصل إليه النفط الكويتي منذ أكثر من 11 عاماً. وبحسب بيتر فوسر، رئيس مجلس إدارة مجموعة "إيه.بي.بي" الهندسية السويسرية، فإن سعر النفط قد يتراجع بدرجة أكبر هذا العام، موضحا أن العرض والطلب متباعدان تماما، في إشارة إلى تخمة المعروض عالميا. وذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري اليوم، أن طقسا دافئا على غير المعتاد لهذا الوقت من السنة وارتفاع المعروض سيبقيان سوق النفط الخام متخمة، حتى أواخر 2016 على الأقل. وقالت الوكالة :"نخلص إلى أن سوق النفط تواجه احتمال أن يزيد العرض على الطلب، بمقدار مليون برميل يوميا، للعام الثالث على التوالي، وستكون هناك ضغوط هائلة على قدرة المنظومة النفطية لامتصاصها بكفاءة".
وفي ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، خفضت وكالة الطاقة توقعاتها للطلب على نفط "أوبك" في 2016 بمقدار 300 ألف برميل يوميا إلى 31.7 مليون برميل يوميا، بينما أبقت على توقعاتها لتراجع إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك نحو 600 ألف برميل يوميا، قائلة إن تلك الدول تبدي صمودا لم يكن متوقعا في وجه انحدار الأسعار. غير أن منظمة "أوبك" توقعت في تقرير لها، يوم الإثنين، أن تسجل إمدادات معروض النفط من الدول غير الأعضاء بها هبوطا أكبر من المتوقع هذا العام، جراء انهيار أسعار الخام بما سيعزز الطلب على نفط المنظمة. وقالت أوبك إن إمدادات المعروض من خارجها ستنخفض بواقع 660 ألف برميل يوميا في 2016، بقيادة الولايات المتحدة. وأدى هبوط الأسعار إلى بدء تباطؤ تطوير مصادر الإنتاج مرتفع التكلفة نسبيا مثل إنتاج النفط الصخري الأميركي، كما أجبر الشركات على تأجيل أو إلغاء مشروعات بمليارات الدولارات، وهو ما وضع بعضا من الإمدادات المستقبلية على المحك. وقال التقرير إن إنتاج الولايات المتحدة سينخفض هذا العام 380 ألف برميل يوميا عن 2015، وهو أكبر هبوط خارج أوبك. وسيتأثر الإنتاج أيضا في مناطق مثل بحر الشمال وأميركا اللاتينية وكندا. لكن محللين يرون أن المضاربين يراهنون بشكل أكبر على دفع الأسعار نحو مزيد من الهبوط. وبحسب وكالة "بلومبرغ" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن مضاربين حرروا عقود بيع يطلق عليها اسم "خيار البيع المستقبلي"، بسعر 15 دولارا للبرميل، تستحق العام المقبل 2016، اعتماداً على حالة التشاؤم السائدة حيال الأسعار.
وساهمت في هذه الحالة زيادة عدد التقارير، التي أشارت إلى زيادة في تخمة المعروض، وذلك بعد فشل "أوبك" في تحديد سقف الإنتاج، وتحمس إيران إلى زيادة صادراتها النفطية بعد رفع العقوبات عنها، بالإضافة إلى قرار واشنطن رفع الحظر المفروض منذ 40 عاما على تصدير النفط إلى خارج الولايات المتحدة. وتعد عقود "خيار البيع المستقبلي" إحدى أنواع عقود التحوط من انخفاض الأسعار عن مستوياتها الحالية، التي يتم إبرامها في البورصات، وتعطي لمشتريها حق شراء أو بيع سلعة في تاريخ محدد، بسعر متفق عليه مسبقا، بينما لا يترتب على المشتري بموجب العقد أية التزامات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق