بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان....
"محامون من أجل العدالة في ليبيا" تركّز على الحق في الحرية من التعذيب
يُحتفل في اليوم العالمي لحقوق الإنسان من كلّ عام بذكرى اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948. ويتمحور موضوع الاحتفال هذا العام حول الذكرى الخمسين لاعتماد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سنة 1966، كما يتمّ التركيز فيه على الحقوق والحريات. على ضوء هذا الموضوع، تودّ منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" أن تنبّه إلى الحاجة لإطارٍ قانوني شامل يوفّر الحماية للحق المطلق بالحرية من التعذيب في ليبيا، بما في ذلك في الوثيقة الدستورية المستقبلية.
تنتشر ممارسات التعذيب والمعاملة السيئة في ليبيا وسط حصانةٍ تامة لطالما كان ينعم بها مرتكبو هذه الجرائم على مرّ الأجيال، في وقتٍ لم تنجح فيه الحكومات المتتالية في الوفاء بوعودها وبما أعلنته من نوايا لوضع حدّ لهذه المشكلة. وبالتالي، تمثّل عملية إعداد الدستور في ليبيا اليوم فرصةً لا تعوّض أمام الدولة الليبية لتكريس ضمانات حقوق الإنسان، بما فيها ضمان مناهضة التعذيب، على أعلى المستويات، لكي تكفل تطبيقها على الأرض. فالتزامات ليبيا بموجب الاتفاقيات الدولية تملي عليها انتهاج تدابير شاملة تؤكّد على حظر جرائم التعذيب والمعاملة السيّئة حظراً مطلقاً. وعلى الرغم من انضمام الدولة الليبية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة سنة 1989، يبقى الإطار القانوني الوطني في ليبيا غير متوافق مع المعايير المطلوبة بموجب الاتفاقية.
في شهر ديسمبر من سنة 2014، نشرت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور مجموعةً من المقترحات والتصورات المبدئية للدستور المستقبلي. وقد قامت كلّ من منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" ومنظمة "ريدرس" وقتئذٍ بتحليل قانوني شامل لمدى فعالية المقترحات في ضمان حظر التعذيب. ومنذ ذلك التاريخ، والهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور تعمل على توحيد توصياتها في وثيقةٍ واحدة. ولا يزال العمل على ذلك مستمرّاً اليوم، إلاّ أنّ الهيئة قد أصدرت في أكتوبر من العام 2015 وبصورة غير رسمية مسودةً موحدةً للدستور. يقدّم الملخص التاليلمحةً عامةً عن أشكال الحماية المنصوص عليها في المسودة الموحدة بالإضافة إلى بعض التعديلات الأساسية اللازمة لتوفير إطار قانوني شامل يمكن من خلاله ضمان الحق المطلق في الحرية من التعذيب.
تعرب منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" عن قلقها من اللغة الضعيفة المستخدمة للحماية من التعذيب وغيره من أشكال المعاملة السيئة. ولعلّ أبرز مخاوفها في هذا الصدد يتمثل في غياب ضمانةٍ واضحةٍ للحق المطلق في الحرية من التعذيب؛ إذ لا تشتمل المادة الدستورية المعدّلة على الحظر الضروري المطلق للتعذيب والمعاملة السيئة بل تقرّ فقط بأنّ الدولة "تلتزم بحماية الكرامة الإنسانية، ومناهضة التعذيب والإخفاء القسري". في حال تم القبول بهذه التعديلات بشكلها الحالي، فمعنى ذلك أنّ الحظر المطلق للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة لا يُكّرس في الدستور.
وممّا يدعو للقلق أيضاً التعديلات التي أجريت على الموادّ المتعلقة بالعفو. فعلى خلاف ما جاء في مقترحات ديسمبر، لا تنصّ المسودة الموحدة بصيغتها الحالية على حظر العفو عن مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها التعذيب والمعاملة السيئة. فقد حذف التعذيب من قائمة الجرائم التي لا يجوز إخضاعها للعفو، وباتت المسودة تنصّ أيضاً على "العفو الخاص"، في نطاقٍ غير واضح. وفي حال اعتمدت المسودة بصيغتها الحالية، لا يعود الدستور على هذا الأساس يعالج العفو المطبق حالياً كحالات العفو الممنوحة بموجب القانون رقم 38 لسنة 2012 "على ما استلزمته ثورة السابع عشر من فبراير"، بل يمكن أن يفهم على أنه يمنح العفو عن مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها التعذيب. وبالتالي، تبدو المسودة بصورتها الحالية تكرّس ثقافة الحصانة.
ومن الدواعي الطارئة والمثيرة للقلق أيضاً أنّ ضمان إجراءات المحاكمة العادلة لم يعد منصوصاً عليها بالقدر نفسه. فعلى سبيل المثال، لا يحظر بموجب المسودة الحالية الأخذ بالأدلة التي يتم الاستحصال عليها نتيجة التعذيب. ومن المعروف أنّ حماية الحق في المحاكمة العادلة، ولا سيما قاعدة استبعاد الأدلة، هي بمثابة ضماناتٍ هامة جداً لمناهضة التعذيب؛ فالتعذيب يقع في معظم الأحيان عند الاعتقال وفي الأيام الأولى للاستجواب بغرض استخراج الاعترافات أو المعلومات.
على ضوء هذه المخاوف، وغيرها مما سيتم التطرّق إليه في تحديثٍ مقبلٍ للتحليل القانوني الذي أجرته منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" بالاشتراك مع منظمة "ريدرس"، ترى المنظمة أنّ التعديلات الدستورية تلتزم بمعيارٍ أدنى بكثيرٍ من مستوى الحماية من التعذيب والمعاملة السيئة المنصوص عليه في التزامات ليبيا الدولية. وفي هذا السياق، علّقت كلوي دنيس، منسّقة برنامح إعداد الدستور والإصلاح القانوني في المنظمة، بقولها: "نحن متخوّفون جداً من تراجع التدابير المنصوص عليها في المسودة الصادرة عن لجنة العمل في ما يتعلق بضمان الحق المطلق في الحرية من التعذيب ضمن الإطار القانوني الليبي، بما يشكّل انتهاكاً لالتزامات ليبيا الدولية. بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، نناشد الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور بمراجعة وتعديل الوثيقة الدستورية على ضوء هذه المخاوف، من أجل ضمان حفظ الحق المطلق بالحرية من التعذيب على نحوٍ شامل والقضاء نهائياً على هذه الممارسة."
تتطلّع "محامون من أجل العدالة في ليبيا" لنشر تعليقها المفصل حول هذا الموضوع في الأيام المقبلة وهي مستعدة لتقديم أي مساعدة تقنية في هذا المجال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق