إرم الإخبارية: تسعى تونس لاتخاذ تدابير أكثر جدوى في محاولة لمنع وصول المتشددين من ليبيا للحد من العمليات ارهابية في الداخل التونسي. لكن مختصين يرون أن هذه التدابير التي تتراوح بين فرض تأشيرة على دخول الليبيين لتونس وغلق الحدود لفترات معينة، أو منع دخول قيادات المليشيات المتواجدة بطرابلس للأراضي التونسية قد لا تكون العلاج الناجع لتسرب المتشددين. ويقولون إن الليبيين لم ينفذوا أي عملية حتى الآن في تونس، رغم وجود أرض خصبة حاليًّا في ليبيا للجماعات المتشددة، إلا أن أغلب القيادات والعناصر الفاعلة في مجملها ليست من الليبيين ويشكل العنصر التونسي فيها أغلبية واضحة.
ونفذ المتشددون في تونس بعد الثورة أولى عملياتهم قبل انتشار الفوضى في ليبيا بفترة طويلة، ففي الثامن من مايو 2011 سجّلت في تونس أوّل مواجهة بين القوّات النظامية (أمن وجيش) وبين عناصر مسلّحة أسفرت عن مقتل ضابط برتبة مقدم وثلاثة ضباط صف، وعنصرين متشددين هما سفيان بن عمر وعبدالوهاب حميد. بينما في ليبيا لم تبدأ الجماعات المتشددة في الكشف عن تواجدها والقيام بأعمال إرهابية، إلا بعد مرور النصف الأول من عام 2013 في بنغازي ودرنة، كما أن تواجدها في مناطق أخرى بليبيا لم يصل عمرة للسنة كما حدث في سرت.
خلال الأيام الماضية نشرت وكالة الأنباء الليبية تقريرا مطولا حول دخول عناصر ارهابية من تونس إلى الأراضي الليبية، ونشرت قائمة بأسماء من قالت انهم قيادات خطيرة في التنظيمات الارهابية فاقوا الأربعين اسما وجميعهم من المواطنيين التونسيين، بل ذهبت الوكالة الليبية في تقريرها إلى أن عناصر أمنية تونسية في المنفذ الحدودي المشترك للبلدين ” متواطئة ” في هذا الأمر، وتسمح للمتشددين بدخول ليبيا مقابل مبالغ مالية طائلة، واكدت وكالة الأنباء الليبية أنّ هذه القائمة التي تحصلت عليها صادرة عن إدارة مكافحة الإرهاب التونسية.
في نفس السياق ظهرت تقارير إخبارية تؤكد أن عدد الارهابيين التونسيّين الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات المتشددة في ليبيا، في تصاعد ملحوظ، مما يجعل من تونس أكبر ممول بشري للتنظيمات الإرهابية في ليبيا، والتي تحولت بفضلهم إلى وجهة بديلة للمقاتلين وبؤرة جديدة للتوتر تضاهي العراق وسوريا. وما يؤكد تنامي أعداد الارهابيين من تونس في ليبيا هو ما كشفت عنه ” داعش “من تبنيها لهذه الهجمات الإرهابية المختلفة في ليبيا، والتي أوضحت أن أغلب منفذيها من المقاتلين التونسيين الذين التحقوا بالتنظيم حسب العديد من البيانات ومقاطع الفيديو التي يظهر فيها عناصر ارهابية تونسية نفذت أبرز العمليات الانتحارية والتفجيرات ضدّ قوات الأمن والجيش الليبي، واغتيال الناشطين والصحفيين في بنغازي وعدة مدن ليبية.
ورغم عدم وجود أرقام رسمية عن عدد التونسيين في صفوف داعش في ليبيا، إلا أن هناك تقارير أمنية كشفت أن عدد التونسيين الذين يتلقون تدريبات عسكرية في معسكرات ليبية يتجاوز 2000 شخصا، منهم من كان سابقا في صفوف التنظيمات الارهابية في سوريا والعراق، أو في شمال مالي، لكن الغالبية العظمى منهم دخلت إلى ليبيا انطلاقا من تونس بعد سقوط النظام السابق في ليبيا عام 2011. ويذهب مراقبون إلى أن نشر الوكالة الليبية لهذه القائمة ألقى الضوء على مسألة سهولة اختراق المؤسسة الأمنية في تونس، وحسب محلّلين أمنيين فإنّ العناصر المدرجة بالقائمة تضم أخطر الإرهابيين التونسيين، وأن دخولها إلى ليبيا بوتيرة متصاعدة، ربما يكشف تورط مسؤولين أمنيين من أرفع المستويات في هذه العملية.
ومسألة اختراق المنظومة التونسية الأمنية سبق وأن نبّهت له النقابات ذات الصلة في تونس، حيث أشارت في بيانات سابقة أن هناك محاولات اختراق لوزارة الداخلية التونسية من قبل بعض الأحزاب التي لها علاقة بالإسلام السياسي ونبهت هذه التقارير إلى وجود عناصر أمنية متواطئة مع مجموعات متشددة في تونس. ومما يؤكد ما ذكر سابقا أن مصادر ذات اطلاع وصلة في دوائر القرار التونسي أكدت سابقا أن كلا من الحبيب الصيد رئيس الحكومة وناجم الغرسلي وزير الداخلية توصلا إلى اتفاق يقضي بضرورة إجراء تغييرات هيكلية على الأجهزة الأمنية تكون كفيلة بالرفع من أدائها وتحييدها عن الخارطة الحزبية بالبلاد، من أجل قطع الطريق أمام بعض الأحزاب ذات العلاقة بالتيارات المتشددة التي تسعى إلى اتخاذ موطئ قدم لها في وزارة الداخلية التونسية.
ورغم عدم وجود تنظيم قائم بذاته ويملك القوة في تونس يفرض أفكاره ومفهومه للدّولة من منظوره الخاص كما في بعض البلدان العربية الأخرى، إلا إنه في المقابل تظل محاولات بعض الجماعات مثل ما يعرف "بجند الخلافة" كما تظل كتيبة عقبة بن نافع هاجسا لتونس وبؤرة ترتبط فكريا بتنظيم القاعدة، وبعد مقتل أبرز قادتها لقمان أبو صخر ومراد الغرسلي حاول بعض أفرادها الالتحاق بتنظيم جند الخلافة في الجزائر، ويسعى قادة الصف الثاني بها حاليًّا لإيجاد تنظيم موازي لجند الخلافة الجزائري بتونس. لذلك يقول الخبراء إن محاولات تونس للقضاء على الارهاب في الداخل بربطه بتواجد الليبيين لن يكون مؤثرا بأي صورة، إن لم تسع تونس لوقف دخول مواطنيها لليبيا وتلقي التدريب في بعض البؤر والأماكن الليبية خصوصا مدينة صبراته الليبية القريبة من تونس، وسرت التي أصبحت تحت سيطرة التنظيم بعد أن انسحبت منها مليشيات فجر ليبيا التابعة لحكومة البرلمان المنتهية ولايته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق